القوالب التي تحكمنا
أسامة يماني
الفرق بين المبدع أو المتميز والإنسان العادي أنهما ينظران إلى الأشياء بطريقة مختلفة، فالإنسان العادي لا يفترض أن الدرج أو السلالم ممكن أن تتحرك تحت قدمه، في حين أن مخترع السلالم الكهربائية رأى غير ذلك فتمكن من صناعتها، ونجد أن المخترعين والمبدعين في كل مجال لم ينظروا للأشياء بالصورة النمطية التي ينظر لها الإنسان العادي، ولذلك أوجدوا الفرق وتمكنوا من جعل حياتنا أسهل وأجمل. فما نعيشه من تقدم علمي وثقافي ومعيشي إنما هو من نتاج وإبداع هؤلاء الذين لم تقيدهم القوالب التي تحكمنا، فاخترعوا الكهرباء وطاروا في السماء وجاؤوا بالعلاج وغير ذلك، لأنهم يفكرون خارج الصندوق ولا تحكمهم النمطية أو القوالب التي وجدوها عوائق في طريقهم.
وعلى الصعيد الإنساني نجد أن الإنسان يعيش في قوالب معينة تفرضها بيئة وجغرافية المكان الذي تربى ونشأ فيه، أي تحكمه قوالب لا يد له فيها، فالإنسان لا يختار مكان ولادته ولا البيئة والجغرافيا التي ينشأ فيهما، ومع ذلك نجد أن البعض لا يستسلم لهذه القوالب التي تحيطه وينجح فيما فشل فيه أقرانه لأنه لم يجعل القوالب تعوقه وتوقف حركته. والمقصود بالقوالب كل شيء مادي أو معنوي يقف عقبة في طريق الإنسان.
اليابان خير مثال لذلك، فهذا البلد عديم الموارد الطبيعية تقريبا استطاع التغلب على هذه العقبات والمعوقات وإيجاد الحلول لها وعدم الاستسلام من خلال العمل والإبداع فيه حتى غدت الصناعات اليابانية مثالا للإتقان والامتياز الصناعي، وأصبحت اليابان من أكبر اقتصاديات العالم. والحقيقة أن التغيير على الصعيد القومي والوطني يتطلب وعي المجتمع لأهمية العمل والرغبة في تجاوز هذه القوالب التي فرضتها طبيعة المكان، وذلك من خلال العمل وليس من خلال الشعارات والأحلام والكلمات الرنانة. نعم الوعي المجتمعي يساهم في إيجاد الحل والتعامل مع الصعاب وخلق واقع جديد وأفضل.
المبدعون في السياسة هم من استطاعوا النظر للأمور بطريقة مختلفة وخلقوا لنا هذه الأعراف السياسية والفكر السياسي والنظريات التي تدرس في الجامعات والمعاهد المتخصصة. والمبدعون من القادة والحكام هم من صنعوا تاريخ شعوبهم وأصبحت سياساتهم تدرس كمناهج ويعمل بها الآخرون فقد استطاعوا فهم عصرهم وآلياته وأعرافه لخلق سياسات تصب في مصلحتهم وتحقق أهدافهم.
لذا يجب لكي نتقدم، ولكي نكون مؤثرين وفاعلين على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أن نتجاوز الكثير من الأنماط التي نعيشها، مثل الخصوصية السعودية التي تعزلنا عن العالم الذي حولنا وتبرر لنا أخطاءنا وتقضي على الإبداع أو تضعفه ولا تجعل من مجتمعاتنا بيئة صالحة للمبدعين والمفكرين.
إن الأنماط والقوالب التي نعيشها ونعتاد عليها سبب رئيسي في المشاكل التي نواجهها والوعي بهذه الأمور هو الخطوة الأولى نحو التغيير والتطوير.
الفرد مطالب بإعادة النظر في القوالب التي يعيشها سواء المعنوية أو المادية، ويجب أن يعيد تفكيره في كل قالب يعيش فيه، وعلى سبيل المثال قالب الأب الذي يلبسه الشخص يجب ألا يكون عائقا نحو تفهم الأبناء واحترام خصوصياتهم والتفاعل الإيجابي معهم، أو قالب المعلم الصارم الذي يحرم الأستاذ من التواصل مع تلاميذه، أو قالب المسؤول الذي لا يرى الطرف الآخر الذي يتطلع لخدمة أفضل. وبقدر التحرر من النمطية والقالب يكون الإبداع، لأن الأنماط والقوالب التي نعيشها تجعلنا نفقد الكثير الذي في المستقبل قد نأسف عليه، أو تجعلنا خارج الحدث أو خارج التاريخ.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/23