بيئة المستبد والوعي الاجتماعي
عادل السعيد
الكائنات الحية لا تعيش غالباً إلا في بيئتها الطبيعية، سواء كانت تنتمي إلى مملكة الحيوانات أو مملكة النباتات. على سبيل المثال، هناك فئة من الحيوانات لا تعيش إلا في المناطق الباردة، وأخرى لا تعيش إلا في المناطق الحارة، وإذا قام أحد باقتلاع إحدى الفئتين من بيئتها وأجبرها على البقاء في بيئة تختلف عنها، على الأغلب فأنها ستموت.
المستبد له بيئته الخاصة أيضاً، التي من خلالها يستطيع النمو، والإنتاج بما يضر بالمجتمع، إضرار الجراد بالمحاصيل. لذلك عندما يحاول المصلحون والأحرار أن يقوموا بتغيير البيئة التي يعيش من خلالها المستبد، ويتنفس براحة مطلقة، دائما ما يلجأ إلى العنف والترهيب والسجن، من أجل الحفاظ على بيئته التي أن تغيرت ورحلت خصائصها سيضطر للرحيل معها،تماماً، كاضطرار البعوض إلى الرحيل حينما يتم تجفيف المستنقعات التي كان يعيش فيها.
وهذا هو السبب الذي يجعل كافة المستبدين، مطبقين على العداوة للمصلحين والأحرار والكَيْدُ لهم، لكونهم ما برحوا يدافعون عن الحق والمظلومين، ويدعون للحرية وأنصاف المظلومين، ويحاربون كافة أشكال التجهيل وتزييف المفاهيم التي يقوم بها المستبد للحفاظ على سلطته ودوامها.
وفي مقابل عداوة المستبد للمصلحين والأحرار، فهو يقرب منه، كافة الطبالين والمنافقين – الوطنيون كما يحلو له أن يعبر- من شعراء وكتاب، وإعلاميين، ورجال دين مزيفين، وغيرهم من بقية أفراد الجَوْقة، لأنهم يقومون بشكل دؤوب بتجميل وجهه الدميم بمساحيق كلمات منقعة بالكذب والزور، ولأنهم إذا أرادوا أن يتكلموا قاموا في البدء بارتداء نظارته، ومن ثم افرغوا بلسانه. فأعداؤه أعدائهم ، وأصدقائه أصدقائهم. الحق ما يقوله، والباطل ما يقوله أعدائه.
ولأن المستبد من مصلحته مسخ الوعي الاجتماعي، وبرمجته بما يتوافق مع ديمومة سيطرته، فهو يقدم أفراد الجوقة للمجتمع كقُدُوات، ويطالب الناس بالاحتذاء خذوهم على أعتبارهم النماذج المثالية. كما يطالب هو وجوقته الناس بنبذ المصلحين لأنهم بتعبيرهم يثيرون القلاقل ويقومون بالاخلاء بالأمن! ومن لا تطاله يد سطوته يوعز المستبد لجوقته بتشويه سمعتهم. فأعدائه الذين هم خارج دائرة سلطته، هم بحسب الجوقة عملاء للسفارات أو للدولة الخارجية التي تسعى للإخلال بالأمن في وطننا العزيز!
الوعي الاجتماعي يتم العبث به بواسطة المستبد وجوقته بشكل ممنهج ومدروس وبدقة عالية، ولذلك، لا عجب أن نرى ظاهرة النفاق متفشية، وثقافة التطبيل ذائعة وضاربة في جذور المجتمعات المصابة بفيروس الأستبداد، ولا غرابة أن نجد الأسوياء يعيشون حالة من الأنطواء على أنفسهم، والشعور بالغربة في تلك المجتمعات. فعلاوة على كونهم يرفضون أن يكونوا من زمرة الجوقة، فهم يتعرضون للضغوط من قبل أفرادها للدخول معهم في الحفلة، لكي لا يتم تعييرهم بالتطبيل. فالمصيبة إذا عمت هانت!
أضيف بتاريخ :2017/05/01