آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد المنعم مصطفى
عن الكاتب :
كاتب وصحافي مصري

المشهد فرنسي والأسئلة عربية!


عبدالمنعم مصطفى

كنت قد بدأت عملي للتو في الصحافة في النصف الثاني من السبعينيات، عندما هبطت في مطار روما، طائرة أمريكية تقل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس جيرالد فورد، كان الهدف من زيارة كيسنجر المفاجئة لإيطاليا، هو منع الحزب الشيوعي الإيطالي بزعامة إنريكو بريلنجوير، من تشكيل الحكومة الإيطالية، بعد فوزه بالأكثرية في الانتخابات البرلمانية (34.4%) ،نجحت مهمة كيسنجر، لأن أمريكا كانت على استعداد لدفع أي مقابل مهما كان باهظاً، حتى لا تفوز الشيوعية بالحكم في أوروبا عبر صناديق الانتخاب، وحتى لا تتحول إيطاليا التي تستضيف على أرضها مقر القيادة العسكرية الجنوبية للناتو، إلى جيب تابع للاتحاد السوفييتي في إحدى ذُرى الحرب الباردة .

بعدما أطاحت أموال أمريكا واستخباراتها، بفرص الشيوعيين في حكم إيطاليا، شهدت أوروبا مرحلة هيمنة أحزاب اليسار الاشتراكي على الحكم في معظم دولها، لصد موجة تيار الشيوعية الأوروبية (euro communism) ،فرأينا الاشتراكي هيلموت شميدت في ألمانيا، والاشتراكي فرانسوا ميتران في فرنسا، وراح اليسار يقطف ثمار حقبة من التمرد، أعقبت سقوط ديكتاتوريات يمينية في أسبانيا والبرتغال، حتى أن إحدى الصحف الكبرى وضعت مانشيت الصفحة الأولى تحت عنوان « الحمى القرمزية تضرب أوروبا »!

كان يمكن فهم دواعي الانحياز الأوروبي للون القرمزي آنذاك، والذي عكس ميلاً للتمرد على المألوف، في مجتمعات منحتها الرفاهية متسعاً لتمرد حقوقي مأمون العواقب، برزت فيه جماعات أنصار البيئة، مثل « الخضر» في ألمانيا، وجماعة السلام الأخضر (green peace) فيفرنسا وشمال أوروبا، وراحت تتحول إلى أحزاب سياسية تشارك في الحكم ( حزب الخضر في ألمانيا مثلاً ).

اليوم،ومع المشهد الانتخابي في فرنسا، وقبلها في الولايات المتحدة، وفي بريطانيا وقبلها في روسيا ثم تركيا، يمكننا أن نلاحظ، تقدماً واثقاً لتيارات اليمين السياسي، على كافة الصعد، ما الذي جرى، وما هي دواعي تلك التحولات، وما تأثيرها المحتمل علينا هنا في الشرق الأوسط؟ !.. أسئلة كثيرة يطرحها مشهد بلوغ مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، مرحلة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لأول مرة في تاري خال حزب الذي أسسه والدها قبل نحو أربعين عاماً .

استطلاعات الرأي، وتوقعات الخبراء معاً، يرجحان كفة ماكرون الشاب المدعوم من آل روتشيلد بصفة أساسية، ليس لبراعته السياسية الفذة، وإنما لخوف الناخبين من توابع فوز مرشحة اليمين المتطرف بالرئاسة الفرنسية .

تقولمارين لوبان، إنها سوف تطرد نحو أحد عشر ألف أصولي متطرف يقيمون بشكل دائم في فرنسا، وأنها سوف تعيد النظر في شروط علاقة فرنسا بمنطقة اليورو، بل وتحذر الفرنسيين من سقوط بلادهم في قبضة ألمانيا إن خسرت هي الرئاسة، قائلة : «فيكل الأحوال فإن رئيس فرنسا القادم سيكون امرأة .. إما أن تكون أنا وإما أن تكون أنجيلا ميركل، وعلى الفرنسيين أن يختاروا ».

في ظني فإن تيار صعود اليمين في أوروبا، لن يتوقف، وأن بلوغ مرشحة اليمين المتطرف في فرنسا مرحلة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، هو بحد ذاته تحول يجب أن يحسب العالم حساب ما بعده .

ولكن يبقى سؤال يتعين أن نجد إجابة عنه، سوف تتقرر طبقاً لها وجهة النظام الدولي خلال سنوات طويلة مقبلة : ماهي الأسباب التي دفعت قوى اليمين العالمية إلى المقدمة؟ !

أتصور أن ما جرى في العالم الإسلامي على اتساعه، من صعود لقوى وتيارات التطرّف باسم الدين، منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان، واصطناع الاستخبارات الأمريكية لما أسمته بتيارات الجهاد الإسلامي، ثم بروز تنظيم القاعدة بقوة أعلنت عنها هجمات ١١ سبتمبر في نيويورك وواشنطن، كل ذلك قاد إلى حالة احتشاد لأفكار اليمين في الغرب، جرت ترجمتها لاحقاً إلى حملات سياسية نجح بعضها في الصعود إلى مواقع القرار، في أمريكا ( ترامب) وفيروسيا ( بوتين) وفي تركيا ( أردوغان) وفي بريطانيا ( تريزاماي )،وكان من السهل أيضاً ملاحظة انحسار تأثير الأحزاب السياسية التقليدية، وصعود قيادات لا تدين بالولاء لأحزاب كبيرة ( ترامب في أمريكا مثلاً، وماكرون في فرنسا ) كلاهما خارج الحاضنة السياسية الحزبية في بلاده .

العامل الرئيس الثاني وراء تلك التحولات بنظري، هو جرعة اتصالات زائدة، تلقتها جماعات عرقية، أو وطنية، أو دينية، أو ثقافية، أو اجتماعية، تسبَّبت في إنتاج حالة تمايز تقود إلى الفصل رغم كل أدوات الوصل . أي أن فائض ثورة تقنيات الاتصال، قاد مجتمعات بأكملها إلى فائض رغبات الانفصال، وهو ما حدث في حالة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومطالبة اسكتلندا، تبعاً لذلك، بالانفصال عن المملكة المتحدة، ثم خروج أمريكا من مجموعة إيبك، ومراجعتها لعلاقاتها بمجموعة نافتا .

العالم يتغير بسرعة لا تتيح للأمم التي تكتفي بالفرجة أية فرصة حقيقية في اللحاق به .. اطرحوا أسئلتكم مبكراً . وفتشوا عن إجابات دقيقة لها .. فبين السؤال وبين إجابته، أمة تترقب مستقبلاً لها .

صحيفة المدينة

أضيف بتاريخ :2017/05/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد