ما وراء زيارة ترامب إلى المنطقة.. المخطَّط الأمريكي والمخطَّط الإيراني الروسي المضاد
قاسم شعيب
دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل سفره إلى السعودية في اجتماعات مطولة ومتواصلة لثلاثة أيام مع وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر. وكيسنجر هو أحد قادة جماعة النورانيين اليهود الحاكمين في أمريكا والعالم. وهو بلا شك خبير مخضرم في العلاقات السعودية الأميركية وفي شؤون الخليج وإيران والمنطقة.. سبق لكيسجنر أن أطلق مقولته الشهيرة منذ 2012: “أصم من لا يسمع طبول الحرب العالمية الثالثة التي تقرع في الشرق الأوسط!”… وهو أيضا صاحب مقولة: “سعداء بخداعنا للرأي العام وللمنطقة العربية بانسحابنا الكاذب من العراق.. فكيف ننسحب من العراق الذي أعطينا من أجل الوصول إليه الخسائر البشرية والمادية.. ولنا فيه سفارة أميركية هي الأولى في العالم بـ 12 ألف رجل، وحجمها بقدر حجم البنتاغون ولمرات.. وبقدر الأمم المتحدة في نيويورك بمرات عدة”..
بل إن المستشرق الصهويني برنارد لويس كتب قبل سنوات: “إن الحل السليم للتعامل مع العرب والمسلمين هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية.. وإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الفعل عندهم، فنحن نضمن أن عملاءنا أنجزوا كل شيء ولم يبقَ علينا إلا التنفيذ الآن، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، التي أسّس لها حكامهم، لذلك يجب أن تغزوها أميركا وأوروبا لتدمر الحضارة الإسلامية فيها”.
ما تقوم الإدارة الأمريكية على الأرض ليس شيئا آخر غير ما كتبه برنارد لويس. إن ذلك يعني أن ترامب جاء إلى المنطقة، باعتباره سفيرا موكّلا برتبة رئيس، للقيام بمهمة محددة جدا.. من الواضح أن كينجسر والذين معه لديهم إستراتيجية كونية يريدون من خلالها تغيير الخريطة السياسية العالمية، وبناء نظام سياسي جديد جوهره حكومة عالمية واحدة تكون عاصمتها ومركزها القدس. وهذا يعني أن ترامب جاء إلى المنطقة لإطلاق مرحلة أخرى، قد تكون ما قبل الأخيرة، في مشروع الشرق الأوسط الجديد أو بكلمة أوضح مشروع إسرائيل الكبرى.
أن تكون السعودية أول دولة يزورها الرئيس الأمريكي الجديد فهذه سابقة لم تحدث من قبل، حيث كانت كندا أو المكسيك هي أول الدول التي يزورها الرئيس الجديد. لا شك أن ذلك له دلالاته الواضحة في تسريع إنجاز المشروع الكبير الذي من أجله اجتمع كيسنجر طويلا مع ترامب قبل مجيئه.
يريد أصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وبشكل واضح، توسيع دائرة النار. عقود التسليح الخيالية التي تصل إلى 110 مليار دولار وبقية الـ 500 مليار دولار من العقود التجارية والاستثمارية لا يمكن إلا أن تكون المقابل الذي يظن آل سعود أنه يضمن مصالحهم ويحقق أحلامهم.. فالكرم السلماني أعلن استعداده غير المحدود لتنفيذ ما هو مطلوب منه وهو بالأساس تمويل الحلف الصهيوني الوهابي وتوجيهه نحو العدو الرئيس الجديد؛ إيران وحلفاؤها في المنطقة، مقابل ضمان تمرير العرش إلى ابنه محمد وإبعاد ولي العهد محمد بن نايف. وقد نشرت مجلة التايم بتاريخ 17/5/2017 شهادة المؤرخة “روزي بشير” التي تعمل في جامعة “ييل” والمهتمة بالشأن السعودي قالت فيها: “الأمير الشاب ابن سلمان يحاول أن ينخرط ببراعة في إدارة ترامب من أجل كسب النفوذ بدلا من ابن عمه ابن نايف ليحل محله في العرش بدعم واشنطن”..
تشير بعض التقارير من داخل أروقة “قمم الرياض” إلى أن أكثر المباحثات بين السعودية والولايات المتحدة تكرست حول العراق وسوريا وإيران. واستغلت السعودية وجود صهر ترامب ومستشاره اليهودي جاريد كوشنير الذي زار العراق قبل أشهر قليلة لأنها تعرف نفوذه الكبير في ملفات المنطقة.
وتتحدث تلك التقارير عن مخطط لطرد إيران من العراق وسوريا من خلال إعادة هيكلة تنظيم داعش الذي تم جمع مقاتليه في مكان سري داخل العراق ليلتحق بهم بعد فترة “الدواعش” الأشداء الذين حرص التحالف الدولي على حياتهم في المعارك للاستفادة منهم في خطة إخراج إيران من العراق وسوريا والتي رصدت لها السعودية 140 مليار أخرى غير تلك الأرقام المعلنة!
جوهر تلك الخطة تدبير انقلاب عسكري في العراق لإسقاط الحكومة القائمة والإتيان بنظام عسكري معاد لإيران يجبرها على الخروج من العراق. والأمر نفسه ينسحب على سوريا وبنفس الطريقة. أي تدبير انقلاب من داخل النظام والإتيان بقيادة جديدة معادية لإيران تجبرها على الخروج من سوريا. هذا الأمر يحتاج إلى شراء ذمم الزعامات العراقية الموالية لإيران حيث توجد تقارير عن رصد ملايين الدولارات لمن يتخلى منهم عن حزبه لصالح قيادة بديلة والمغادرة نحو إيران بمبررات شتى منها اعتزال العمل السياسي. وفي سوريا يحتاج الأمر إلى إدماج المعارضة المسلحة والمجموعات الإرهابية تحت عباءة القيادة الجديدة في سوريا.
أما الأكراد فقد أُعطوا كل ما يمكّنهم من الانسلاخ عن الدولة في العراق وسوريا تمهيدا لإقامة كيانهم المستقل بدعم كامل من واشنطن. فقد تم تسليحهم بشكل جيد وسُمح لهم بالاحتفاظ بالأرض المنتزعة من داعش في العراق كما في سوريا، إضافة إلى الأرض التي يعيشون فوقها والتي أقاموا عليها فعليا كيانات حكم ذاتي.
مسرح المعركة وميدانها الأساسي لا يزال العراق وسوريا. ولا يمكننا أن نتصور أن إخضاع الدولتين لكل ذلك الدمار هو من أجل لا شيء أو من أجل ترك جهات أخرى تجني ثماره.
هذا كله يعني أن إيران، وروسيا بدرجة أقل، هما المستهدفتان من الحلف الجديد. غير أنه ليس واردا أن تستسلم الدولتان المؤثرتان بقوة في المنطقة للمخططات الأمريكية بل إن المنطقي أن تدافع كلا منهما عن مصالحها.
وليس مستبعدا، كما تقول تقارير، أن تكون إيران وروسيا قد أعدَّتا ما يُناسب من خططٍ عسكرية ولوجستية وسياسية لإفشال الخطط الأمريكية أو إرباكها على الأقل.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/05/25