وحشية الطبقية
سعيد محمد بن زقر
الطبقية ظاهرة اجتماعية اقتصادية تعرف اصطلاحاً بتقسيم المجتمع إلى طبقات عليا ووسطى وفقيرة على أساس مادي أو اجتماعي أو ثقافي. ولهذا يصح ربط الحراك الاجتماعي السياسي الْيَوْمَ حول العالم بحجم الفجوة بين دخول المواطنين في أي مجتمع. ويصح أن تُعزى الطبقية لتطبيق سياسات أدت لتآكل ولاختفاء الطبقة الوسطي . وأما رد الفعل الشعبوي على ضفتي المحيط الاطلنطي فهو صدى لسياسات عمقت الطبقية. وما نشهده من تمدد هذا التيار السياسي اليميني -المتطرف في المجتمعات الغربية إنما يعكس رفضاً مطلقاً لتلك السياسات ومن أسف أن هذا التيار ليس له رؤية للحل ومع ذلك يكتسب نسباً متزايدة من المواطنين ويتمتع بجاذبية شعبية.
إن المعادلة واضحة فكلما زادت نسبة الذين يشعرون بالتهميش والغُـبن الاقتصادي وتراجع مستويات المعيشة والنقص في جودة الحياة كلما تمدد فيهم التطرف. لاعجب أن صارت لوبين منافساً للرئيس إيمانويل ماكرون وأصبح «ترامب» رئيسا لأكبر قوى اقتصادية وسياسية في العالم. فالتطرف اليميني يتمدد رغم خسارة «لوبين» للانتخابات الفرنسية ولهذا يتوقع أن يضيف مؤيدوها أعضاء للجمعية الوطنية الفرنسية إذ هم في تزايد مستمر وبنسب قوية ويتمدد اليمين بين المواطنين الفرنسيين بصورة لافتة ،
كما يمكن تفسير هذه الظاهرة من وقائع تاريخ آخر ٥٠ سنة ، بقراءة تجاربها ،فمن أهم الأسباب التي قادت للطبقية المتوحشة تكديس الثراء في أيدٍ قليلة جدا من ملاك العقار وحملة الأسهم. والنتيجة ستدفع لاستنتاج مفاده كلمة واحدة: «نيوليبرالية» ، باعتبارها رؤية اقتصادية تعتقد أن الخصخصة تؤدي تلقائياً للتنمية ،، بينما تجارب التاريخ واضحة الْيَوْمَ ،، إذ أن طرق الخصخصة دائما وأبداً أدت إلى عكس المقاصد المعلنة وما نشهده اليوم من أزمات ومن تطرف يميني وتعميق للطبقية دليل مادي إضافي على صدق هذا الاستنتاج. إذ إن كل دولة خصخصت مؤسساتها العامة من بعد الحرب العالمية الثانية ،، كانت النتيجة رفع الدولة يدها للقطاع الخاص كشئ طبيعي ولكن دون أن يكون الهدف أن يتحول من «تنموي مستدام» إلى «ربحي بحت» ، ولهذا ليس ثمة حل إلا الوسطية ،، فلا تستطيع الدولة أن تهمش دورها وتختزله في الدور الرقابي فقط مثلما لا تستطيع أن تدير كل موارد الإنتاج مركزياً ،، وما بين البينين يقع ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي «التشاركي» ،، وفيه تتحمل الدولة عبء كل ما يؤدي الى الازدهار المستدام. وذلك بتبني كل هدف عام يؤدي الى مصلحة كل فرد في الوطن ،، وفِي المقابل تفرض ضرائبها ورسومها ومصروفاتها بهدف دفع القطاع الخاص إلى الاستثمار في رفع الإنتاجية وتوطين الاختراع والابتكار، ولتحقيق ذلك لابد أن تستثمر الدولة في التعليم الأكاديمي والاستثمار في رأس المال البشري وهو على رأس العمل مع توفير تغطية صحية جيدة وتشجيع كل ما يقوي من شوكة الأيدي العاملة بتفعيل دور ممثلي العاملين بالتواصل والتفاهم ،لرفع إنتاجية ودخل ما يسمى في الغرب بالنقابات العمالية.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/06/05