صيف الكهرباء!
فايع آل مشيرة عسيري
عبر شريط الذكريات قادتني خطواتي المثقلة بكل التناقضات قائلة: فيني نهار وليل.. وأفراح وأحزان
أضحك ودمعي حاير وسط عيني..
لتيسير تلك التناقضات على طريق قريتي المتصدع الذي عزف للبكاء لحن الوجع قائلا: والله ما أخبي عليكم إني عايش في جحيم الانتظار!
رغم الكثير من الوعود والتطمينات والمعاملات قيد الانتظار، وتشكيل لجنة في الوقت الذي تواصل الأمطار قصفها، والسيول جرفها، حتى بات طريقنا يعاني الكثير من العطوب والتي حولته مع مرور الوقت «كجلمود صخر حطه السيل من عل»! فأضحى حجر عثرة في طريق القادمين لقريتي وعقبة معلقة هي من بقيت كجسر معلق يكاد يمسكه عرفان شيمته والصبر على قريته المعزولة المكلومة بعقدة المعاملات وسيل المواعيد المجهضة عند صاحب المشروع ومقطع أغنية يصرخ بها جوال «قهوجي» البلدية وهم.. وهم.. وهم.. كل المواعيد وهم!
قريتي المختبئة في جوف السحر قياما وقعودا، ناهيك عن معاناة الكثير هناك وصيف يغلي على صفيح من لهب، وما زالت قريتي تحاول أن تبلل أزقتها وأرواح شيوخها الراحلين والباقين ومسنة بالجوار تدعو «حسبنا الله ونعم الوكيل». وما زالت قريتي شامخة تتكئ على كرامتها الضريرة بوابل من صخور جبالها الشماء نهارا، في الوقت الذي أنفت بنفسها عن حقها المشروع بمولد كهربائي يتحمل ضغط الوافدين القادمين من المدن. وهذه قضية أخرى!
قريتي التي رأت النور حلما كحلم جدي الذي آنس نورا فحاول أن يأتي منه بقبس ينير مساريب تهامة قاطبة، وحين اقترب منه تلاشى عنه وكأنه لم يره، فورث حكاياته أبي وما تزال حكايات جدي وأبي اللذين رحلا عن الدنيا، وما زالت الحكايات تروى عن الكهرباء بين الضعف تارة والانقطاعات الطويلة تارات كثيرة، وما زلنا نستجدي عطف شركة الكهرباء التي باتت توهمنا بضوئها الساطع ليلا خادعا وكأنها الأسطورة الخرافية ذات الأرواح السبعة «حمدة» على طريق نجران شرورة الصحراوي.. «حمدة» ذات الاسم الجميل التي يلهث وراءها كل العاشقين والمسافرين والعابرين!
«حمدة» التي كم من المرات تغري البدو بجمالها وهم يقطعون الصحراء خلف إبلهم فتضيعهم في هجير صحراء لا يرحم، تماما كما تضيع «حمدتنا» الكهرباء الكثير مثلنا وتذهب بنورهم كما تذهب شركة الكهرباء بنور أفراحنا ومناسباتنا!
فكم هي المرات التي ألقت شركة الكهرباء بظلامها على قريتي التي في حقيقتها امتداد لكل قرى محايل العزيزة والغالية علينا، وذلك في لحظة عرس جميل أو نهائي كرة قدم مثير، وما تزال مباراة السعودية وهولندا عام (1994) عالقة في ذاكرة تلك الأجيال، حيث لم نعلم بالنتيجة (1 ـ 2) إلا صباحا مع معلم الرياضيات الأردني من أصل فلسطيني «أسامة»، والذي كان يسكن محايل المدينة أيامها. من المفارقات العجيبة والمضحكة المبكية إنها أتت مواكبة للاختبارات التي مرت بها أجيال قبلنا وبعدنا وما زال شبح الكهرباء يطاردنا حتى في أحلامنا!
لعنة الانقطاعات الكهربائية تتواصل وتسويفات موظف الصادر والوارد عفوا (الاتصالات الإدارية) صاحب السكسوكة التي غزا نصفها الشيب تتقافز فوق المصداقية كما يتقافز طلابنا فوق سيول الوادي الذي يفصل بيننا وبين المدرسة!
الصيف حالة خاصة لدينا نستعيد معه كل قصص الشخوص التي جرف سياراتها السيل، وتلك الشخوص التي ذاكرت اختباراتها على ضوء الفوانيس أو الأتاريك وشرفت أن أكون ضمن تلك الأجيال التي ذاكرت اختباراتها الثانوية والجامعية على ضوء الفانوس!
الصيف الذي يجمعنا في ذكرى بيتنا الشعبي العتيق.. قادمون من مناطق متعددة قريبة وبعيدة نجتمع كي نجدد عهد الذكريات والطفولة والحب واللقاء والأنس والسمر وفي عز المساءات التهامية الحالمة تشاركنا فرحة اللقاء على طريقتها الخاصة، فمنذ اللحظة الأولى وكأننا ضيوف غير مرحب بنا فارتضت العقاب والانطفاء والانكفاء وراء تبريرات تكاد تذكرني بتبريرات الكابتن القدير ناصر الجوهر وخروج منتخبنا الحزين من تصفيات المونديال المؤهل لجنوب أفريقيا2010.
ومضة:
في الوقت الذي أطلق المحايليون هاشتاقا بعنوان: « #انقطاع_الكهربا_في_محايل» كتبت مقالي تحت جنح الظلام، فالكهرباء بين الانقطاع تارة والضعف تارات أخرى، وما تزال تقليعات الكهرباء الصيفية التطفيشية تواصل عرض موديلاتها الحديثة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/06/10