الأزمة الخليجية.. وأفول النظام العربي
خالد فارس
بزوغ الأزمة الخليجية يَشىِ بأن حِصْناً في النظام العربي الرسمي, دول مجلس التعاون الخليجس, “بيوت الاستقرار والتنمية الريعية والرفاهية والفوائض المالية ومعقل المال السياسي”, يتعرض إلى شرخٍ في أُسُسِهِ.
من المعلوم أن الخليج العربي هو كتلة رأسمالية كبيرة, وإدارة رأس المال, تتطلب تحويل كل شيء إلى علاقات رأسمالية. يعنى ذلك أن وسائل الحياة ووسائل إنتاجها يجب أن تتحول إلى علاقات مالية رأسمالية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى على القوى البشرية أن تنخرط هي أيضاً في أحد متاريس رأس المال.
لو نظرنا إلى الأزمة الحالية من بوابة الإعلام, ودور وسائل الإعلام الخليجية في توضيح الصورة الذهنية لما يجرى من صراعات. نجد أنفسنا أمام سؤال, كيف تحدث أزمة بهذا الحجم, ثم تبرز في وجه المشاهد العربي دفعة واحدة, وكأنها صدفة, دون مقدمات؟ إلا يشير ذلك إلى أن هذا الإعلام “الكبير”, لم يكن في صدد أن يكشف الحقائق التي تدور حول المشاهد, وأن هذا الإعلام كان مجرد أداة تخدم الظرف الذي يحدده “ولاة الأمر” أو بأدق تعبير “ولاة رأس المال”؟.
أدخلت هذه الأزمة مصداقية وشفافية ومهنية هذه الأدوات الإعلامية في أتون الأيديولوجيا التضليلية. لا نجد حرجاً في القول بأن هذه المحطات جزء من الأزمة والمشكلة, بل ربما يعود لها “الفضل” في تضليل المشاهد العربي عن مجريات الصراع, الخفي منه والمعلن.
استطاعت هذه الأدوات الإعلامية استقطاب أعداد كبيرة من المشاهدين, فمن الواضح أنه لم يكن من أحدى مهماتها توضيح شؤون الواقع المتعلق بحياة البشر. وأثبتت الأحداث في أن دورها ككيانات (رأسمالية إعلامية), ليس تغيير أو تحديث في الوعي الخليجي, بل في إبقائه تابعاً “لولاة الأمر وولاة رأس المال”.
يتجسد المشروع الرأسمالي الخليجي في الجمع بين “ولاة الأمر ورأس المال”, وتحوله إلى سلطة مركزية, ذات نفوذ قَوىِ يجمع بين الأيديولويجيا والاقتصاد, وتستخدم الاثنين معاً في تحديد ماهية الخطاب الإعلامي.
مهمتها ليس في خلق روح ديمقراطية أو مساحات من الحرية في المجتمع الخليجي, بل هدفها خلق مادة ثقافية (تتحول إلى بنية أو كتلة مادية), لتصوير انعكاسات الواقع في ذهن الإنسان العربي, من أجل التحشيد وتنظيم قوى المجتمع في قوالب تخدم المشروع الرأسمالي الخليجي.
لذلك نعتقد أن الصراع في دول الخليج العربي هو حروب رأس المال. والسؤال المطروح أمام صانع القرار الخليجي, ماهي العلاقات الرأسمالية التي يجب أن تَنْشأ وتَبْقى, وماهي العلاقات الرأسمالية التي يجب أن تزول؟
منذ بزوغ عصر الإعلام الخليجي في تسعينات القرن الماضي, دخلت معركة التصورات الذهنية للواقع مرحلة تسارع, وأصبح السباق المحموم حول كيف يجب أن يفهم الإنسان العربي الواقع, أو كيف يجب أن ينفصل أو يرتبط به, حتى يدخل في شروط جديدة, لها نمط لايتناقض مع المركز المالي.
يدافع إعلام المحطات الخليجية مثل العربية, سكاي نيوز, الجزيرة, والحدث, م بي سي, وغيرهم, عن العلاقات التي يريدها “ولاة الأمر وولاة رأس المال”, وتحدث عمليات استقطاب كبيرة للشعوب, تُبْعِدْ الشعوب العربية عن جوهر أزماتها. وهذا ما تريده أميركا والغرب, هو ضمان استقطاب الجموع العربية في سياقات منفصلة عن مشروعها في الديمقراطية والتحرر والتقدم.
حتى يتم ذلك, يجب فصل القوى البشرية (الخليجية خصوصاً والعربية عموماً) عن أية شروط سياسية-ثقافية-اقتصادية, يمكن أن تُمَكّنْ هذه القوى البشرية من بناء تصورها هِيَ, عن الواقع الذي من الممكن أن يكون نقيضاً للمشروع الرأسمالي. أينما اتجه الجمهور الخليجي أو العربي ضمن نطاق مساحات الاستقطاب التي تخلقها وسائل الإعلام هذه, لن تكون في تناقض مع أميركا, أو حتى “إسرائيل”.
يتم تصوير الصراع أمام المشاهد بطريقة كاريكتورية, و”كاذبة” ومخادعة, يستحضرون نجوم الإعلام والثقافة, يلقون الثقيل من جعبتهم على المشاهد العربي. الهدف هو تحويل المشاهد العربي إلى عنصر مُسْتَقْطَب أو إلى مشاهد سلبي, مُتلقي فقط, أو كما أسماها المفكر اليساري الكندي دالاس سميث “المشاهد الزبون”.
هكذا يتم إنماء رأس المال عن طريق إبقاء المشاهد مستقطباً مع كتلة “ولاة الأمر ورأس المال”. يضمن رأس المال علاقات لا تتناقض معه, وبذلك تتحول مشاريعه وأحلامه إلى أيقونة في العدالة والكرامة الوطنية في عقل المشاهد المستقطب المتلقي السَلْبِي أو “المُشاهد الزبون”.
أنها وصفة أفول النظام العربي, أن يتحول مشروع الأمة إلى مجرد تِرْس في المشروع الأمريكي والغربي: مواطن مرهون لصالح “ولاة الأمر وولاة رأس المال”, ومثقف وداعية المال السياسي, و أحزاب وحركات مُغَيّبَة عن التغيير الحقيقي.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/01