صفقة العصر الترامبية مفاوضات غير منتهية.. تطبيع عربي – إسرائيلي..
محمد النوباني
لا أبالغ أن قلت بأنها ربما المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها الحديث عن مبادرة سياسية أو مشروع لحل سياسي لقضية تؤرق الضمير الإنساني منذ أكثر من 69 عاما من دون توضيح أو تحديد لبنودها وأقصد بذلك ما اصطلح على تسميتها بصفقة العصر الترامبية أو صفقة القرن , فالأمر سيان .
ولعل مما رشح حول تلك الصفقة لا يتعدى كونه مجموعة من الاشتراطات التي يجب على السلطة الفلسطينية تنفيذها قبل الخوض في التفاصيل , أن كان هنالك تفاصيل , ومن ضمنها التخلي عن شرط تجميد الاستيطان قبل الذهاب إلى المفاوضات ووقف مخصصات الشهداء والأسرى وقائمة أخرى غير معلنة .
ونقلت الصحف الصادرة في الخامس والعشرين من حزيران الماضي عن مصدر إعلامي عبري أن جاريد كوشنر مبعوث الرئيس الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط ابلغ بنيامين نتنياهو خلال لقائهما الأخير بنية ترامب الانسحاب من مبادرة التسوية بسبب ما اسماه تشدد الفلسطينيين في قضيتي الاستيطان ورواتب الأسرى والشهداء وما وصفه بتصرفاتهم قاصدا بذالك رفض الرئيس أبو مازن إدانة العملية الأخيرة في القدس وأيضا رفضه استقبال السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان المعروف بانحيازه الشديد لإسرائيل والاستيطان .
واستنادا إلى هذه المواقف الأمريكية المتطابقة بالمطلق مع المواقف الإسرائيلية , وان لم تزد عنها تطرفا , فأن المطلوب من السلطة الفلسطينية لكي تحجز لها مقعدا في صفقة العصر الترامبية هو أن تقطع كل صلة لها بحقوق شعبها المشروعة , الدولة والعودة وتقرير المصير وتعلن على رؤوس الأشهاد موافقتها على يهودية دولة الاحتلال وبالتالي تبني الأيديولوجيا الصهيونية بجوهرها الاستيطاني الاحلالي فكرا وممارسة .
وغني عن القول بان استجابة قيادة السلطة الفلسطينية لهكذا اشتراطات تعني انتحارا سياسيا , لأنها بذلك تفقد أي صلة لها بالمشروع الوطني التحرري للشعب الفلسطيني مما سيعني فعلا لا قولا فقدان منظمة التحرير الفلسطينية التي انبثقت عنها السلطة لشرعيتها الثورية والوطنية والقانونية , ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني.
وطالما أن الأمر بمثل هذه الخطورة فأنني لا اعتقد بان القيادة الفلسطينية , ومهما بلغت صعوبة المرحلة والأثمان التي ستدفع , جراء رفض الاشتراطات الأمريكية – الإسرائيلية ستوافق على الانخراط في عملية تفاوضية مع إسرائيل بناءا على ما يسمى بصفقة العصر .
فالمطلوب هو دخول الفلسطينيين في مفاوضات غير منتهية , بناءا على نصيحة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق , الذي التقاه الرئيس دونالد ترامب لمدة ست ساعات متواصلة قبل جولته الشرق أوسطية الأخيرة , التي شملت كل من السعودية وإسرائيل ومدينة بيت لحم , واستمع إلى وجهة نظره حول موضوع التسوية .
فهنري كيسنجر هذا لمن لايعرف هو الذي صاغ المفهوم الأمريكي لعملية السلام التي تعني الدخول في عملية تفاوض غير منتهية لا تؤدي في النهاية إلى تسوية تلبي حتى الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية والعربية وإنما إلى تطبيع العقل الفلسطيني والعربي وإجباره على القبول بدولة الاحتلال كما هي وكما ترغب أن تكون .
وغني عن بالقول بأن هكذا عملية تفاوضية قد أخرجت مصر من حظيرة الصراع العربي الإسرائيلي , خطوة ,خطوة وأوصلتها إلى كامب ديفيد بكل تبعاتها وقيودها المذلة , ومن شان ولوجها مجددا أن يوصلنا إلى الموافقة الطوعية على تصفية الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني وإفساح المجال لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية حتى على قاعدة ما يسمى بمبادرة السلام العربية التي ولدت أصلا ميتة .
ومن يشاهد ويستمع إلى التصريحات والمواقف الصادرة من المملكة العربية السعودية على وجه الحصر وتحديدا تصريحات الجنرال المتقاعد عشقي وما كشف عنه النقاب قبل يومين إسحاق هيرتسوغ زعيم المعسكر الصهيوني عن زيارات قام بها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى بعض العواصم العربية وما سمعاه هناك وما حظيا به من حفاوة , بالإضافة إلى إعلان إسرائيل عن الشروع ببناء قناة بن غوريون التي ستربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط وتشكل بديلا لقناة السويس , بالتزامن مع بيع السيسي لجزيرتي تيران وصنافير للسعودية , يلاحظ بان قطار التطبيع العربي – الإسرائيلي قد انتقل من السر إلى العلن حتى من دون حل القضية الفلسطينية كما كان يشترط العرب قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض .
إن هذه النقلة النوعية في مواقف بعض الدول العربية وتحديدا المملكة العربية السعودية في التعامل العلني مع إسرائيل بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية والقمم الثلاث التي عقدها هناك , وما قاله في تغريدته على تويتر يوم الأحد الماضي عما سمعه من أخبار طيبة من الملك سلمان , توحي بأن الأمور أصبحت ممهدة للإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية بين تل أبيب والرياض.
بقي القول بان العلاقة الأمريكية الإسرائيلية ليست مربوطة بعجلة المصالح الأمريكية فقط لأنه لو كان الأمر كذلك فأن تراجع أهمية إسرائيل الإستراتيجية في خدمة المصالح الإستراتيجية في السنوات الأخيرة جراء تعاظم قوة حزب الله اللبناني والمقاومة الفلسطينية في غزة وتنامي القدرة العسكرية وتحديدا الصاروخية في إيران ,وتحول إسرائيل جراء ذلك من كنز استراتيجي إلى دولة بحاجة إلى حماية , كل ذالك كان سيؤدي على الأقل إلى إجبار الولايات المتحدة الأمريكية لها على التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين من خلال التنازل عن مشروعها , الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس وتفكيكه وإقامة دولة فلسطينية في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كما تطالب بذلك كل من السلطة الفلسطينية وحماس بعد وثيقتها السياسية الأخيرة .
ولكن الذي يربط أمريكا بإسرائيل هو شيء أقوى من المصالح , وهو تحديدا ارتباط عقدي قائم ومستند إلى قناعة لدى من يحكمون من وراء الأضواء في ا لولايات المتحدة بأن إسرائيل القوية والمتفوقة نوعيا على الفلسطينيين والعرب مجتمعين هي ضمانة لا غنى عنها لعودة المسيح المنتظر الذي سيخوض معركة فاصلة مع الكفر وحينها أما يعتنق اليهود المسيحية أو يلقون مصيرهم المحتوم .
ولهذا فان من يراهن على الأمريكيين كوسيط نزيه لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي سيجدهم أكثر تطرفا من نتنياهو في التنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وأكثر تمسكا بمشروع الاستيطان الصهيوني وتعزيزه من اشد المستوطنين تطرفا .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/08