ألمانيا ومنطقتنا وعالمنا العربي: هل ستظل ألمانيا الاتحادية أم ستتحول إلى مملكة متحدة أخرى؟!
عبدالوهاب الشرفي
ألمانيا حاضرة أوروبا ورائدة سياسة الاتحاد الأوربي الداخلية سابقا ورائدة السياستين الداخلية والخارجية له حاليا ومنذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي، وأوروبيا تكون ألمانيا وهي الآن في وضع المملكة المتحدة ذات ثقل لمواقفها الخارجية أكثر ثقلا حتى من المملكة المتحدة قبل مغادرتها للاتحاد لان الأخيرة لم تكن تجمع ريادة السياستين الداخلية والخارجية حينها والتي تجمعهما ألمانيا الاتحادية الآن.
نحن في العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط معنيين بالمواقف الألمانية تجاه ملفات عالمنا ومنطقتنا بصورة مباشرة ، فالموقف الألماني لم يعد موقف ألمانيا منفردة – على ماله من أهمية – لكنه بات موقفا يمثل أوربا تجاه ملفاتنا المختلفة ، وبات الموقف الألماني احد المواقف الحاسمة في التغيرات التي تتم في ملفاتنا وأثارها تنعكس علينا بشكل مباشر.
كان وزير خارجية ألمانيا في السعودية قبل أيام وبالطبع فالحدث الأهم الذي طار على خلفيته إلى منطقتنا هو الأزمة الخليجية، وبنهاية اجتماعاته عقد مع وزير خارجية السعودية مؤتمرا صحفيا كان ملفت للنظر منذ بدايته أن الوزير الألماني ليس راض عن النتيجة التي خرج، وكان واضح أن تباين المواقف بين خصوم قطر وبين ألمانيا لم يتم تجاوزه، فحديث الجبير ذهب إلى ملفات أخرى ولم يتحدث عن الملف الأهم والذي قدم الوزير الألماني على خلفيته إلا في أخر الحديث.
ليس هذا هو فقط الملفت في ذلك المؤتمر الصحفي للوزيرين فعبارة ” نحن متفقون على ضرورة العمل على وقف تمويل الإرهاب ” التي جرت على لسان الوزير السعودي كانت تعني أن موقف خصوم قطر لم يتأثر بعد المباحثات التي قام بها الوزير الألماني ، وكذلك الموقف الألماني لم يتأثر هو الأخر .
لا تقف الأمور هنا فسؤال احد الصحفيين الحاضرين للمؤتمر الوزير الألماني عن ماهو الموقف الألماني من الأزمة الخليجية تدخل الوزير السعودي من فوره وفرض نفسه – عمليا – للإجابة على هذا السؤال الذي هو أساسا موجه للوزير الألماني من جهة وعن الموقف الألماني من الأزمة الخليجية – وليس الموقف السعودي أو موقف خصوم قطر – من جهة ثانية ، وهذا التصرف يعني أن الوزير السعودي لم يكن يريد للموقف الألماني أن يخرج للإعلام الذي كان يقوم بالنقل المباشر ويتابعه الملايين بلسان الوزير الألماني لأنه يعرف أن الرد الذي سيقوله الوزير الألماني ليس في ما يريده خصوم قطر ، وبالطبع لا يمكننا وصف تمرير الوزير الألماني للتطفل السعودي انه نوع من ” السذاجة ” بل كان تصرفا بمقتضيات اللياقة الدبلوماسية ، ولكنه سيكون موقفا ساذجا للغاية إذا لم تتلافى الخارجية الألمانية هذا التطفل المخل للوزير السعودي بتوضيح الموقف الألماني بلسانها لا بلسان غيرها والذي بالطبع لم يطرح جوهر الموقف الألماني من الأزمة الخليجية .
كان من الملفت كذلك في مؤتمر الوزيران الألماني والسعودي وكذلك في المؤتمر الذي تبعه للوزير الألماني والوزير الإماراتي أن الترجمة لحديث الوزير الألماني كان يتم ” تشذيبها ” لتبدو منسجمة بأكبر قدر ممكن مع موقف خصوم قطر ولدرجة إهمال ترجمة فقرات من ردود الوزير الألماني وهذا الأمر أيضا يعزز النتيجة السابقة أن هناك عمل مصمم عند الخروج على الإعلام للتلاعب على الموقف الألماني وإظهاره على غير حقيقته أو لنقل عدم إظهاره بكامل حقيقته ، ومن ذلك الفقرات التي تحدث بها الوزير الألماني بحق الجميع ولكنها قدمت لملايين المتابعين للمؤتمرين أنها فقط بحق قطر .
بصورة غالبة يمكن القول إن الوزير الألماني خرج بعد جولته الخليجية كما دخل وليس هناك مستجد مهم ترتب على هذه الجولة وفي كلا الاتجاهين الألماني وخصوم قطر ، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للموقف الألماني ابتداء فقد كان أحد أهم الأدوار التي حدّت من الاندفاعات المفرطة التي أبداها خصوم قطر تجاهها بداية تفجير الأزمة . وهو أمر يعني أن التعاطي مع جولة الوزير الألماني الخليجية كان هادف للاحتيال على الموقف الألماني الغير مرض لخصوم قطر لأخر اجه للرأي العام بما يتناسب مع توجهات خصوم قطر أو بما لا يبدو تعارض مع توجهاتهم .
الوزير الألماني عند حديثه في مؤتمر جدة قال إن هذه الزيارة كانت فرصة جديدة للتعرف أكثر على تاريخ المنطقة ، وجريان هذه العبارة على لسانه تعكس قدرا كبير من المسئولية التي يتحلى بها الرجل وبالطبع هي انعكاس للمسئولية التي كانت ولا زالت تتحلى بها الدبلوماسية الألمانية ككل ، فهذا البلد هو أكثر بلد يقدّر ماهي تبعات الخصومات والنزاعات والحروب على الشعوب ، وهو يبذل كل جهوده لتعزيز الاستقرار والأمن أوربيا و دوليا وعلى الأقل كي لا يكون هو طرفا في أي نزاعات أو حروب جديدة ، فالتضحيات التي تحملها نتيجة للحروب التي خاضها كانت باهضة للغاية وليس أغلاها ما تخرب وإنما خسارته للعقول الألمانية كانت أغلاها لأنها ما استخدم من قبل آخرين لفرض سيطرة عالمية وأوروبية واسعة لازال يعاني منها حتى الآن ، ويكفي لأدراك ذلك أن نعرف أن الصواريخ الألمانية كانت أول الصواريخ وان القنبلة النووية الألمانية كانت أول القنابل النووية وان القمر الصناعي الألماني كان أول الأقمار الصناعية وغير ذلك ولهجرة العقول الألمانية أو لاختطافها برزت دول غيره وعلى حسابه .
نشاط ملحوظ للدبلوماسية وللإدارة الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وهو تطور في الأداء الخارجي الألماني طبيعي بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوربي وتحمل ألمانيا لدورها الخارجي فيما يتعلق بمواقف ” الاتحاد الأوربي ” ، ومع أن اتسام هذا النشاط بالمسئولية البادية إلا انه يعتريه في بعض المواقف عدم الايجابية أو محدوديتها .
كنا نحن كشعوب في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم العربي تحديدا من أكثر المستبشرين بتطور الدور الألماني في ملفاتنا وانحسار الدور البريطاني أو على الأقل وجود دور ألماني يضاف للأدوار المحورية في منطقتنا وعالمنا العربي ولهذا يكون من الجيد أن نطرح للألمانيين وجهة نظرنا بصراحة كي يكون دورها في ملفاتنا حاملا للايجابية الكاملة التي توقعناها من الدور الألماني عند البداية ، فنحن نقدر عاليا سمة المسئولية البادية على الأداء الألماني خلال الفترة الماضية كما أننا نتفهم حالات مجانبة الايجابية الذي يحصل في بعض المواقف ، وبالطبع المسئولية لا تعني قطعا الايجابية ولكن المسئولية تجعل من فقد الايجابية إذا ما حصل أمر قابل للنقاش ومن ثم للإصلاح في حال الاقتناع بالملاحظات المطروحة .
حديث الوزير الألماني الذي يحمل معنى الحاجة لزيادة المعرفة بالتاريخ في المنطقة قد يكون هو أحد الأسباب التي تتسبب في عدم ايجابية بعض المواقف الألمانية ، لكن يضل تسلم ألمانيا لملفات شديدة التعقيد ومصممة لتحقيق أهداف ” لا مسؤلة ” ورثتها عن الإدارة البريطانية هو السبب الأهم للوقوع أحيانا في عدم الايجابية وهو سبب اخطر وأكثر أثرا على الأداء الألماني من الحاجة التاريخية أو أي عامل أخر .
سيرا على الصراحة مع الألمان يمكن القول إن أهم ميزتين تحملهما ألمانيا بالمقارنة بالإدارة البريطانية هما ” المزاج السياسي ” الألماني الراسخ باتجاه العمل على الاستقرار ورفض المجازفة بالشعوب لفرض نتائج سياسية ، والأخرى هي أن ألمانيا ليست مصابة ” بجدري الصهيونية ” كما كانت المملكة المتحدة ومثلها الولايات المتحدة وحتى فرنسا كذلك ولو بدرجة أقل ، وهو مرض طالما فرض على هذه الدول أن تجازف بمصلحة شعوبها وتعمل ضد مصالحها المفترضة عندما تفرض مصلحة ” الصهيونية ” ذلك عن طريق لوبياتها العميقة في هذه الدول .
ما يستخدم لتغطية التأزيم مع قطر من قبل خصومها هو” دعم وتوظيف الإرهاب ” وبالطبع الموقف الألماني لم يفته أن هذه الآفة هي آفة مشتركة بين طرفي الأزمة – إذا استثنينا مصر بالطبع – وكان الموقف الألماني ايجابيا وعبر أن هذا المطلب محق ويجب أن يكون بحق قطر وبحق خصومها كذلك وليس بحقها فقط . و الإرهاب ليس عنوان الأزمة الخليجية فقط وإنما بات هو ديدن الجميع وأوروبا ككل التي تحل ألمانيا في ريادتها وألمانيا ذاتها الكل يعاني من آفة الإرهاب بشكل خطير ومهدد جدي للحياة أينما وجد ، وتبعاته باتت واضحة أنها تجر العالم بأسرة لصدام كبير وتقويض العالم على روؤس شعوبه جميعها .
بقدر حجم تهديد هذا الخطر لألمانيا ولأوروبا ولمنطقتنا وعالمنا العربي بدرجة أكثر قسوة بالطبع وللعالم بأسره كذلك يجب أن تكون جدية نظرة ألمانيا إلى الملفات التي تتعاطى معها في منطقتنا وعالمنا العربي ، ويجب أن ينطلق الأداء الألماني من ” قطيعة كاملة ” مع استخدام الإرهاب لصالح فرض نتائج سياسية أي كانت وأي كان المستفيد منها أو الذي يعمل عليها .
الإرهاب الذي بداء العمل على صناعته في منطقتنا ولكنه استشرى ولازال يستشري في كل العالم ولألمانيا ولبلجيكا وحتى لفرنسا بريطانيا وأمريكا وروسيا ليس راديكالية وليس حوادث عنف وليس وقائع دموية ، أنه قبل كل ذلك أداة سياسية ، وهناك دول هي من تقف كقرار سياسي وأداء استخباري وراء توظيف وتنظيم الراديكالية وتنمية العنف والدموية واستخراج كل ما يمكن توظيفه لإنتاج ” جماعات إرهاب ” من مدافن التاريخ أو من مدافن ” المجتمعات المحكومة بدول مستقرة لتعيده للواجهة الحاضرة والهدف هو تفريخ جماعات تؤدي أدوارا في مخططات موصلة لفرض النتائج السياسية المطلوبة لهذه الدول والمطلوبة ” للصهيونية ” بدرجة رئيسية عن طريق ارتكاب المجازر الفظيعة والحوادث العنفية المختلفة ، أي أن الراديكالية والعنف وحتى الدموية بالنسبة للإرهاب هو تماما كاليورانيوم عنصر من عناصر الطبيعة لا يفعل كثيرا لكن المفاعلات هي من تحوله إلى قوة تدميرية رهيبة وهذه المفاعلات التي تنتج ” الإرهاب ” هي سياسات لدول متبعة في منطقتنا وعالمنا العربي ، وفي مقدمتها السياسات الأمريكية وبعض الأوربية والتي كانت السياسات البريطانية في طليعتها .
الموقف الألماني تجاه الأزمة الخليجية المطالب للجميع بالعمل على التوقف عن دعم الإرهاب هو كاف لرسم حقيقة أن الإرهاب هو أداة سياسية أولا وقبل كل ما يروج من إسلام راديكالي وتطرف وعنف ودموية ، لكن لندعم النتيجة هذه بشواهد للقطع بصحتها ، فمن تصريح كوندليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأسبق بان الولايات المتحدة هي من صنعت ” القاعدة ” ضمن الصراع مع الاتحاد السوفياتي وقصة ” الأفغان العرب ” لم تعد خافية ، وحديث الرئيس ترامب قبل وصوله للبيت الأبيض أن إدارة أوباما مسئولة عن صناعة داعش ، و عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب الذين دخلوا إلى سوريا وهي بلد محاط بدول مستقرة يصعب مرور معارض سياسي فرد عبر حدودها فكيف بعشرات الآلاف من الإرهابيين ، واعتراف فرنسا بالفين مواطن فرنسي توجهوا إلى سوريا عبر تركيا تذرعت – قبل أن يضرب الإرهاب عاصمتها – بأنه ليس من حقها أن تسائل المواطنين عن وجهاتهم ، وفتح ” إسرائيل ” مستشفياتها لعلاج عناصر من الجماعات الإرهابية المقاتلة في سوريا علنا ، ” وتهرب الولايات المتحدة من التوصل لتصنيف دولي للجماعات المقاتلة في سوريا ومن منها إرهابية ومن منها معارضة سياسية ” ، وغير ذلك كثير ويحتاج فقط شي من التأمل الذي يسبقه الصدق في تحديد طبيعة المشكلة المسماة ” الإرهاب ” ، وأكثر منه وأوضح منه وما هو موثق من الاستخدام السياسي للإرهاب هو ما يمكن أن تحصل عليه ألمانيا بمجرد طلبه من روسيا التي لها اعتناء مباشر ” بالإرهاب ” لاستخدامه ضدها بشكل تاريخي وكبير .
وصول هذه الحقيقة ورسوخها لدى الإدارة والدبلوماسية الألمانية وان العامل الأكثر أهمية وجدوى في مواجهة الإرهاب هو العمل على أحداث تغيير في السياسات المتبعة في منطقتنا وعالمنا العربي والأمريكية منها والأوروبية – تحديدا البريطانية والفرنسية – بدرجة رئيسية كون سياسات حكوماتنا الفاعلة هي إخراج لتلك السياسات الأمريكية والأوربية – ومن الجميل هنا أن نضع أمام عين الألمان التصريح الأمريكي قبل يومين بأن قطر كانت تنفذ ماطلبته منها واشنطن – وبالتالي فرسوخ هذه الحقيقة ستضع ألمانيا أمام مفترق طرق أما أن تستكمل السير على خطى الإدارة البريطانية التي حلت في محلها وبالتالي لن يُقضى على الإرهاب لأنه ” مصنوع ” أساسا لاستخدامه لصالح السياسة وسيستمر وسيتوسع التهديد والمجازر و الدماء والتفجير والطعن وإطلاق النار وحوادث الصدام ليس في منطقتنا وعالمنا وحسب وإنما أيضا في أوروبا التي باتت ألمانيا معنية بالمساهمة في حمايتها من خلال موقع الريادة الذي حلت فيه وكل العالم بالتبعية ، أو أن تبذل ألمانيا جهودها لتغيير السياسات المتبعة في المنطقة من تلك الدول وبذلك تسلب الإرهاب أهم عنصر من عناصر وجوده وتنظيمه وتدريبه وتمويله والتسهيل له والترويج لرعبه إعلاميا وبذلك ستخدم ألمانيا ذاتها ودول الاتحاد الأوربي الذي تتسيد سياستها الداخلية والخارجية وتخدم أوروبا والمنطقة والعالم العربي وكل العالم ، وفي حال عجز ألمانيا عن التأثير في سياسات تلك الدول تجاه المنطقة فعلى الأقل أن تتخذ مواقفها هي انطلاقا من ” القطيعة التامة ” مع استخدام الإرهاب لصالح السياسة وسيكون دورها مثمرا بقدر ليس بالقليل .
أعيد التحذير من أن تستكمل ألمانيا مشوار السياسات التي ورثت ملفاتها من الإدارة البريطانية لأنها ستتحول إلى مستخدم للإرهاب دون أن تريد هي ذلك ، وخير شاهد على ذلك الموقف الألماني تجاه استهداف المدنيين لا لكيماوي بخان شيخون في سوريا ، فقد انطلقت من عاطفتها وهو أمر محمود في حال وضوح الملابسات ، لكن في ضل عدم وضوح الملابسات بصورة قانونية و رسمية ومسئولة فالتعاطف يتحول إلى سلبي لأن موقف ألمانيا الذي حّمل النظام السوري مسئولية تلك الجريمة جزافا أسهم في قطع الطريق على الذهاب بالجريمة إلى تحقيق شفاف محايد مسئول يحدد الفاعل بشكل يمكّن ألمانيا وغيرها من اتخاذ مواقف مسؤلة كاملة الايجابية تحمي المدنيين كمبدأ أخلاقي وقيمي ومسئولية قانونية وبغض النظر عمن ثبتت الجريمة بحقة فكل المطلوب كان الموقف القانوني الواضح المنطلق من تحقيق نزية وعادل يحمل المسئوليات برسمية ، لكن الانطلاق من العاطفة جزافا أوقع ألمانيا في موقف أفاد ” ” مستخدمي الإرهاب ” والاستمرار في ذلك سيوقعها هي نفسها في استخدام الإرهاب شأت ذلك أم لم تشاء .
الموقف الألماني تجاه الأزمة الخليجية كان موقفا كامل الايجابية وكان ضد استخدام الإرهاب كمبدأ وليس كتفضيل بين المستخدمين ، ولعل السبب الأول في الايجابية الكاملة هذه أن الملف القطري ليس ملفا مورثا من التركة البريطانية في المنطقة فقراءة ألمانيا الملابسات بعينها لا بعين سياسة الإدارة البريطانية وتمكنت من تكون تصور واقعي ومنطقي للازمة ومن ثم اتخذت موقفا ايجابيا واضحا ، لكن الملف اليمني هو أحد الملفات الموروثة في المنطقة ومن واجب ألمانيا أن تقترب أكثر من تفاصيله وهي قادرة على ذلك وأن تحيط بملابساته برؤية ألمانية خالصة ومن ثم تحدد موقفها تجاهه بدعم فرض وقف القتال والتوجه الصادق لحل سياسي لأن هناك آلاف المدنيين قتلوا أو جرحوا نتيجة هذه الحرب المصممة لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بما يتم الحديث عنه في الإعلام من أهداف ، وكذلك ملايين اليمنيين معرضون للجوع وللإصابة بالكوليرا والأمراض المختلفة وغير ذلك من الويلات ، أضف إلى ذلك أن عدم الاستقرار المتركز بسبب هذه الحرب يمثل أخصب بيئة للإرهاب للنمو والذي يبدى في منطقتنا ولكنه لا ينتهي إلا في باريس ولندن وبروكسيل وبرلين وغيرها .
الملف السوري هو الآخر ملف موروث من تركة الإدارة البريطانية في المنطقة ويجب أن يحظى من الألمان بذات ما يجب تجاه الملف اليمني من النظرة بعيون ألمانية صرفة وأن ينطلق الموقف الألماني تجاهه من مبدأ القيم فتدفع باتجاه الحل القائم على وقف الحرب والاحتكام للشعب السوري بالمضي والمساعدة للسوريين بالتوصل لحل سياسي مؤقت يفضي إلى إجراء انتخابات أو أي خطوات ديمقراطية توجد حكومة تناسب الشعب السوري والشعب السوري فقط وبعيدا عن أي تفضيلات مسبقة أو لأطراف أخرى ، ولأن ذلك هو المطلوب الأول لمواجهة الإرهاب الذي تمثل أحداث سوريا اكبر المعنيين حاليا بالإرهاب و المصدر الأول لوصوله لأوروبا وغيرها ، ولان ذلك هو الدور والموقف المنسجم مع القيم الألمانية والأوربية والديمقراطية وحقوق الإنسان والأمن والسلم الدوليين والإنسانية ومع كل المعايير الحميدة المختلفة .
كانت الإدارة البريطانية بموقعها كرائد للسياسة الأوربية الخارجية هي حلقة الوصل بين منطقتنا وعالمنا العربي وبين أوروبا ونتيجة أصابتها ” بجدري الصهيونية ” تسببت بسياساتها في تنقّل الشرور والإرهاب في طليعتها بين الجانبين فقد زُرع الإرهاب هنا ولكنه نمى وأثمر هنا ثم نمى أكثر وبدء بالأثمار في أوروبا ، والآن أصبحت ألمانيا هي حلقة الوصل بدلا عن بريطانيا وبالتالي أما أن تراعي مسألة ” النظرة الألمانية ” لملفات المنطقة وبالتالي ستسهم في تنقّل التعاون والخير والتنمية والأمن وعلى الأقل وقف تنقل الشرور ، أو أن تسير مواصلة لمشوار الإدارة البريطانية في التعاطي تجاه ملفات المنطقة وستسهم حينها في تنمية الإرهاب لدينا – كنتيجة طبيعية لمواصلة تلك السياسات – وفي انتقاله إلى أوروبا ، وبالطبع لن يفرق في ذلك أنها لم تقصد أن تكون سببا في حصول ذلك أم تغافلت وبالطبع القيم الألمانية ستمنع أن تقصد .
نحن لدينا حساسية عالية تجاه ” الكيان الصهيوني ” وتجاه الأدوار الصهيونية التي تنشط لصالحه ولا نتوقع أن نجد ذات الحساسية من قبل الألمان لفهمنا لملابسات تاريخية وقانونية وسياسية ، ولا نطالبها أيضا أن يكون لها ذات الحساسية تجاه ” إسرائيل ” واللوبيات الصهيونية الناشطة في كثير من العواصم الغربية لأنها – ألمانيا – ليست موضع منطقي لمثل هذا الطلب بصورة منفردة – وفقط نلفت نظرها لأن هذه اللوبيات ستعمل حتما على الانزياح إليها ومن ثم محاولة التأثير على قرارات إدارتها الصهيونية لصالح أجندتها ولو على حساب ألمانيا ذاتها . لكن ما نتطلع إليه هو أن تقف ألمانيا في وجه السياسات المجازفة بأمن دولنا وامن دول الغرب والشرق لفرض النتيجة الصهيونية التي تعمل لها بأساليب لا أخلاقية والإرهاب في مقدمتها ، وألمانيا اليوم مخيرة بين أن تظل ( ألمانيا الاتحادية ) وتسهم في إنقاذنا وإنقاذ أوروبا وإنقاذ نفسها من آفة الإرهاب بالعمل على فرض تغيير السياسات المتبعة في منطقتنا وعالمنا العربي ما أمكنها ذلك أو أن تسير مقتفية أثر سياسات الإدارة البريطانية فضلا عن أن تصاب ” بجدري الصهيونية ” وحينها ستكون ( مملكة متحدة ) أخرى وستعمل إدارتها على الاستجابة للمصالح الصهيونية ولو على حساب الصالح الألماني والأوربي والدولي .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/09