تبخرت خرافة دولة الخلافة.. هل سقط مشروع إدامة الفوضى الأمريكي؟..
أحمد عبد الباسط الرجوب
لقد هيأت النزاعات السياسية والتردي الأمني في ظل هشاشة الدولة في كل من العراق وسوريا على مدار سنوات مضت الطريق أمام مجموعات إسلامية متشددة زاد عددها وعتادها وتوسع رقعة سيطرتها على مر الأيام ، ” تنظيم داعش” – الصناعة المستوردة – أبرز هذه المجموعات التي سيطرت على مساحات واسعة في العراق وسوريا قبل ثلاث سنوات والتي أعلن زعيمها – إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي – المكنى ” أبو بكر البغدادي ” قائد تنظيم القاعدة في العراق والمُلقب بأمير دولة العراق الإسلامية، قام بإعلان الوحدة بين دولة العراق الإسلامية وجبهة نصرة أهل الشام في سوريا تحت مُسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وفي 29 يونيو / حزيران 2014، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قيام “الدولة الإسلامية”، ثم تلا ذلك ظهور أبو بكر البغدادي خطيبا ليوم الجمعة في الجامع النوري في مدينة الموصل يوم 6 رمضان 1435 هـ الموافق بتاريخ 4 يوليو / تموز 2014 م معلنا مبايعته خليفة للمسلمين في الأراضي التي سيطر عليها تنظيم داعش في تلك الأثناء..
وهنا برز اسم تنظيم الدولة الإسلامية والذي تحقق له مكاسب عسكرية وسياسية لا يمكن الاستهانة بها مطلقا فبات هذا التنظيم الأكثر غنى في العالم ذلك أنه سيطر على فروع البنك المركزي العراقي في الموصل وآبار النفط في الأراضي السورية، بالإضافة إلى المعدات العسكرية الهائلة التي غنمها من مدافع ودبابات ومدرعات ومنصات قتالية بل حتى طائرات وصواريخ وغيرها ….
عند الرجوع إلى الوراء قليلا، وفي الذكرى الــ 14 للغزو الأمريكي البريطاني للعراق وحين ذبح العراق على مرأى ومسامع امتنا العربية ، يمكننا أن نستذكر ما قامت به وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكيّة (CIA) من تأجيج الطائفية لتبرر بقاء قواتها في العراق، وعلى عكس ما نطقت به إدارة بوش الابن والّذي ادّعى أنّه جاء لإرساء الديمقراطيّة، في حين أجمع العقلاء أنّ الديمقراطيّة لا يمكن في يوم من الأيّام أن يرسيها مستعمر يقصف الأبرياء ويروّع المدنيين الآمنين بالليل والنهار … ليست أمريكا وحدها من قامت بتأجيج الطائفيّة، بل ساندتها في ذلك الدولة الإيرانيّة من خلال اختراقها لفصائل مسلّحة شيعيّة بدأت هي الأخرى في تنفيذ عمليات قتل وتفجير لتحقّق بذلك مواطن قدم في العراق من خلال الظهور في ثوب المنقذ للشيعة المقموعين والمضطهدين ، مما انعكس على الواقع العراقي وأصبح هناك بيئة خصبة لظهور المقاومين الإسلامين الذي تحركهم جهات دولية تتقاطع أجنداتها مع الإدارة الأمريكية وبالتالي تتصارع القوى الإقليمية على ارض العراق وأخذت تحصد الأرواح من العراقيين الأبرياء والذين تجاوز عددهم المليون شهيد لا ذنب لهم في الصراعات السياسية والتي ربانها من المأجورين العملاء ممن اعتلوا ظهر الدبابات الأمريكية عند الناصرية وقبالة فندق الرشيد في شهر آذار 2003 المشؤم ، وللسخرية ما تم تسميته بحرب تحرير العراق أو عملية حرية العراق ويا لها من حرية حصدت الأرواح البريئة من العراقيين ، وفي هذا المشهد ما أدى إلى ظهور تنظيم القاعدة ومثيلاتها من التنظيمات الإسلامية المتطرفة والتي أخذت تنتشر إلى الدول المجاورة وخاصة في سوريا عندما اجتاحها تسونامي ما سمي بالربيع العربي ، والخارطة يوضحها المشهد الدموي الفضيع الذي حل بالدولة السورية وتواجد أكثر من 180 ألف مقاتل من شتى أصقاع الدنيا أتو بتنسيق استخباراتي دولي لتجميع هؤلاء المتطرفين على الأرض السورية والخلاص منهم في اتون حرب إرهابية مجنونة أكلت الأخضر واليابس وأجهزت على قرابة 500 ألف شهيد من الشعب السوري المظلوم.
أخيرا تحرّرت الموصل ، هذا ما رشح من تصريحات حيدر العبادي ” رئيس الوزراء العراقي ” حيث استغرقت معركة الموصل نحو تسعة أشهر، وأدت إلى الكثير من الخسائر المادية، ومقتل آلاف المدنيين، ونزوح أكثر من 920 ألفا آخرين…وسقطت دولة ” الخلافة ” التي أعلنها البغدادي من الموصل، ومعها سقط مشروع إدامة الفوضى وإدارتها الذي اشتغل عليه الأميركيون ردحا من الزمن وهو من نتاج معلبات الربيع العربي والذي هو امتداد بطبيعة الحال إلى نتائج الاحتلال ” لا بل الاختطاف الأمريكي البريطاني للعراق ” والذي لا زالت نتائجه التدميرية على العراق والعالم العربي ماثلة إلى يومنا هذا وتحوّل عراق الفلسفة والحكمة والفكر والمفكّرين والأدب والفقه إلى مدينة قتل واقتتال وتشريد وذبح وتجويع وتحريق، بعد أن دمّره وفتّته غزاة الداخل بمعيّة الخارج الّذي تآمر على العراقيّين وحاصرهم لسنين وسنين ، لقد ضاع عراق الأمجاد، وسرح في مدنه الغزاة، ولا نعلم ماذا يخفي له المستقبل القريب والبعيد أكثر من ذلك، لكننا متأكدون رغم الجراح الكبيرة والآلام العظيمة أنّ العراق سيعود إلى سالف عصره وجماله ورونقه مهما طال الزمان أو قصر، وها نحن نجزم أيضا أنّ دولة الظلم الّتي أرستها أمريكا وحلفاؤها ساعة زمن ولن تطول … والسؤال هنا : من سلم الموصل لقيادات داعش وبعد الإنتهاء من المهمة سلمت داعش الموصل للعبادي ولهذا السبب لم نشاهد أي جثث للطرفين …. وهل يتكرر السيناريو في الرقة ..
هذه القصة باختصار يا سادة لقد خرجت وتبخرت داعش والذين تجاوزوا في عددهم 70 ألف مقاتل ولم نشاهد جثة واحده منهم أو أسير بلحيتة الغثة ، ويا ترى من قاتلوا الجيش العراقي والحشد الشعبي في الموصل ! … والسؤال الذي يتوالد عن هذا الطرح هو : من درب هؤلاء الإرهابيين ، ومن أين جاء هذا التوحش لدى هذه الأدوات التي تستثمر اليوم لترسيم ما زعم بتسميته بالشرق الأوسط الجديد ؟! هل سقط مشروع إدامة الفوضى الأمريكي … فمن هو القادم … الحشد الشعبوي أو الشعبي وهل تبدلت القمصان وآلة القتل واحدة – توما هوك الأمريكية من البحر المتوسط أو كاليبر الروسية من بحر قزوين على مذبح أرضنا العربية ؟!
أما بخصوص الأزمة السورية فقد جاءت تفاهمات هامبورغ بين الرئيسين الأميركي ترامب والروسي بوتين وبمشاركة أردنية بشأن الجنوب السوري، بل بداية مسار التسليم بالدولة السورية إطاراً للتسوية الأقلّ صعوبة من مفاجآت الميدان، وحول حدود التفاهمات الروسية والأميركية الممكنة بشأن مستقبل سوريا بعد هذا الاتفاق، ويمكن القول بأن ما جري هو عملية تقاسم وظيفي لسوريا بين القوى المتصارعة تحت غطاء وصمت أممي بالإضافة إلى أنه اتفاق التقاء مصالح للقوى في منطقة جنوب غربي سوريا وهي منطقة مثلث حدودي بين سوريا والأردن وإسرائيل ، كما توجد فيها أجزاء من تنظيم داعش وجبهة فتح الشام (النصرة سابقا)، كما أنها منطقة حساسة ومهمة للدولة السورية وإيران وحزب الله اللبناني الذي يسعى للتوغل داخلها وتهديد إسرائيل منها.
ولما تقدم وفي سياق الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في الإقليم العربي المضطرب ، والسؤال المطروح هو : أين بؤرة الفوضى القادمة؟؟ ، استذكر وإياكم تصريحات كيسنجر التي يقول فيها ” إنه من لم يسمع طبول الحرب تدق فهو بالتأكيد أصم “، في الوقت الذي يسعى فيه الغرب لاحتلال دول عربية نفطية قبل أن يعلن الحرب العالمية الثالثة ضد روسيا والصين ، ولكن من أجل فهم أفضل ، ولتكوين وعي مقاوم لا بد من العودة للدراسات والخطط الإستراتيجية الأمريكية ، والتي جعلتنا نؤكد أن هذه الفوضى ستستمر حتى بعد عام 2030 م ، ومن بين هذه الدراسات تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية ، والتي نشرت جواسيسها لاستشراف نظرة للعالم، حول (كيف سيكون العالم عام 2030) ، وتقرير وكالة الاستخبارات يتوقع الحد من النزاعات بين الدول ومن الحروب الأهلية عام 2030م، ولكن رجح زيادة مخاطر الصراع على الموارد الطبيعية كالمياه والأرضي الزراعية في المناطق التي يكون معظم سكانها من الشباب، وهي ثلاث مناطق: الشرق الأوسط، جنوب شرق آسيا (بحر الصين ) وأفريقيا التي تقع جنوب الصحراء الكبرى ، … لكنني من قرأتي لسخونة الأحداث في كل من كوريا الشمالية ومنطقتنا العربية فقد أصبحتا مستودع بارود يمكن أن تشتعل شرارته في أية لحظة معلنة الحرب الكونية الثالثة التدميرية ، والله تعالى أعلم !!
أضيف بتاريخ :2017/07/12