وزارة الإسكان وضرورة معالجة الوعي الجمعي
د. عبد العزيز الغدير
عندما يستهلك الإنسان السكر الأبيض فإن جسمه يحصل على الطاقة الأكبر والأسهل ليمارس الإنسان حياته بنشاط دون شعور بالجوع والإجهاد، إلا أن هذه الطاقة السهلة التي تورث الإدمان عليها ذات آثار جانبية سلبية متعددة، حيث إن جزءا كبيرا من احتياطي الدهون في الجسم ناتج عن فرط استهلاك السكر المذاب في المشروبات أو الموجود في الأطعمة ذات المؤشر السكري المرتفع التي تؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم ما يحيله في النهاية إلى دهون تتخزن في الجسم، كما أن الجسم يخزن المصادر الغذائية الأخرى كدهون ولا يفككها للحصول على الطاقة لأن ذلك يتطلب جهدا كبيرا من الجسم بخلاف السكريات.
إنتاج وتصدير الموارد الطبيعية كالنفط والغاز دون استخدامها في عمليات تصنيعية يأتي بالمال السهل الذي يستخدم في جميع مناحي الحياة دون الحاجة إلى تنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تأتي بالمال بصعوبة في بيئات تنافسية شديدة، الأمر الذي ينعكس على خمول شديد في القطاعات الاقتصادية كافة، وترهل في الكفاءات البشرية والقدرات الإبداعية، ويجعل البلاد تعيش لعنة الموارد الطبيعية، وهي ظاهرة رصدت في عدد كبير من البلدان المصدرة للموارد الطبيعية، وعلي رأسها الدول النفطية، حيث أثبتت نتيجة إحدى الدراسات وجود ارتباط عكسي بين النمو الاقتصادي ومدى وفرة المورد الطبيعي, خاصة المعادن والنفط، حيث لوحظ أن اكتشاف كميات كبيرة من النفط أو المعادن أو الغاز الطبيعي والقيام بتصديرها للخارج يؤدي إلي إضعاف سائر القطاعات الإنتاجية الأخرى.
إذا ليس كل ما يبدو جيدا ومفيدا في الظاهر هو كذلك في الباطن، وليس كل ما يبدو جيدا ومفيدا في المدى القصير هو كذلك في المديين المتوسط والبعيد، ولذلك تجب دراسة القرارات في أكثر من بعد، ومن ذلك أثرها الجانبي العميق في المستويين الجزئي والكلي، وكذلك أثرها في المديين المتوسط والبعيد، لكيلا تكون حلول اليوم مشاكل مؤلمة في الغد، ولكيلا تكون الحلول في مجال معين تسبب مشاكل مؤلمة في مجالات أخرى، ولكيلا يكون ما هو صالح ونافع على المستوى الجزئي طالحا ومضرا على المستوى الكلي.
أحببت أن أستهل بهذه المقدمة للولوج للقضية الإسكانية، وجهود وزارة الإسكان في معالجتها من جذورها بتقديم حلول إستراتيجية مستدامة تعتمد على قوى عناصر السوق العقارية التي يشكل الإسكان نحو 70 في المائة منها، حلول تمكن المواطن في وقت مناسب من العمر من الحصول على المسكن الملائم لاحتياجاته الاجتماعية والثقافية، ولقدراته الاقتصادية التي بناها بنفسه ويتفاوت بها عن الآخرين، حلول تحقق في الوقت ذاته الدور المنشود من القطاع العقاري العملاق في دعم الاقتصاد الكلي ومؤشراته التي تشمل معدلات النمو الاقتصادي، توليد الوظائف، تقليل البطالة، رفع مساهمة المحتوى المحلي، دعم أنشطة القطاعات الاقتصادية الأخرى، توليد الفرص الاستثمارية المجزية والآمنة لأصحاب المدخرات من المواطنين، وإلى غير ذلك من المؤشرات.
وزارة الإسكان تقوم حاليا بخطوات إستراتيجية لمعالجة تشوهات السوق العقارية، وضعف أو نقص عناصرها من خلال تنظيمها، وتحفيز عناصرها، ومراقبتهم لحمايتهم كافة كيلا يطغى عنصر على آخر في مجال التملك أو في مجال التأجير، وهما المجالان اللذان يتعامل على أساسهما المنتجون والمستفيدون وكذلك الوسطاء من مكاتب استشارية، وسماسرة، ومقاولين، وممولين.
جهود وزارة الإسكان في مجالات التنظيم، والتحفيز، والرقابة تصب في مجملها في مصلحة جميع عناصر السوق العقارية عموما والإسكانية على وجه الخصوص، وتستهدف تحقيق التوازن بين المعروض والمطلوب كما ونوعا بما يجعل الوحدات السكنية المعروضة للتملك أو للإيجار متاحة ومتنوعة ومتناولة من قبل المستفيدين الذين تعمل الوزارة على تمكينهم من التملك، أو الإيجار بمساري تخفيض التكاليف، ورفع القدرات الشرائية، كما تسعى في الوقت ذاته للحفاظ على حقوقهم وحقوق الممولين بالتنسيق مع المطورين لرفع جودة الوحدات السكنية المعدة للبيع أو للإيجار بالتزامن مع حفظ الحقوق المالية والمعنوية للجميع.
ورغم ذلك هناك معارضة من الرأي العام حيث يرفضون الحلول الإستراتيجية المستدامة، ويطالبون بالحلول التكتيكية الملائمة السهلة بالنسبة لهم (منح الأراضي من الأمانات وتوفير قرض البناء الذاتي من الصندوق العقاري)، رغم أن هذا الحل أثبت بالدليل القاطع عدم جدواه حين تغيرت الظروف بسبب زيادة الطلبات ونقص موجودات الصندوق، ودليل ذلك قوائم الانتظار التي وصلت إلى 1.5 مليون طلب على الصندوق وعلى الوزارة.
إلغاء وزارة الإسكان لسنوات طويلة، والاعتماد على سياسة الأرض الممنوحة من البلديات، والقرض المقدم من الصندوق كآلية لتمكين المواطن من امتلاك المسكن كانت ذات آثار سلبية كبيرة في القطاع العقاري عموما والإسكاني خصوصا رغم دورها في رفع ملكية المساكن في مرحلة سابقة، كما هو حال آثار استهلاك السكر في جسم الإنسان، حيث تشوهت السوق العقارية بشكل جعلها عاجزة عن لعب دورها المهم والحيوي على المستويين الجزئي والكلي.
ختاما، الجهل عدو الحلول الإستراتيجية الناجعة، وبات على وزارة الإسكان بالتعاون مع الاقتصاديين والإعلاميين توعية الرأي العام بحلولها الإستراتيجية وعدم جدوى، بل مخاطر آلية المنح والقروض القديمة وضرورة التحول لآلية جديدة فاعلة ومستدامة فذلك السبيل لكسب رضاهم ودعمهم.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/07/12