حكايتان من وحي ثورة الجزائر
معن بشور
قرأت بالأمس لمدون على الفايس بوك قولاً استفزني بعض الشيء: سنموت ونحن نسمع عن الوحدة العربية وتحرير فلسطين…
أجبته على الفور: لقد مات جزائريون كثر على مدى 130 عاماَ وهم ينتظرون استقلال بلدهم وقد كان لهم ذلك قبل 55 عاما، ومات ألمان وايطاليون كثر وهم ينتظرون قروناَ أن تتوحد بلادهم وقد كان لهم ذلك…
واحتفالنا اليوم بعد 55 عاما باستقلال الجزائر التي واكبنا جميعا ثورتها كانت “مفاجأة العروبة لنفسها” لا حنينا لماضٍ نتوق إليه فقط، بقدر ما هو زاد لنا في مواجهة تحديات حاضر بكل محنه وفتنه، بل استشرافا لمستقبل تزهر فيه الحرية وتسود فيه الكرامة، وترتفع فيه رايات العروبة كهوية تنطوي على مشروع نهوض….
واسمحوا لي بهذه المناسبة الجليلة أن استعيد معكم روايتين سمعتهما من كبيرين من رجال الثورة في الجزائر…
أول الحكايتين للراحل الكبير عبد الحميد مهري الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي والذي كان ممثلا لها، في خمسينات القرن الماضي، في المشرق العربي حيث يقول ” استدعيت مرة إلى محكمة الثورة في بغداد كشاهد في قضية نقل أسلحة من العراق إلى سوريا قبل ثورة 1958 رغم ما كان بين العاصمتين الشقيقتين من جفاء وصراع وإغلاق حدود”..
“سألني رئيس المحكمة آنذاك، الراحل المهداوي هل لك علم بأسلحة خرجت من مخازن الجيش العراقي وأرسلت إلى سوريا، وكان الاعتقاد أنها أرسلت من أجل المساعدة في قيام انقلاب في دمشق… قلت :نعم كانت أسلحة أرسلتها بغداد إلى دمشق لكي نشحنها إلى الثورة في الجزائر..”
وأضاف مهري رحمه الله :” يومها اجتمع العرب على ما بين حكامهم من صراعات على دعم قضية واحدة هي ثورة الجزائر … ألا نستطيع اليوم أن نترك صراعاتنا جانباَ من أجل قضية اسمها فلسطين، تجتمع فيها السماء والأرض، الماضي والحاضر والمستقبل…”
الرواية الثانية سمعتها من المجاهد سي لخضر بورقعه (أطال الله بعمره) قائد الولاية الرابعة في الجزائر إذ يقول” كنا في قواعد الثورة في الجزائر نستمع إلى “صوت العرب” في القاهرة كمصدر رئيس للمعلومات والتحليلات والمواقف ، وحدث مرة أن أحد القادة الميدانيين استمع إلى خبر من صوت العرب يتحدث عن معركة وقعت في منطقته، ولم تكن قد حصلت في الواقع… مع ذلك جمع القائد رجاله وقال لهم علينا أن نقوم اليوم بعملية ضد المستعمرين لأنه لا يجوز أن تقول “صوت العرب” شيئاَ غير صحيح وهكذا كان بالفعل، وأطلق على القائد الميداني لقب “العقيد صوت العرب” الذي رافقه طيلة حياته…
ألا تستحق هاتان الحكايتان وحدهما ومعهما الآن الحكايات المماثلة أن نحتفل في بيروت، وهي المدينة التي فتح رئيس بلديتها عادل الصلح (والد أستاذنا الراحل منح الصلح) مفتاحها لممثلي ثورة الجزائر وسط اعتراضات من أصدقاء فرنسا يومها…
بل ألا تستحق أن نلتقي حول ثورة عظيمة، لن تخفي عظمتها كل ما يمكن أن نسمع عنها من حروب بدأت في الجزائر لتنتقل إلى كل قطر عربي، أو من أخطاء وخطايا، بل نلتقي ومعنا السفير الصديق أحمد أبو زيان الذي ينتمي إلى أسرة كان أحد أبنائها قائدا لأحدى الثورات التي لم تهدأ في الجزائر منذ الاحتلال…
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/13