هل نستثمر في الحياة ؟!
محمد البلادي
•أكثر ما يهدد مستقبل بلادنا - في رأيي- ليس انتهاء النفط كما قد يتبادر للذهن ،فهذا أمر تعايشت معه أجيال سابقة بنجاح ،أكثر ما يهددنا بالفعل هو التصحر والجفاف، وتناقص المخزون المائي ، الذي وصل حداً غير مسبوق ، والذي إن استمر بنفس الوتيرة المفزعة ؛ وبذات التجاهل و ( التطنيش ) العجيب من قبلنا، فربما تصبح فرص الحياة في المستقبل أمراً صعباً جداً ، حتى لا أقول مستحيلاً .
• وحتى لا يتهمني أحد بالتنجيم أو التآلي على الله فلن أقول أن هذا التآكل البيئي ، والتهديد الوجودي، لو واجه مجتمعاً (علمياً) أو قل إن شئت غربياً ، لتم حله منذ زمن ، لكنني - وكمختص في الجيولوجيا - أقول إنني أشعر بالأسف والمرارة كوننا وبرغم كل الإمكانات المالية واللوجستية لم نفعل شيئاً يستحق الذكر لمواجهة الكارثة القادمة ، أو حتى للتقليل من سرعة اتجاهنا إليها ! .
•هذا ليس تشاؤماً ، بل استشراف للمستقبل بعين معاصرة ، فكل الأمور تشير الى مواجهة حتمية من طرف واحد ، لم نستعد لها بشيء ذي بال للأسف ، فلا وزارة الزراعة - التي وضعت مؤخراً البيئة في مقدمة اسمها - أعلنت عن برامج جديدة وجادة لوقف التدهور البيئي المزمن .. ولا هيئة أرصاد وحماية البيئة التي تتضّمن رؤيتها عبارة تقول : « تجديد الوسائل والإجراءات التي تضمن المحافظة على البيئة ومنع تدهورها وتحسينها « كشفت عن إجراء واحد على أرض الواقع لتحسين البيئة التي تزعم حمايتها ! .. ولا حتى الجامعات التي من المفترض أن تكون هي ومراكز البحث العلمي حائط الصد الأول لكل ما يهدد المجتمع من مشكلات ، قد قامت ولو بربع واجباتها العلمية تجاه هذه الخطر الذي يدرك أستاذتها أبعاده جيداً ! . ولا أخفيكم أنني استبشرت شخصياً بإعلان إحداها قبل سنوات وهي ( جامعة كاوست ) بالبحث في استخدام مياه البحر في الزراعة ، ولكن تلك الأحلام سرعان ما تبخرت للأسف ، كما تبخرت مياه متكونات شبه الجزيرة العربية التاريخية في غضون سنوات قليلة من الاستنزاف (الجائر) بعد التصريح الأكثر جوراً من أحد مدراء جامعاتنا ، الذي قال ذات ( حفلة هياط جامعي ) إن مخزون مياهنا الجوفية يعادل فيضان نهر النيل لمدة ٥٠٠ عام ! .
•ولأن الحل الحقيقي لأي مشكلة لابد أن يبدأ من المواجهة المباشرة والجادة لها ، فإن كل الحلول الترقيعية التي التفت على المشكلة طوال العقود الماضية لم تكن أكثر من استنزاف مالي وإداري فاقم المشكلة دون حلها ، ونظراً لكون بلادنا تدخل مرحلة جديدة تتميز بالاستثمار والخصخصة وتقليل الهدر، وبالنظر لخطورة هذه المشكلة التي تدخل ضمن نطاق الأمن الوطني، فلابد من إنشاء جهة متخصصة ومستقلة ، لها حق منح رخص للقطاع الخاص للاستثمار في ابتكار حلول إبداعية في الاستمطار ، و زراعة المناطق الجافة ، وتآكل الغطاء النباتي .... الخ ، ولها أيضاً حق التعاون مع كل الجهات العلمية المتخصصة كالجامعات ومراكز البحث العلمي العالمية، وحتى لا نكرر نفس الخطأ مع جامعاتنا الموقرة ، فإنني أقترح التنسيق مع ( هارفارد) تحديداً لتتولى دراسة المشكلة والبحث فيها وتقديم الحلول .
•بالعودة إلى مقدمة المقال نقول: إن الاستثمار في النفط هو استثمار في الاقتصاد والرفاهية ، لكن الاستثمار في المياه والزراعة هو استثمار في الحياة والوجود .. خصوصاً للأجيال القادمة .
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/07/15