الأهم من وجود أو عدم وجود جهة تقف وراءها ما الذي أكدته وكشفته عملية الجبارين؟!
محمد النوباني
عندما تغيب المعلومة المؤكدة من مصدرها الأصلي يلجأ المحلل السياسي إلى جمع المعطيات التي يتسنى له الحصول عليها من مختلف المصادر ليقوم بربطها مع بعضها البعض بصورة منطقية وصولا لاستنتاج معين أو خلاصة ما قد تحتمل الصواب أو الخطأ فإن أصاب فله ثوابين ثواب أنه اجتهد وثواب أنه أصاب , وأن أخطأ فأن له ثواب واحد أي ثواب أنه اجتهد .
وهذا ما فعله الكاتب والإعلامي الفلسطيني البارز الأستاذ كمال خلف في المقالة التي نشرتها له صحيفة “رأي اليوم ” الالكترونية في الخامس عشر من تموز الجاري تحت عنوان “عملية الجبارين في القدس ما علاقة حزب الله وإيران بها” حيث استنتج في تلك المقالة استنادا إلى ربط مجموعة شواهد ببعضها البعض ومنها وجود صورة للمرشد الإيراني علي الخامينائي وهو يتناول طعام الإفطار في رمضان الماضي مع كبار القادة الإيرانيين على صفحة أحد منفذي عملية القدس على الفيسبوك وفوقها تعليق له عن تواضع المرشد وزهده واصفا هذا بتواضع المؤمنين , بان العملية المذكورة قد يكون وراءها حزب الله وإيران .
قد يكون هذا الاستنتاج صحيحا وقد يقلب كل المعادلات القائمة حاليا في المنطقة ويوقف كل مشاريع التقارب العربي مع إسرائيل , كما توقع كمال خلف , وقد يكون مجرد اجتهاد أي بمعنى أن يكون المنفذون الثلاثة قد تأثروا فقط بأفكار حزب الله والمرشد الإيراني بدون أي رابط تنظيمي , وهذا بحد ذاته شيء مهم وله دلالات آنية وإستراتيجية لا يمكن الاستهانة بها .
فهو يدل على فشل كل المحاولات المحمومة والمسمومة التي بذلت على مدار السنوات الست الماضية في إغراق المنطقة , ومنها الساحة الفلسطينية , في اتون الفتنة المذهبية , التي كان من ضمن أحد أهم أهدافها خلق فتنة سنية شيعية تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية , على اعتبارها القضية المركزية للشعوب العربية والإسلامية , واستبدال العدو الرئيسي بأعداء وهميين , هم في الحقيقة والواقع المساندين والداعمين الأساسيين للشعب الفلسطيني , وقضيته العادلة .
إن عملية القدس أكدت بأن الجيل الفلسطيني الجديد ومهما كان وضع السلطة الفلسطينية وفصائل الحركة الوطنية الفلسطينية بمختلف تكويناتها مأزوما وبائسا وعاجزا إلا أنه وفي مختلف أماكن تواجده سيواصل حمل الراية حتى تحقيق كامل الأهداف التي ضحت وناضلت من اجلها قوافل الشهداء منذ أكثر من قرن مضى .
ولا يهم في هذا السياق , أن كانت عملية الجبارين , والإجراءات غير المسبوقة التي أخذها الاحتلال بحق المسجد الأقصى , مثل إغلاقه ومنع الصلاة فيه وهو الأمر الذي لم يحدث منذ خمسين عاما ستكون شرارة لانتفاضة جديدة كما كان تدنيس شارون للمسجد الأقصى في 28/9/2000 شرارة للانتفاضة الثانية أم لا ؟
فهذا أمر يظل في إطار الاحتمالات لأنه يتوقف إلى حد كبير على ما قد تتخذه حكومة بنيامين نتنياهو من إجراءات لاحقة مثل إقدامها على المضي قدما في مخططها الهادف إلى تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا أو أية إجراءات أخرى مشابهة قد تدفع الأمور نحو الانفجار .
ولكن الأمر الأكثر أهمية من كل ذلك أن عملية الجبارين ومهما ستكون نتائجها على الصعيد الفلسطيني سوف تكون لها نتائج إستراتيجية على الصعيد العربي والإسلامي برمته لأنها ستحدد من هو مع الشعب الفلسطيني حقيقة ومن هو ضده بدون رتوش وستؤسس لاصطفافات جديدة على قاعدة الموقف الوطني وليس المذهبي .
لماذا ؟ لأن المواطن العربي سوف يدرك من الآن فصاعدا بأن الذين قدموا الدعم المادي والمعنوي والتسليحي والإعلامي للعصابات التكفيرية في سوريا والعراق , وأوعزوا لعلماء السلاطين بإصدار الفتاوى المذهبية الدموية لتبرير ذلك تحت عنوان حماية السنة من الشيعة ومن إيران ويصمتون اليوم صمت القبور عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين , رغم أن غالبيتهم الساحقة من السنة ويتجاهلون أن, المسجد الأقصى الذي قامت إسرائيل بإغلاقه ومنع الصلاة فيه لأول مرة منذ خمسين عاما هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لم يكن يحركهم أي وازع ديني أو أخلاقي بقدر ما كانوا يهدفون إلى خدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية تحت ستار الدين .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/17