عملية القدس: هل توقظ فتح وحماس؟
د. علاء أبوعامر
أن ينفذ ثلاثة شبان من عائلة واحدة من الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 ومن أم الفحم تحديدا حيث مركز الحركة الإسلامية في الداخل عملية فدائية في المسجد الأقصى فإنهم يوصلون رسالة للعالم أجمع أن المسجد الأقصى والقدس خط أحمر وأن الصراع الفلسطيني الصهيوني وصل إلى حدود الصراع الديني الذي تم التحذير منه طويلا حيث وصوله لهذا المدى أصبح يُنذر بكارثة. لا أدري بأي اتجاه ستقود هذه الكارثة وعلى رأس من ستتساقط شظاياها ولكنها يقينا لن تترك أحدا إلا وستلتهمه، ولكن الذي فجرها أو فجره كصراع ذو بعد قاتل لأي فرص للسلام هو بلاشك اليمين الصهيوني المتطرف باستفزازاته المتكررة ضد المقدسات خصوصا في القدس، حركة فتح التي تقود السلطة في رام الله اعتمدت خيار النضال الدبلوماسي والسلمي وكسبت قرارات في المحافل الدولية في صالح القدس والمسجد الأقصى والخليل بما فيها الحرم الإبراهيمي وهي قرارات هامة لأنها تؤكد على الحق الديني والوطني للفلسطينيين وتجعل إجراءات الاحتلال إجراءات باطلة وغير قانونية.
ولكن كل ذلك لم يُغير شيئاً على أرض الواقع فإسرائيل ومع أنها تمتعض وتستنكر أي قرار أممي أو دولي يلغي صفة الشرعية عن احتلالها لفلسطين ككل أو كجزء إلا أنها تواصل تجاهل هذه القرارات وتحديها بقرارات أحادية تصدرها حكوماتها وتُثبت فيها احتلالها وتهويدها.
الصهيونية التي استخدمت الأمم المتحدة ولفترة طويلة كمنصة في خدمة مخططاتها وأهدافها الاستعمارية بدأ بقرار التقسيم وانتهاء بتسلمها مراكز قيادية في الجمعية العامة للأمم المتحدة منحت دولة الابارتهايد والتمييز العنصري مكانة قانونية راقية شجعتها على مواصلة انتهاكها لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية خصوصا اتفاقيات جنيف.
وبالرغم من أن الاحتلال كل الاحتلال باطل وكل إجراءاته التي بنيت على الاحتلال باطلة إلا أن الفلسطيني مازال يصارع سنويا في المنظمات الدولية لتثبت حقوقه المرة تلو المرة.
تارة لتذكير العالم بحقوقه وتارة أخرى لتجديد التزام العالم بها في ظل اختلال موازين القوى لصالح الصهاينة، وفي ظل السعي العربي الرسمي للتطبيع مع الصهاينة والذي من الممكن أن يخل بهذه القرارات فتلميح السفير الإسرائيلي في منظمة اليونيسكو أن دولا عربية اعتذرت له عن تصويتها لصالح قرار اليونيسكو الخاص بالخليل وأنها كانت ترغب بتصويت سري حتى تتجنب التصويت بنعم لصالح القرار لدليل على أن الأغلبية التلقائية التي يحصل عليها الفلسطينيون من عالمهم العربي والإسلامي ليست ثابتة وهنا ليست قوة الحق هي التي تنتصر بل الأغلبية السياسية والمصالح الدولية هي التي تحظى بالمكانة أكثر، امتناع نيجيريا قبل سنوات عطل قرارا أمميا بخصوص مكانة دولة فلسطين في الأمم المتحدة وامتناع الهند الحليف التقليدي لفلسطين عن التصويت قبل أيام في احد المحافل الدولية ينذر بالخطر الشديد ويدعو إلى التأمل واليقظة والعمل الدؤوب من قبل الدبلوماسية الفلسطينية لتجنب مزيد من الخسائر على صعيد العلاقات الدولية.
قرارات الأمم المتحدة قابلة للإلغاء والتعديل وهي غير ثابتة كما يعتقد البعض بل تخضع للتصويت والتصويت له علاقة بالعدد في الجمعية العامة واليونيسكو فكل هذه المكاسب التي يحتقل بها الفلسطينيون عند صدورها ممكن أن تتلاشى في تصويت قادم وما قرار إلغاء قرار تصنيف الصهيونية كحركة استعمارية عنصرية وشكل من أشكال التمييز العنصري إلا خير دليل على ذلك. فالقرارات الأممية ممكن أن تعدل وتبدل.
لذلك قرارات أممية دون نضال يساندها على الأرض ممكن أن تذرها الريح، لم يُقصر الفلسطينيون كأفراد في الذود عن مقدساتهم وبلداتهم وأرضهم سواء في الداخل الفلسطيني عام 48 أو في القدس أو الضفة الغربية ولكن السياسات الفلسطينية التي تصنف من كسياسات (حكيمة) والتي تحاول تجنيب السكان مزيدا من القمع والإرهاب والتدمير الإسرائيلي أثبتت أنها إستراتيجية فاشلة ولا تجدي نفعا مع محتل كالمحتل الصهيوني، فإسرائيل لم تتوقف عن تهويدها ومواصلة استيطانها وقمعها وإذلالاها لأبناء الشعب الفلسطيني بالرغم من إبداء حسن النوايا من قبل قيادة فتح والسلطة الفلسطينية، على العكس قوبلت تلك النوايا والسلامية المطلقة من قبل قيادات السلطة بالاستهزاء من قبل المحتلين.
النضال الدبلوماسي رغم قيمته العالية عبر المنظمات الدولية غير كافي لوحده لتغيير معادلات الصراع مما هي عليها اليوم لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته هذا مسار يجب ألا يتوقف بل يجب أن يستمر فهو حلقة من حلقات الصراع الأكبر والذي أساسه الصراع على الأرض كان الصراع منذ البدء على الأرض ومازال هذا الصراع على الأرض لن يوقف التهويد والاقتلاع إلا التصدي له على الأرض وبكافة أشكال النضال.
فتح وحماس الغارقتين حتى إذنيهما في الصراع على السلطة الوهمية سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود لا علاقة لهما بالنضال الفردي الذي جرى في السنوات الثلاث الأخيرة ولا فصيل فلسطيني له علاقة به إنه سلوك فردي متمرد على الفصائل والسلطتين في غزة ورام الله مبعثه الحس الوطني الخالص من أبناء الضفة وأبناء فلسطين عام 1948 وهذا عار على الفصائل التي تدعي قيادتها للنضال الفلسطيني وربما هو يؤسس لانطلاقة تحررية جديدة لن يكون فيها مكان للتنظيمات التاريخية التي قادت النضال الفلسطيني عبر أكثر من خمسين عاما دون أن تحقق أي نتيجة تذكر إلا تأبيد القضية الفلسطينية كقضية حق لشعب تعرض للظلم.
من ناحية أخرى عملية القدس والتي خرج منفذيها من الداخل المحتل تُلقي بإجابات على الطروحات التي يرددها الفلسطينيون عند كل مأزق يواجهونه في التفضيل ما بين حل الدولة الواحدة وحل الدولتين، عملية القدس تقول أن حل الدولتين غير قابل للتطبيق لأن فلسطينيو ال 48 هم جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني وأن فلسطين كل فلسطين محتلة والشعب الفلسطيني شعب واحد غير قابل للتجزئة، وكذلك هي تقول أن التعايش مع الاحتلال حتى في ظل المواطنة الإسرائيلية أيضا غير قابلة للاستمرار في ظل العنصرية والفاشية الصهيونية الموجهة ضد الأرض والإنسان والمقدسات الفلسطينية، وهي رسالة لقادة فتح وحماس تقول لهم تتخاصمون على سلطة وهمية وبرامج وهمية وتعذبون 2 مليون إنسان فلسطيني غزي في خلافاتكما السياسية وتتركون المحتل يسرح ويمرح في أرضنا ومقدساتنا دون رادع.
عملية القدس مؤشر خطير على تصاعد حدة الصراع الديني ليس بتأثير داعش ولا غيرها من الحركات الأصولية العميلة والتي صنعتها دوائر الاستخبارات الغربية والصهيونية بل بفعل التهويد والاعتداءات الصهيونية المتكررة والمتواصلة.
تصريح وزير خارجية البحرين بخصوص العملية مخزي لكل عربي له علاقة بالقدس والمقدسات والإسلام والمسلمين وأي تصريحات لا تتفهم دوافع العملية وأسبابها المباشرة وغير المباشرة مؤذية، قد لا يكون العمل المسلح في أماكن العبادة أمر غير جيد ولكن هل نفعت قرارات اليونيسكو في منع المحتل من التمادي في تدنيس المقدسات أو هل استطاعت مثل هذه القرارات في تغيير أي شيء على الأرض؟
كل النضال الفلسطيني بحاجة إلى إعادة صياغة في الأساليب والخطط بعد أن فشل عزل البرامج عن بعضها البعض في تحقيق أي هدف مرجو تحقيقه، لذلك وأمام الفشل أصبحت السلطة ومكتسباتها المادية والمعنوية هي عنوان التصادم بين برامج فتح وحماس.
توحيد شطري ما تبقى من وطن فلسطيني مهم والتمسك بسلاح المقاومة مهم والعمل على إطلاق جبهة مقاومة شعبية مهم وحاجات الناس الضرورية من ماء وكهرباء مهم ولكن الأهم الذي انطلقت من أجله كل حركات التحرر الوطني ومن ضمنها حركة التحرر الفلسطينية هو تحرير أرض الوطن ولم أسمع يوما وأنا الخبير المختص بالعلاقات الدولية أن شعبا ما حارب محتليه بوسيلة واحدة وأنتصر.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/18