هل ما نشهده هو البداية الحقيقية لانطلاقة الربيع السعودي الخليجي؟..
عبدالكريم المدي
تمضي السعودية وحلفاؤها على خطى الفوضى الخلاقة وفوضى ” الربيع العربي” بسرعة فائقة، ومن يتابع السياسات لتي تتبعها لا يحتاج إلى أي توسُّع في الشرح، أو جهد في التحليل والاستنتاج ..ويكفي القول : إنها لم تستفد من تجارب الآخرين القريبة ،مكانا وزمانا، بل أن جوهر قرارها وفعلها السياسي يكرر نفس الأخطاء، وربما ما هو أسوأ منها بكثير،كتبنّيها للغة القدرة والتدخلات العسكرية والسياسية وانتهاك سيادة الدول الأخرى ،مع الاعتماد على كم هائل من الأوهام ومسببات الانقطاع عن الواقع، والأهم من ذلك كله، أنها تتكىء على أربعة عناصر رئيسة الأول : الجغرافيا/ المكانة الدينية وما يتفرع عنها من فتوى وحسابات عالمية على اعتبار أنها عاصمة للمقدسات الإسلامية،و الثاني:المال وما يتفرع عنه ، أيضا، من عقد صفقات تجارية وتسليحية،إسترضائية، فلكية مع الغرب لكسب ودّه وحمايته.
والثالث : الإشاعة والإعلام وما يُمثّلانه من مغالطات وحروب نفسية صارت عنصرا رئيسا في الصراعات المعاصرة، ولكن وفق موجهات وسياسات علمية مدروسة.
والرابع: الرؤية الجديدة التي يُلخّصها انقلاب الأمير محمد بن سلمان على سياسات المملكة الحذرة بعض الشيء خلال العقود الماضية ، وقدرته الكبيرة خلق الخصومات مع المحيط العربي والإسلامي وإيجاد تصدعات وخلافات داخل الأسرة الحاكمة تُعجل بتبرعم أزهار ” الربيع ” وقذائفه التي يبدو أنه لا عاصم للرياض وتحالفها من تذوقها والإكتواء بنيرانها شعاراتها التي تُشرعن للعنف وتفتح بوابات الجحيم،وأكاديميات الإستقطبات الحادة التي تُفكك كل شيء وتجعل من رغبة الأقلية تتفوق على إرادة الأغلبية والفوضى على الاستقرار.
ولو استرجعنا بعض شعارات ” الربيع ” التي كانت تُرفع سنجد أن منطلقها الفعلي لم يكن حقوقيا ،اجتماعيا، تنمويا ، وإنما هو عدائي، انتقامي، عمد على بثُّ الكراهية وشرعنة العنف بصورة فجّة.
وإليكم أحد الأدلة التي يبدو بأن الإخوة في السعودية قد نسوا بعض تفاصيلها .
:” فخلال العام 2011 تسرّبت معلومات في اليمن تُفيدُ بأنه تم اعتماد خطة صبيحة 4إبريل، تقضي بالقيام بعملية اغتيال للرئيس ”
صالح ” وكبار قيادات الدولة” وبالفعل نُفّذت، كما رُسِم لها، أثناء تأديته وكبار المسؤلين لصلاة الجمعة في جامع الرئاسة يوم 3يونيو، ومن يومها لم تعرف اليمن السلام أو تتمكن القوى الوطنية من الحفاظ على الحد الأدنى من شيء اسمه استقرار، بل أنها تجري منذُ عدّة سنوات عملية ترويض محلية وإقليمية ودولية لليمنين وغيرهم، من أجل التأقلم مع هذا الواقع وتقبل فكرة أن السلام أنهار والوحدة انهارت والتعايش انهار، وأن بعض الشعارات التي كانت تُرفع وأعيد إنتاج وصياغة بعضها مع انطلاق عاصفة السعودية على اليمن كحماية وتمتين عُرى الأمن القومي العربي، ومحاربة الفقر والفساد والجوع تظل مقدسة ، بغض النظر أن كانت عمّقت وأصّلت لتلك المشاكل ،فالانتماء العروبي يتطلب هضمها والتبرير لها.
لكن في حقيقة الأمر نعتقد بأنه وإذا كان ولابد من تناصح بيننا كعرب ..رجاء ذكّروا لنا الإخوة في التحالف السعودي أن” الربيع الجديد ” الذي يجذبونه إليهم بسرعة البرق، لم يكتفِ عند من سبقهم بإسقاط الأنظمة والرفض الفوري لأي حل كان يُقدّم من أجل تلافي الكوارث، بل عمل على تدنيس المقدس ، وتمزيق الممزق، وقد ظهرت أول نتائجه من خلال تعجيله بتقسيم البلدان، كما حدث لاحقا في اليمن وسوريا وليبيا وقبلها في السودان الذي قُسّم بإشراف ومباركة أممية ودولية يوم 9يوليو2011.
وذكّروا الأشقاء ، أيضا، أن هذا ” الربيع ” اللعين لم يكتفِ فقط ، بإسقاط الأنظمة والحكومات بل جعل منها دولا بلا دولة.
وذكّروا الأشقاء بأن ” ربيع ” الحرائق المشتعلة في كل مكان كرّس الطائفية ووسّع من النفوذ الإيراني وجعل من ممالك وإمارات الرمال النفطية هدفه التالي.
وذكّروا الأشقاء أن ” الربيع الجنائزي” قد جعل من الدول التي تدين بمذهب واحد وثقافة واحدة ومصير واحد تتصارع فيما بينهاخدمة لمن تعتقدهم خصومها، كما هو حاصل اليوم مثلا بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ، وقطر وتركيا منجهة ثانية وجميعها طبعا تُدين بالمذهب الـ ( سّني).
وذكّروا الرياض وأبوظبي ومعهما طهران وغيرها بأن الأمة الإسلامية حين صنعت نهضتها لم تعتمد على السيف فحسب، وإنماعلى الفكر والعلم والتسامح والحوار، فالرسول محمد – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – ، ظل يُحاور المشركين وأعداء الدعوة في مكة المكرمة والمدينة المنورة ( 13) عاما، بينما السعودية التي خططت لهزيمة اليمن خلال (27) يوما، وإسكات كل صوت تختلف معه في هذا البلد، هاهي غارقة في مستنقعه للعام الثالث على التوالي والله أعلم كيف ومتى ستكون النهاية ؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/29