حلول البطالة بين الغائب والممكن
عبد الحميد العمري
أظهرت النشرة الأخيرة للهيئة العامة للإحصاء حول سوق العمل المحلية، ارتفاع معدل البطالة بين السعوديين بنهاية الربع الأول من 2017 إلى 12.7 في المائة "723 ألف عاطل"، في الوقت ذاته أظهرت أن أعداد طالبي العمل ذكورا وإناثا من السعوديين وصلت إلى نحو 907 آلاف طالب وطالبة عمل! وهو العدد الذي احتسب كعاطلين يبحثون عن عمل، فإن معدل البطالة سيرتفع إلى 15.9 في المائة، وسواء تم الاكتفاء بالمعدل الأول 12.7 في المائة، أو تم الأخذ بالمعدل الآخر 15.9 في المائة، فلا شك أن كليهما يعد معدلا مرتفعا، خاصة في ظل وجود أكثر من 8.5 مليون عامل وافد، يعمل غالبيتهم العظمى في منشآت القطاع الخاص. إن مراجعة حلول البطالة الراهنة، ومقارنتها بما أظهرته تفاصيل النشرة الأخيرة لسوق العمل، ستظهران أننا نقف أمام حلول إما أنها تصطدم بجدار المستحيل، أو أنها قابلة للتحقق لكن بثمار أضعف بكثير من المأمول، أو أنه توجد حلول غابت تماما حتى تاريخه، سينتج عنها إذا طبقت معالجة أقوى وفائدة أفضل.
كان من أهم ما كشفت عنه النشرة الأخيرة، حول توزيع العمالة الوافدة في القطاع الخاص حسب المستوى التعليمي، وجود نحو 5.1 مليون عامل وافد من حملة الشهادة المتوسطة فما دون "59.9 في المائة من إجمالي العمالة الوافدة في القطاع الخاص"، راوحت متوسطات أجورهم بين 1770 ريالا و 2234 ريالا شهريا، ووجود أكثر من 1.8 مليون عامل وافد من حملة الشهادة الثانوية ودبلوم دون الجامعة "21.8 في المائة من الإجمالي"، راوحت متوسطات أجورهم بين 3035 ريالا و4383 ريالا شهريا، وأخيرا وجود نحو 1.6 مليون عامل وافد من حملة الشهادة الجامعية فأعلى "18.4 في المائة من الإجمالي"، راوحت متوسطات أجورهم بين 7709 ريالات و 12847 ريالا شهريا.
في مقابل ذلك على مستوى توزيع الباحثين عن عمل من السعوديين والسعوديات حسب المستوى التعليمي، كشفت النشرة عن وجود 121.8 ألف باحث وباحثة من حملة الشهادة المتوسطة فما دون "13.4 في المائة من إجمالي الباحثين"، ووجود 322.4 ألف باحث وباحثة من حملة الشهادة الثانوية ودبلوم دون الجامعة "35.6 في المائة من الإجمالي"، ووجود 462.4 ألف باحث وباحثة من حملة الشهادة الجامعية فأعلى "51.0 في المائة من الإجمالي".
الآن نقارن أعداد الباحثين والباحثات عن عمل بأعداد العمالة الوافدة بالقطاع الخاص حسب المستوى التعليمي، على اعتبار أن سياسات إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة وفقا للمستوى التعليمي، تعد أحد حلول البطالة المفترض تنفيذها، سنجد أننا أمام الحقائق التالية:
(1) الشهادة المتوسطة فما دون: وجود 5.1 مليون عامل وافد، يقابلهم نحو 121.8 ألف باحث وباحثة، أي ما نسبته 2.4 في المائة فقط من إجمالي العمالة الوافدة للمستوى التعليمي نفسه.
(2) الشهاد الثانوية ودبلوم دون الجامعة: وجود أكثر من 1.8 مليون عامل وافد، يقابلهم نحو 322.4 ألف باحث وباحثة، أي ما نسبته 17.5 في المائة من إجمالي العمالة الوافدة للمستوى التعليمي نفسه.
(3) الشهادة الجامعية فأعلى: وجود نحو 1.6 مليون عامل وافد، يقابلهم نحو 462.4 ألف باحث وباحثة، أي ما نسبته 29.8 في المائة من إجمالي العمالة الوافدة نفسه للمستوى التعليمي.
إن مقارنة النتائج أعلاه بما هو قائم على أرض الواقع في سوق العمل المحلية، وتحديدا داخل أروقة القطاع الخاص، تكشف بجلاء تام أسباب تفاقم البطالة بين صفوف المواطنين والمواطنات، وأسباب تعثر أغلب برامج حلولها الراهنة، التي ثبت وفقا للحقائق أعلاه ابتعادها عن التصدي الحقيقي لمواطن الداء. إن قراءة تفاصيل برامج التوطين على عمومها، حتى أحدث توليفة لها، تكشف أنها تقوم على منطق الكم لا الكيف! وما يؤكد ذلك فعليا؛ أنه لا يوجد في مختلف برامج التوطين حتى تاريخه أي معيار للتوظيف حسب المستوى التعليمي، أو حسب المستوى الوظيفي، إنما انصبت فقط اعتبارات تلك البرامج على نسبة أعداد المواطنين إلى إجمالي العمالة في المنشآت "نسبة التوطين"، وكان لافتا أنها اهتمت ببعض العوامل الأخرى "كالإعاقة والتأنيث على سبيل المثال" التي ترفع نسبة التوطين، في الوقت ذاته الذي لم تأخذ بعين الاعتبار هذا العامل الأهم "المستوى التعليمي، المستوى الوظيفي". لهذا؛ لا عجب أن تجد سبب "قلة الأجر أو الراتب" احتل المرتبة الثانية بنسبة 20.9 في المائة، بعد سبب "التسريح بواسطة صاحب العمل" الذي بلغت نسبته 31.6 في المائة، ضمن أسباب ترك العمل بين المواطنين والمواطنات "شكل مجموع السببين الأول والثاني نحو 52.5 في المائة من إجمالي أسباب ترك العمل في القطاع الخاص". يقف عدم الرضا الوظيفي من قبل العامل هنا خلف كثير من هذين السببين المسيطرين، الغالب نشوؤه من شعور العامل قياسا على مؤهله التعليمي الأعلى من المؤهل اللازم للوظيفة، كأن يكون جامعيا يشغل وظيفة قد لا يتطلب تأهيلها الشهادة المتوسطة، في الوقت ذاته الذي قد تجد أجرها الشهري أدنى بكثير مما كان يطمح إليه، وفي نهاية الأمر ستنتهي قصة التوظيف هنا إما باستقالة الموظف بقرار منه، أو بتسريحه من قبل صاحب العمل لأسباب تتعلق بانخفاض إنتاجية الموظف، التي بدت أسبابها واضحة قبل حتى أن يباشرها الموظف!
إننا أمام حلول "ممكنة وسهلة" يتم تطبيقها في الوقت الراهن في مواجهة تحدي البطالة، إلا أن العائد المجدي فعليا لم ينجح حتى تاريخه في تحقيق الهدف المنشود بالتغلب على البطالة، وما احتلال سبب "التسريح بواسطة صاحب العمل" للمرتبة الأولى بنسبة 31.6 في المائة بين أسباب ترك العمل، إلا أحد الشواهد على انقضاء مفعول برامج التوطين، وعدم قدرتها على مجاراة التطورات في سوق العمل المحلية. كل هذا يدفع بنا إلى ضرورة البحث عن حلول "غائبة"، تأخذ بعين الاعتبار وبدرجة أكبر تفاصيل بالغة الأهمية كما تأكد أعلاه، قد تكون غابت عن ذهنية برامج التوطين الراهنة، إلا أنه لابد من الرجوع إليها وفقا لما أثبتته الحاجة الماسة إليها، وهو ما سيمتد الحديث إليه في المقال القادم بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/07/31