المناشدة بالقضاء على المناشدة!
عبدالله المزهر
تقول الأخبار إن وزارة الصحة كفت يد سبعة وخمسين طبيبا عن العمل في منشآت خاصة بعد تبين أن مؤهلاتهم مزورة.
والحقيقة أن الأمر ليس مقلقا كثيرا فالناس ـ كما تعلمون ـ لا يصيبهم إلا ما هو مقدر لهم، ثم إن الآجال بيد الله سبحانه. فالموت لن ينظر في شهادة الطبيب قبل أن ينزع روح المريض.
وهذا الحس الإيماني المتمثل في قوة الإيمان بالقضاء والقدر هو الدافع الوحيد الذي يدفع ملاك المنشآت الطبية الخاصة إلى التعاقد مع أي إنسان ليعمل طبيبا في مشافيهم. والتزوير دافعه ليس الغش بطبيعة الحال، ولكن لأن الأنظمة الوضعية تتطلب وثائق للعمل بموجبها. لكنها مجرد أوراق ـ كما تعلمون ـ لا تقدم أجلا ولا تؤخره.
والدوافع الإنسانية وحدها هي التي دفعت إحدى الجامعات إلى التعاقد مع متخصصة في الصيدلة «متهمة» في قضايا قتل للمرضى. فالجامعة تهذيب وإصلاح كما تعلمون، ولذلك أرادت أن تعطي هذه المتهمة فرصة أخرى وعينات أخرى لتجربة أدوية جديدة. فلله قلب هذه المؤسسات ما أعطفه وما أحلمه وما أكبره.
وحين تجلس بين يدي طبيب في المرة القادمة فلا تشغل نفسك بالتفكير في مؤهلاته، المهم في الأمر هو أخلاقه وطريقة تعامله. فكم من سباك أفضل من طبيب خلقا وتقوى وإتقانا.
واتق الله وأنت تنظر لبقية المهن الأخرى التي قد تكون إحداها هي المهنة الأصلية للطبيب الذي تتجول يداه في أحشائك. فالسباكة والنجارة والحدادة وما شابهها مهن شريفة لا يجب أن تقلل من شأنها وتنتقص من طبيب لمجرد أن مهنته الحقيقية هي إحدى هذه المهن الشريفة.
وعلى أي حال..
كنت أنوي كتابة مقال «أناشد» فيه المسؤولين أن يعملوا جاهدين على القضاء على ظاهرة «المناشدة» من أجل العلاج، وأن يكون النقل الجوي للمرضى متاحا، دون الحاجة للمناشدة لأن هذه الظاهرة مسيئة.
ولكني عدلت عن فكرة «مناشدتي»، فالمرضى يتدللون فقط ويريدون العلاج في مستشفيات كبرى، مع أنه بإمكانهم - وبكل سهولة - العلاج في أقرب محل لأدوات السباكة والكهرباء؛ لأن مؤهلات المعالج لن تختلف كثيرا. ولعلكم تلاحظون أن أغلب هذه المحلات يكتب عليها «أدوات صحية»، وهذا يبين العلاقة الوثيقة بين هذين العلمين العظيمين.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/08/07