ترامب يتحدث عن “نار وغضب” وكوريا الشمالية تهدد بضرب جزيرة “غوام”..
عبدالوهاب الشرفي
مرة ثانية تتصاعد الأزمة الكورية الشمالية لدرجة خطيرة تتبادل فيها رسائل المواجهة بشكل صريح، فما بين ترامب الرئيس الأمريكي الذي قال أن كوريا قد تواجه ردا من “نار وغضب” إلى تصريحاته بأن الخطط العسكرية لتّدخل في كوريا الشمالية قد وضعت بشكل كامل وبين كوريا الشمالية التي تقول بأنها ستضرب جزيرة “غوام” الأمريكية وتتحدث عن إرسال رسائل صاروخية إلى قرب الجزيرة توكد بها قدرتها وجديتها في توعدها للولايات المتحدة.
مجلس الأمن كان قد أتخذ مؤخرا قرار بتشديد العقوبات على كوريا الشمالية على خلفية تجربة كورية لصواريخ عابرة للقارات وهي صواريخ ذات أمديات لم تسجل ضمن القدرة الصاروخية لكوريا الشمالية من قبل، ورأى المجتمع الدولي في ذلك انتهاك لقرارات أممية سابقة بهذا الشأن أستوجب العقوبات.
أكثر المستنفرين في هذا الجانب هي الولايات المتحدة الأمريكية لإعتبار أنها المعني الأول بالتصدي للسعي الكوري الشمالي لتطوير قدراته النووية والصاروخية، ولأن السجال الكوري يركز على الولايات المتحدة باعتبارها الخصم الأول لكوريا الشمالية ، كما أن الولايات المتحدة ترى أن تطوير القدرة الصاروخية لكوريا قضية مزعجة تفوق حتى التطوير النووي باعتبار أن التطوير الصاروخي هو الذي سينقل التهديد الكوري من تهديد لحلفاء الولايات المتحدة إلى تهديد للولايات المتحدة ذاتها ، فالصواريخ الحاملة العابرة للقارات هي التي ستنقل الروؤس النووية إلى الأراضي الأمريكية ، لذلك فقد كان للولايات المتحدة خطوات منفردة في اتجاه السجال مع كوريا الشمالية من تجارب صاروخية أمريكية على خلفية الأزمة الأخيرة مع كوريا الشمالية إلى اعتزام إعلان عقوبات أمريكية خاصة على كوريا الشمالية قالت بأنها ستكون موجعه .
روسيا كدولة معنية بالملف الكوري الشمالي موقفها تجاه تطوير كوريا لترسانتها النووية والصاروخية هو موقف المجتمع الدولي لكنها تفرق بين الموقف تجاه التطوير والموقف تجاه النزوع الأمريكي للتصرف تجاه كوريا بصورة منفردة والمقصود هنا هو التلويحات الأمريكية بالتدخل العسكري في كوريا الشمالية ، وكان بالإمكان أن يلعب الدور الروسي بفاعلية أكثر لولا حالة توتر العلاقة الأمريكية الروسية بشكل كبير مؤخرا وعلى ذات خلفية العقوبات الأمريكية ضد روسيا ما مثل عائقا أمام إمكانية استفادة الولايات المتحدة من مساعدة روسية في الشأن الكوري الشمالي لاعتبار الموقف الواحد لهما من التطوير الكوري الشمالي لقدراته النووية والصاروخية .
الصين الفرصة الأوسع للولايات المتحدة للتعامل مع الملف الكوري الشمالي هي كذلك تتبنى نفس موقف المجتمع الدولي تجاه تطوير كوريا الشمالية لقدراتها النووية والعسكرية لكن حالها هو ذات الحال الروسي وبصورة أشد تجاه التفريق بين الموقف تجاه التطوير والموقف تجاه التدخل الأمريكي بقرار منفرد ضد كوريا الشمالية، وكان تصريح الصين بأنها لن تساند كوريا في حال كانت هي البادئة بضرب أمريكا وهو كلام يحمل رسالة بأنها ستقف في مساندة كوريا في حال العكس أي إذا بدأت الولايات المتحدة بضرب كوريا الشمالية ، ومع ذلك لازالت الولايات المتحدة تؤمل وتنسق مع الصين لمحاولة فتح طريق للتفاهم مع كوريا الشمالية للتخلي عن طموحاتها النووية والصاروخية .
ليست المرة الأولى التي يزبد ويرعد فيها ترامب تجاه كوريا الشمالية فقد سبق وفعل ذلك بعد ضربته لمطار الشعيرات السوري بقرار منفرد محاولا البناء على القرار باتجاه سوريا كرسالة بالجدية الأمريكية التي ستستخدم بحق كوريا وحاول أن يدعم هذه الفكرة بتوجيهه حاملة طائرات أمريكية باتجاه شبة الجزيرة الكورية ، لكن منيت تلك المحاولة ” الترامبية ” بالفشل بل انعكست على الولايات المتحدة سلبا خصوصا وأن الإدارة الأمريكية حينها لم تجد منفذ لتقليل من التوتر غير إدعاء أن حاملة طائراتها ” تاهت ” بالقرب من شبه الجزيرة الكورية وأنها لم تكن متوجهة إلى هناك كرسالة عدائية لكوريا الشمالية على غير كل التصريحات الأمريكية في بداية الأزمة حينها.
هذه المرة لا تزال المواقف الدولية المحيطة بالملف الكوري الشمالي هي ذاتها التي صاحبت الأزمة الأولى فليس هناك أحد يقف في صف ترامب أو بالأصح في صف “تصريحات ترامب” الملوحة بالنار والغضب، فبريطانيا تتحدث عن العمل على حل دبلوماسي ومثلها فرنسا التي تحذر من تصاعد الأزمة مع كوريا الشمالية، واليابان وكوريا الجنوبية أيضا غير متحمستان بل يبدوان معترضتين على أي تدخل عسكري ضد كوريا الشمالية، روسيا تبدي موقفا أكثر برودا من الأزمة الأولى تجاه الضغط على كوريا الشمالية، كما تبدي الصين موقفا أعلى في رفض التلويحات ” الترامبية ” العسكرية.
كل الحديث “الترامبي” عن التعامل مع كوريا الشمالية ” بنار وغضب” وما صاحبه من حديث جهوزية خطط الضربة وكذا التجربة الصاروخية الأمريكية هو ذاته الذي أبداه ترامب في بداية الأزمة للمرة الأولى وبالتالي لايمكن تحميله أكثر مما حمل المرة الأولى ولايجب النظر إليه كموشر جدي لنوايا أمريكية لتوجيه ضربة عسكرية لكوريا الشمالية ، ومع ذلك تتميز هذه المرة بمظهرين الأول تمثل في نشر اليابان منظومة دفاع مضادة للصواريخ والثاني أن هذه المرة دخل في الأمر صواريخ كورية شمالية اعترفت الولايات المتحدة نفسها أنها “عابرة للقارات”.
نشر اليابان لمنظومة صواريخ دفاعية هو انعكاس لاستيعابها أن الأزمة هذه المرة أكثر خطورة من المرة السابقة وان الولايات المتحدة باتت تشعر بتهديد أعلى وأنها في موقف يحتاج تصرف وهي تحتاط تجاه أي تصرف بما فيه التصرف المتطرف والأبعد احتمالا وهو انفجار الموقف عسكريا ، أما دخول صواريخ ذات أمدية أطول – عابرة للقارات – الخدمة ضمن القدرة الصاروخية الكورية الشمالية فهو أمر بالفعل يضغط على الولايات المتحدة للتصرف تجاه الملف الكوري الشمالي بشكل أكبر من ضغط التجارب الصاروخية الكورية التي قامت بها كوريا المرة الأولى .
مع هذين المظهرين الجديدين في الأزمة الكورية إلا أنه لايمكن الترتيب عليهما الاندفاع الأميركي لتوجيه ضربة لكوريا الشمالية لثلاثة أسباب أولها انه لازالت المواقف الدولية تجاه التعامل مع الملف الكوري هي ذاتها في الأزمة الأولى ولم تتمكن الولايات المتحدة من جذب أي دولة إلى تبني موقف ترامب المتوعد بالنار والغضب وثانيها أن ردت الفعل الكورية لازالت مفتوحة على احتمال احتفاظ كوريا الشمالية بالقدرة على الرد بمعنى أن الولايات المتحدة لا تضمن أن ضربتها ستتمكن من شل قدرة كوريا الشمالية على الرد والرد مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها السلاح النووي وهو أمر لا يسمح بأدنى قدر من المجازفة ولا يمكن أن تقدم الولايات المتحدة في ضله على ضرب كوريا الشمالية إلا إذا كان احتمال القدرة الكورية على الرد هو( صفر ) وهو ما لا تضمنه الولايات المتحدة على الإطلاق ، وثالثها هو التبعات الدولية والعالمية التي ستترتب على توجيه ضربة لكوريا في ضل الموقف الروسي الرافض لمثل هكذا عمل والموقف الصيني الأشد رفضا والذي يرى أي تدخل عسكري أمريكي ضد كوريا الشمالية لعبا أمريكيا داخل المنطقة الصينية والملوح بأنه لن يقف على الحياد في حال أن الولايات المتحدة هي البادئة بضرب كوريا الشمالية ، وهو أمر يجعل احتمالات التبعات في أعلى مستوياتها بالتسبب في انفجار عسكري عالمي .
تضل التلويحات ” الترامبية ” وتوعداته لكوريا الشمالية هي مظهر لدرجة الخطورة التي تقدرها الولايات المتحدة للمستوى الذي وصلته القدرات الكورية الشمالية او لنقل تعبير إمريكي عن ” سخط ” تجاه مواصلة كوريا السير في مشوارها لكنها لا تمثل مطلقا في ضل العوامل السالفة مظهر لتوجه أمريكي جدي للتعامل مع الملف الكوري الشمالي بالقوة العسكرية ، وليس لها أمام الأزمة الحالية غير ما كان أمامها في الأزمة الأولى من التعويل على الصين لإيجاد مخرج للازمة الكورية تقدم فيه الصين نيابة عن الولايات المتحدة من تحت الطاولة المزيد من صور ” التشجيع ” لكوريا الشمالية ” للتفاهم ” حول مسألة قدراتها النووية والصاروخية .
وتضل الأزمة الكورية بركان عملاق معرض للانفجار خصوصا في ضل حالة المنافسة الدولية الحادة في كثير من الملفات الدولية والتي قد تدفع بالملف الكوري الشمالي للخروج عن السيطرة وانفجار البركان على روؤس الجميع ، لكن لحد الآن لازال الأمر تحت السيطرة .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/14