السعودية تراهن على حصان خاسر
صالح السيد باقر
قلت في مقال سابق أن المملكة العربية السعودية تعود تدريجيا إلى سياستها السابقة وهي دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى تبني سياستها تجاه الدول التي لا تنصاع لسياساتها، وأن الرياض اضطرت إلى انتهاج المباشرة في سياستها الخارجية نتيجة تخلي أوباما عن أغلب الملفات الخارجية وفي مقدمتها الملف الإيراني.
وقلت أيضا أن السعودية وجدت في ترامب ضالتها وبما أنه يسعى إلى استعادة دور بلاده في العالم بعدما تضاءل خلال مرحلة أوباما فأن مبالغ الصفقات التي أبرمتها معه كفيلة لأن يعيد لبلاده قوتها وهيبتها ويمكنها من فرض قراراتها على سائر الدول، وبذلك فأن السعودية تنفذ سياستها تجاه خصومها عبر الولايات المتحدة.
للوهلة الأولى يبدو للمراقب السياسي أن المملكة تقوم بتسوية ملفاتها مع الدول التي لديها مشاكل معها كإيران والعراق ولبنان وسوريا ومن المرجح اليمن وكذلك قطر، حيث أن هذه الملفات أضرت بسمعتها وشوهت صورتها في العالم الإسلامي، فبما أنها تعتبر نفسها زعيمة العالم الإسلامي والعربي لذلك ليس من المناسب أن تكون لديها مشاكل مع دول إسلامية وعربية، غير أن حقيقة ما سيجري هو أن السعودية تقوم بحل مشاكلها مع هذه الدول عبر دفع الولايات المتحدة للقيام بالمهمة نيابة عنها.
بغض النظر عن أن تكون سياسة المملكة صحيحة أو خاطئة فمن المؤكد أن خبراء سعوديين ومستشارين أجانب عكفوا على وضع هذه الإستراتيجية وسبل تنفيذها، غير أن السؤال المطروح هو هل أن ترامب مؤهل للقيام بهذا الدور أم أنه غير مؤهل، أو لنقل هل لديه الإمكانيات الكافية للقيام بهذه المهمة أم لا يمتلك تلك الإمكانيات؟
لو أخذنا على سبيل المثال الملف الإيراني الذي يعتبر من أبرز الملفات التي تسبب أرقا مزمنا للسعودية، فهل سينجح ترامب بإرغام طهران على الانصياع للسياسة التي تطمح لها السعودية أم لا؟
يعلم الجميع أن حكومة أوباما نجحت في تشكيل تحالف دولي ضد إيران وفرض عزلة خانقة عليها، وكان ذلك الإجماع أعتى سلاح استخدمته الولايات المتحدة ضد إيران، وقد أثمر هذا الاجتماع عن التزام المجتمع الدولي بكافة العقوبات التي فرضت على طهران سواء تلك العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي أو العقوبات التي فرضت بشكل فردي من بعض الدول، ولولا انفراجة المفاوضات التي تكللت بالاتفاق النووي لكان من المحتمل نشوب حرب أممية ضد إيران، نتيجة العقوبات والعزلة.
رغم وجود هذا السلاح الفتاك بيد أوباما آنذاك، إلا أنه انتهى إلى توقيع اتفاق دولي مع إيران وألغيت كافة العقوبات عليها، ويبدو أن أوباما واجه حملة انتقادات شرسة ضده وخاصة من الجمهوريين نتيجة التوقيع على الاتفاق إذ كانوا يعتقدون أن إيران كانت تمر بأضعف مراحلها وكان يمكن انتزاع الكثير من التنازلات منها أو الانقضاض عليها، ولكنه طالما ردد كلمته التالية بعد الاتفاق النووي، أنا بودي أيضا تفكيك البرنامج النووي الإيراني، ولو استطعت تفكيكه لفعلت، لذلك فأن الاتفاق النووي هو أفضل ما يمكن الحصول عليه وتحقيقه.
في مثل هذه الظروف تراهن السعودية على الرجل الأول في الولايات المتحدة غير أنه ترامب يقف اليوم عاجز أمام كوريا الشمالية ولا يدري ما الذي يفعله معها رغم وجود إجماع شبه دولي ضدها، فهل سيتمكن من القيام بشيء ضد إيران؟ اليوم لا يوجد إجماع محلي أميركي على سياسات ترامب الداخلية فهل سيتمكن من إيجاد إجماع محلي تجاه السياسات الخارجية؟ اليوم ترامب لا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى، فهل سيبقى له مجال لمتابعة أزمات أخرى بحجم أزمة إيران؟
ثم ما هي الذريعة التي سيسوقها ترامب ضد إيران لإيجاد إجماع دولي ضدها؟ هل سيقول أن إيران تسعى لامتلاك قنبلة نووية، بينما الوكالة الدولية للطاقة الذرية تراقب برنامجها على مدى 24 ساعة؟ أم يقول أنها تدعم الإرهاب بينما المدن الإيرانية تشهد كل يوم تشييع أحد أبنائها استشهد في قتاله مع داعش سواء في سوريا أو العراق؟ أم سيقول أن إيران تهدد جيرانها، بينما طالما مدت طهران يدها لجيرانها وسعت إلى توطيد العلاقات معهم؟
لن يكون أمام ترامب إلا خيارين، أما أن يواصل فرض العقوبات على إيران وهو ما استطاعت طهران تجاوزه، أو شن الحرب عليها، وهذا لن يتحقق إلا بعد أن تتعرف الولايات المتحدة على إمكانيات وقدرات إيران العسكرية لتقييم مدى قدرتها على تدميرها، وهذا لن يكون متاحا لواشنطن، لأن طهران ترفض جملة وتفصيلا بأي سيناريو يؤدي إلى كشف قدراتها، من هنا فأن رهان السعودية على ترامب خاسر ولن يجدي نفعا.
غير أن الذي يستوقفني في هذا الصدد هو إصرار السعودية على حل مشاكلها مع إيران والدول التي لديها مشاكل معها بالقوة، بينما يمكن حل كل تلك المشاكل عبر التفاوض والتفاهم، بل أكاد أجزم أن كل الدول التي لديها مشاكل مع السعودية ستتفهم المصالح السعودية إذا كانت نوايا وخطوات وإجراءات الرياض صادقة في حل المشاكل.
ما تحتاجه السعودية هو قليل من المرونة الدبلوماسية يغنيها عن تبذير أموالها على ترامب وغير ترامب، عندها ستجد كل الدول التي لديها مشاكل معها أبوابها مفتوحة لها وفي مقدمتها إيران، خاصة إذا عرفنا أن ترامب لن يصدر منه سوى الشر والضرر المادي والمعنوي للسعودية، هذا إذا استطاع البقاء في السلطة وأكمل دورته الرئاسية وفشل منافسوه في إزاحته عنها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/26