لآن إسرائيل من معسكر الخاسرين وروسيا من معسكر المنتصرين فأن نتانياهو لم يجد لدى “القيصر” ما يسره
محمد النوباني
المتابع للشأن الإسرائيلي يلاحظ بدون عناء أن الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد أمام مؤتمر وزارة الخارجية و المغتربين السورية بالتزامن مع إقامة معرض دمشق الدولي لأول مرة منذ ست سنوات قد أصاب الدوائر الحاكمة في إسرائيل بدوار شديد و حالة من فقدان التوازن لم يسبق لها مثيل منذ استزراعها في فلسطين عام 1948.
فهذه الدوائر باتت تستشعر بعد أن ذهبت السكرة و جاءت الفكرة و انقلب السحر على الساحر قي سوريا بأن الانتصارات الهائلة التي حققها و يحققها الجيش السوري في حربه ضد العصابات التكفيرية على امتداد الجغرافيا السورية و الانهيار المتسارع لتلك العصابات يؤشران إلى اقتراب لحظه إعلان الانتصار النهائي لأعداء إسرائيل الجذرين مما يهدد ليس أمن إسرائيل فحسب و إنما مستقبل وجودها الاحتلالي برمته على الأرض العربية في فلسطين و الجولان أيضا.
إن إسرائيل مثلها مثل الولايات المتحدة الأمريكية و بعض دول الخليج التي انخرطت في الحرب الكونية على سوريا منذ اليوم الأول بالإضافة إلى تركيا اردوغان و قوى الإسلام السياسي المتصهينة كانوا يعتقدون بأن أيام الأسد في السلطة ستكون معدودة مما سيتيح لهم تحقيق أهدافهم المعروفة بالقضاء على معسكر المقاومة و الممانعة في المنطقة و إسقاط الدولة السورية و تدمير جيشها العقائدي الذي شارك في كل معارك الأمة دفاعا عن سوريا و من أجل فلسطين و شعبها.
و لكن صمود الجيش العربي السوري و حلفاؤه في حزب الله و قوى المقاومة العراقية و بعض قوى المقاومة الفلسطينية و إيران بدعم روسي قد افشل أهداف تلك الحرب و رد كيد المتآمرين إلى نحورهم و اسقط كل مخططاتهم و وضع مشروعهم على طريق الانهيار المحتم, و الأهم من كل ذلك انه ادخل كل القوى التي دعمت العصابات التكفيرية في أزمات حادة تهدد مستقبل وجودها نفسه.
فاندلعت الأزمة بين قطر و دول التحالف الرباعي, السعودية و الإمارات و البحرين و مصر و فقدت أمريكا مقدرتها على التأثير في الأزمة السورية بعد انفلتت زمام المبادرة بشل شبه كامل لصالح روسيا حليفة سوريا, الأمر الذي دفع بأخر سفير أمريكي لدى دمشق روبرت فورد للطلب من إدارة ترامب التسليم بالأمر الواقع و الاعتراف بان اللعبة التي بدأها الأمريكيون قد انتهت, و باتت إسرائيل التي دعمت العصابات التكفيرية لوجستيا في جنوب سوريا , و أحيانا من خلال الاشتراك المباشر في العمليات العسكرية دعما لها في المعارك ضد الجيش السوري تعيش هي الأخرى في أزمة حقيقية و تشعر بخطر وجودي عليها جراء تبدل ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة لغير مصلحتها.و انسحب ذات الشيء على الأتراك الذين سلموا هم أيضا مؤخرا بوحدة سوريا الجيوسياسية كما نقل عنهم رئيس الأركان الإيراني, و كذلك على الكرد في سوريا و العراق الذين بدأت أمريكا بالتخلي عنهم.
و من هنا فقد أرسلت حكومة نتانياهو رئيس الموساد إلى واشنطن ظنا منها بأن إدارة ترامب قد تساعدها في الخروج من المأزق الاستراتيجي التي وقعت به نتيجة لوجود قوات حزب الله و إيران و بعض فصائل الحشد الشعبي العراقي على مرمى حجر من الحدود الشمالية, و لكن الجواب كما ذكرت مصادر دبلوماسية مطلعة لا حلول لدينا, اذهبوا إلى روسيا فقد تساعدكم في ذلك.
و على خلفية هذا الجواب الصادم فقد سافر بنيامين نتانياهو إلى سوتشي و التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن شارحا له الأخطار التي تواجه إسرائيل جراء وجود إيران و حزب الله على بعد عدة كيلو مترات من هضبة الجولان السورية المحتلة, و لكن من الواضح أن بوتن لم يشفي غليله بدليل انه لم يعقد معه حتى مؤتمر صحفي مشترك, مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي و جنرالته إلى التلويح بالحرب للخروج من المأزق الاستراتيجي الذي تعيشه جراء الأوضاع المستجدة في سوريا.
أن حكام إسرائيل يدركون بأن صيغة عالم القطب الكوني الأمريكي الواحد, التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1992, قد انتهت و ولت إلى غير رجعة , كما صرح بذلك وزير الخارجية الروسي لافروف في معرض تعليقه على العقوبات الأمريكية الأخيرة التي اقرها الكونجرس و وافق عليها ترامب مؤخرا حيث أصبحت روسيا الجديدة هي قطب الرحى الثاني إلى جانب أمريكا, كما يدركون بان تعملق قوة إيران و حزب الله و بقية الحلفاء و وجودهم العسكري الضخم على امتداد الجغرافيا السورية , قد قلب و غير كل موازين القوى في الشرق الأوسط لغير مصلحة إسرائيل.
ولكن أولئك الحكام الذين عاشت دولتهم عقودا طويلة و هي بمنأى عن أي خطر ” عسكري عربي و إسلامي حقيقي يهدد مستقبل وجودها على هذه الأرض لا يريدون أن يقروا بأن الدنيا و المنطقة قد تغيرت و لذلك فأنهم يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبثا.
فالخيار العسكري التقليدي بالنسبة لإسرائيل هو مثل خيارها النووي بات أشبه بخيار شمشون” علي و على أعدائي يا رب” خيار انتحاري, فهي لم تستطع قهر ” حماس″ في غزه في العام 2014 في حرب استمرت لأكثر من خمسين يوما, وخرجت من هناك مهزومة مذعورة, فكيف ستنتصر في حرب ضد الجيش السوري و حزب الله وإيران في حرب مفتوحة و لا خطوط حمراء فيها؟!
و لعل ما يقلق إسرائيل أيضا و يسبب لها حالة من الإرباك و الذعر الشديدين أن الرئيس بشار الأسد الذي تفننت إسرائيل في إيذائه و إيذاء جيشه طيلة سنوات الحرب الأهلية في سوريا لن ينسى لها ما فعلته و لن يغفر لها بدليل ما قاله في خطابه من أن القضية الفلسطينية سوف تبقى في صلب اهتمام سوريا, و بأن إسرائيل ستبقى هي العدو, و لذلك فان انتصار سوريا و استقرار الأوضاع فيها بالتغلب على الأعداء الداخليين سيؤديان به للتفرغ لمواجهة إسرائيل سلما أن وافقت على الانسحاب من الجولان و بقية الأراضي العربية المحتلة و حربا أن واصلت سياستها المتغطرسة و أصرت على استمرار تمردها على قرارات الشرعية الدولية التي تنص صراحة على أن وجودها الاحتلالي غير شرعي و لا بد من وضع حد له.
لذلك فأن عامل الفوقت يعمل لغير مصلحة إسرائيل , و هذا ما يقلق حكامها و يضيق من هامش مقدرتهم و خياراتهم, و يضع مستقبلهم الاحتلالي برمته تحت علامة استفهام كبيرة, لن تنفع معه كل محاولات الإنقاذ من ترامب و لا صفقات قرنه الدونكيشوتية.
بقي القول و كخلاصه أن روسيا التي تعملقت عسكريا ونهضت اقتصاديا في عهد الرئيس فلاديمير بوتن بعد أن أرجعها الرئيس بوريس يلتسن إلى مستويات عالم ثالثية إثر انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عادت لتشكل القطب الثاني المنافس بشدة للولايات المتحدة الأمريكية عبر البوابة السورية وباتت منظومة المصالح التي تربطها بالدولة السورية وإيران و حزب الله أقوى بكثير من تلك التي تربطها بإسرائيل حليفة أمريكا و شريكتها الإستراتيجية, و لذلك فأنها لن تتخلى عن حلفائها من أجل سواد عيون نتنياهو.
– انتهى –
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/27