إلى أين تتجه منظومة التحالفات في العالم؟ هل زيارة رياض حجاب إلى أميركا للعلاج من أمراض سياسية؟
خالد فارس
لم يَقْبَلْ الغرب مُنْذُ مطلع القرن العشرين, أية قوة عربية تحمل هوية تحررية (استقلال وفك التبعية), حتى العَلمانية التحررية, قام الغرب بالقضاء عليها, وتحطيمها بالكامل. بل على العكس, استبدل الغرب القوى العَلمانية بقوى دينية (أنظمة وأحزاب).
قد يقول البعض أن هذه مفارقة, ولكنها ليست كذلك, فالمنطق الذي تبناه الغرب يقوم على الهيمنة والسيطرة التامة, وليس الديمقراطية التي أصبحت مجرد أداة لخدمة مصالح-منافع العلاقات الوطنية الداخلية.
أصدرت مجلة Foreign Affairs عددها تاريخ 1/10/2017, الذي يحمل عنوان ترامب والحلفاء, نظرة من الخارج). خصصت المجلة عددها في مقالات أكاديمية مُحَكّمَة, تعالج فيها مسائل التحالفات الأمريكية مع أوروبا والمكسيك. وتشير المجلة أن هناك تغييراً حقيقياً في منظومة التحالفات, وأن دونالد ترامب يُرْسى قواعد نظام تحالفات عالمي جديد.
في افتتاحية المجلة, يقول Stefan Theil, أنه بعد الحرب العالمية الثانية, أتفق ساسة الغرب على “يكفى ما جرى-Enough is Enough”. نتج عن ذلك “النظام الليبرالى مابعد الحرب”. الذي جسد مستويات عميقة من التعاون, ورفض الانعزالية والحمائية, وانتقال الساسة الغربيين مع أميركا إلى لعب دور المدراء المتعاونين على إدارة مشروع. استدعت المجلة خبراء لكتابة تحليل عن التحيات التي تصاحب عهد ترامب بشا، الحلفاء: فرنسا, بريطانيا, اليابان, استراليا, كندا, والمكسيك.
دونالد ترامب لايرى في السياسة الخارجية الأمريكية نموذج المدير المتعاون مع الغرب في إدارة ذات المشروع. بل يسعى إلى بناء إدارة جديدة للعالم, نظام هو يقوده ويديره, فلا يريد أن يفصل بين القيادة والإدارة. ليس مستبعداً أن يقوم بتفكيك نظام تحالفات ما بعد الحرب العالمية الثانية, نرى فيها أحد أوجه الصدام “الطبقي” بين شرائح الطبقة الحاكمة في أميركا.
يذكر Natalie Nougayrede في مقالته, على أثر الحرب الهمجية الأمريكية على العراق, في عام 2003, أشار استطلاع رأى أن 33% من الفرنسيين تمنى خسارة أميركا لصالح صدام حسين. رفع الفرنسيون شعاراً “العراق أولاً ثم فرنسا”, رَدَّ الأميركان وقتها بِنَعْت الفرنسيين “قردة آكلى الجبن”.
علاقة فرنسا وأميركا استعادت زخمها وتجاوزت عُقْدَةْ العراق في عهد شيراك, عندما تلقى شيراك دعماً كافياً من جورج بوش من أجل جهد جماعي لإخراج سوريا من لبنان في عام 2005.
يسعى ماكرون إلى إعادة إطلاق المشروع الأوروبي من جديد, وإعطاءه زخماً استراتيجياً-أوروبا أولاً, دونالد ترامب يريد أميركا أولاً, ولايريد مشروع أوروبي قوي.
في سبيل ذلك, أطلق ماكرون صندوق مالي (صندوق الدفاع الأوروبي) الذي سيعمل على تعزيز المشروع الأوروبي عبر القارة, ويدعم عمليات فجائية أو آنية عسكرية تتطلبها مصلحة أوروبا في التدخل, وهذا ماجاء به كاتب المقال. في المقابل يقوم ترامب بجمع أموال النفط العربي لدعم مشروعه, وإعادة إطلاق مشاريع تكنولوجية عسكرية ضخمة لكي تستعيد أميركا قيادتها العسكرية بلا منازع.
من الواضح أن صناديق رأس المال العالمية يتم إعادة هيكلتها, لتلعب دور رأس حربة في صراعات إنماء رؤوس الأموال. لأن الطرف الذي سيحصد رؤوس أموال أكبر, هو الذي سيضع قواعد النظام العالمي الليبرالي-العسكري الجديد.
إذا كان الفرنسيون حلفاء أميركا, ولهم نفس المنظومة الفكرية والاقتصادية, والهوية الثقافية الليبرالية والثقافية “الدينية”, لم يكن عندهم مانع من الدخول في مواجهة مع أميركا, ويقفون إلى جانب صدام حسين عندما يتواجه مع أميركا, ما الذي يجعل قادة عرب يؤمنون أشد الإيمان بأن تكون نقطة الانطلاق أميركا أولاً, بدلاً من أن يكون التحرر والاستقلال أولاً, ثم علاقات مع الجميع.
في هذا الصدد يستحضرني زيارة رياض حجاب إلى أميركا. ليس في هذه الزيارة سوى مشهد عربي يتكرر عبر التاريخ, وهو سعى قيادات عربية غايتها القصوى أن تَرْضى بهم أميركا.
الرحلة التي يقوم بها رياض حجاب, قد تكون للعلاج, ولكنها من المرجح أن تكون علاج من أمراض سياسية أصابت الرجل من مشروعه وتحالفاته المهزومة. هل رياض حجاب ومن يدور في فلكه بحاجة للتذكير أن أميركا تشترى أوطان وذمم ومجتمعات, ولا توافق على التحرر والاستقلال. هل يعلم أن ترامب يعتقد أن كيسنجر لديه رؤية ثاقبة عن الشرق الأوسط, ومن يقرأ لكيسنجر سوف لن يجد إلا تقسيمٌ وتقسيمٌ وتقسيمٌ على وزن أنت الآن “حرٌ وحرٌ وحرُ”.
يقول ترامب أن الذي أَوْجَدَ داعش هي أميركا, ثم نجد أن كل الزعامات العربية تذهب للعلاج السياسي مع من أَوْجَدَ داعش, ثم يقولون أنهم يريدون التخلص من داعش, ومعروف للقاصي والداني أن داعش تعيش على رؤوس أموال هائلة لايمكن أن تحصل عليها إلا برعاية دولية وعالمية من شبكة رؤوس أموال عربية-عالمية.
مازلنا نعيش في زمن شخصية عربية “متصنمة” أو صنمية, تريد أن تبقى صنما في تبعيتها والتصاقها بالغرب.
كامب ديفيد, 17 أيار, أوسلو, وادي عربة, القواعد الأمريكية في الخليج, البرجوازية العربية, مجلس التعاون الخليجي, مجلس التعاون العربي, جامعة الدول العربية, منظمة العالم الاسلامي, هيئة علماء المسلمين, المال العربي في خدمة الاقتصاد الرأسمالي الغربي, وغيرها, جلها انطلقت, ليس من استقلال العرب وتحررهم, بل من توزيع تبعيتهم بين “أميركا أولاً و أوروبا أولاً ” وهناك من يطالب بالمحافظة على هذا النسق وإعطاء “روسيا أولاً”, نسبة من التبعية, التي لم يتبقى منها شيء.
ماذا استفاد الإنسان العربي من كل هذه المشاريع التبعية؟ سوى الفقر والبؤس والتفرقة والحروب الأهلية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/12