أربع تهم ضد وزير العمل
طراد بن سعيد العمري
ثمانية أشهر مضت على تعيين وزير العمل ولم نسمع عن رؤية الوزير الجديد لكثير من القضايا الهامة والتي تشكل مهمة وزارة العمل، وفي ظل غياب رؤية الوزير الجديد للتحديات المزمنة التي تحول بعضها إلى أزمة، نود صياغتها في أربعة تهم رئيسية نضعها على طاولة وزير العمل الجديد، لعل وعسى أن يخرج علينا الوزير للمنافحة والمدافعة عن نفسه ووزارته أمام مجتمع واعٍ ومثقف ويحتاج إلى أن يستمع إلى رؤية ومنهج الوزير في التعامل مع تلك القضايا/ التهم. خصوصاً ونحن على موعد مع “برنامج التحول الوطني” الذي يشكل منعطف ذو حدين: (١) تملص الوزير والوزارة من المسئولية المباشرة وإبعاد إصبع الاتهام إلى “البرنامج” الوليد؛ (٢) أخذ زمام المبادرة والقيادة في تنفيذ المهمة الرئيسية لإنشاء وزارة العمل وأن تقوم الوزارة بدورها المأمول منها.
التهمة الأولى: عجز الوزير والوزارة في تقديم حلول بخصوص السعودة وتوطين الوظائف. فالسعودة لا زالت أشبه بمصطلح “الديموقراطية”، الكل يتحدث به وعنه تجملاً ولكن لا ينفذه. وفي أفضل الإحصائيات الرسمية نجد أن نسبة السعودة في القطاع الخاص لم تتجاوز الـ (١٥٪) بمعنى أن (٨٥٪) من الفرص الوظيفية التي يخلقها الاقتصاد السعودي وتجتهد الدولة في دعمه، تذهب للأجانب. أهملت وزارة العمل “إستراتيجية التوظيف الوطنية” التي عملت عليها الوزارة سنوات طوال استغرقت خمس سنوات من ديوان الوزارة مروراً بمجلس الشورى والمجلس الاقتصادي الأعلى وانتهاء بمجلس الوزراء الذي أقرها قبل أكثر من (٦) سنوات، لكن وزير العمل السابق استعاض عنها ببرنامج “نطاقات” الذي أفسد السعودة، كما أفسد التجار وأصحاب المنشئات. الفشل في السعودة يقودنا بالضرورة إلى “البطالة” التي قال عنها أحد كبار التجار أنها “قنبلة موقوتة”، وقال عنها تاجر آخر أنها “جدة الكبائر”.
التهمة الثانية: عجز وزير العمل ووزارته في موضوع الاستقدام تنظيماً وترشيداً وإدارة. أولاً، من الناحية التنظيمية، فشلت وزارة العمل في إدارة مكاتب وشركات الاستقدام والسيطرة على الفوضى والهيمنة والاحتكار والتلاعب الذي تمارسه تلك المكاتب والشركات. أما بخصوص الترشيد، فقد ساهم منهج وزارة العمل لتشجيع البرنامج الفاشل “نطاقات” في جعل الاستقدام هو الجزرة والعصا التي تلوح بها الوزارة أمام أصحاب المنشئات مما ساهم في كثر من السعودة الوهمية والتلاعب والتحايل من كثير من “الدكاكنجية” الذين يقدرون بعشرات الآلاف من أصحاب المنشئات الصغيرة جداً والمنشئات الصغيرة و المتوسطة وحتى الكبيرة. ثانياً، عجز الوزير والوزارة في فصل ملف استقدام العمالة المنزلية عن العمالة التجارية في الأنظمة والقوانين والمعايير والإجراءات والشروط والمؤهلات. ملف استقدام العمالة المنزلية هو النقطة السوداء الأكبر في صفحة وزارة العمل، لأن المتضرر هم الأهالي والمواطنين والذين يعانون يومياً من سوء الاستغلال والابتزاز من مكاتب وشركات الاستقدام. ثالثاً، إصرار وزير العمل ووزارته على استقدام العمالة المنزلية ضمن اتفاقيات هزيلة مع دول لا ترتقي الى المستوى المطلوب مثل أوغندا وغيرها من دول الفقر والجوع والمرض والعنف مما ينتفي معه أي أمل في جودة العمل وحسن الأداء.
التهمة الثالثة: سوء إدارة صندوق تنمية الموارد البشرية الذي يعتبر وزير العمل رئيساً لمجلس إدارته. هذا الصندوق الذي تحوّل مع الزمن إلى ذراع ثري تحت تصرف وزير العمل ليصبح مصدراً للعبث الإداري والمالي والفني والتقني والقانوني. وبالرغم من وجود صناديق مثل: صندوق التنمية العقاري، وصندوق التنمية الصناعي، وصندوق التنمية الزراعي، إلا أن صندوق تنمية الموارد البشرية يمارس منهجاً مغايراً وأدخله وزير العمل السابق واللاحق في متاهات وتفاصيل واستثمارات بحيث فقد البوصلة وبات عبئاً على وزارة العمل والحكومة والدولة والمجتمع. فشل صندوق الموارد البشرية في مهمته الرئيسية لتجسير الهوة بين مخرجات التعليم ومدخلات أو متطلبات سوق العمل، والنتيجة لذلك الفشل وفقدان الرؤية والإدارة تجمعت موارد مالية هائلة في يد من لا يحسّن إدارتها مما أدى إلى العبث. وتقارير مجلس الشورى الأخيرة وما سبقها خير دليل على ذلك العبث.
التهمة الرابعة: فشل وزير العمل ووزارته في تحسين بيئة العمل بدءاً بالنواحي القانونية وانتهاء بساعات وفترات وأيام العمل وتقليل الفجوة بين القطاعين الحكومي والخاص. أستسلم وزير العمل وكبار المسئولين في الوزارة لطغيان وهيمنة التجار، فبات وزير العمل يقوم بمهمة وزير التجارة والصناعة، ووزير المالية، ووزير الاقتصاد. ولذا نجد أن كبراء القطاع الخاص يتحلقون ويجتمعون بوزير العمل أكثر من اجتماعهم بوزير التجارة وذلك بغية التأثير عليه وتعديل القوانين والأنظمة لصالحهم على مبدأ “مُس قلبي ولا تمس رغيفي”. إجازة اليومين (عطلة نهاية الأسبوع) تبخرت بفعل حرارة هوامير التجارة، ولحق بها تحديد ساعات العمل. الأنكأ من ذلك، أن وزارة العمل إعتمدت بناء على رغبة التجار المادة (٧٧) والتي تسمح لصاحب العمل أن يفصل الموظف من دون سبب مشروع. هذه المادة وحدها قتلت كل طموح في عمل آمن مستقر ومستدام. يضاف إلى ذلك، قرار وزارة العمل في توقيع غرامات على المرأة العاملة والمنشأة في حال عدم ارتداءها الحجاب أو التزامها بالحشمة وكأن هناك “كود” للملابس والمظهر متفق عليه في الثقافة السعودية.
أخيراً، نجزم بأن وزير العمل الجديد متفهم ومدرك للقضايا (التهم) آنفة الذكر، وأن لديه من الأعذار والتبريرات الشيء الكثير، ولكننا نذكره أنه سيواجه بهذه التهم عاجلاً أو آجلاً، فمن المناسب أن يستعد لذلك اليوم، لكن الأفضل لمعالي الوزير أن يطرح أمام الرأي العام رؤيته بشكل تفصيلي قابل للقياس والمحاسبة فالتحول الوطني الحقيقي يبدأ وينتهي عند كفاءة وقدرة وزير العمل ووزارته في التعامل مع القضايا الأربع سالفة الذكر، وما عداها من أشكال وألوان في “برنامج التحول الوطني” ليست إلا ديكور. ختاماً، “الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها”. حفظ الله الوطن
صحيفة أنحاء
أضيف بتاريخ :2015/12/28