إسقاط ثقافة التدهور
أ.د. محمد عبد المحسن المقاطع
دراسة تاريخ الشعوب المتعاقبة تكشف حقيقة إنسانية راسخة، هي سر التقدم والحضارة والمدنية التي تمتعت بها دول وأمم في السابق، وتتمتع بها أمم ودول في الوقت الراهن، المسألة ليست قدرا بحتا، رغم أهمية الأقدار في تيسير النقلة والتغيير، والمسألة ليست صدفة حتى ننتظر أن نلاقي تلك اللحظة. والمسألة ليست حظا حتى نعيش ترقبا متى يأتي الحظ، والمسألة ليست تعليما ولا مالا ولا حدثا فجائيا كي نعلّق آمالنا على ما لا يصلح أساسا لذلك.
إنها مجموعة معطيات إذا ما توافرت للشعوب أو الأمم فإنها سائرة حتما بموكب التقدم وفِي معية التطور وفِي ركاب التحول الحضاري والمدني الكامل.
إنها ثقافة المعطيات والتعاطي الفعلي مع تلك المعطيات التي تترك أثرا سحريا في تغير أحوال الشعوب والأمم من أقصى دول الغرب إلى أدنى دول الشرق ممن شهدت تطورا ونهضة حضارية وتقدما مدنيا هائلا من خلال مسلك تغير أنماط التعامل الحياتي، تحقيقا لكل تلك المعطيات والتي تمثل بناء متكاملا لبعد ثقافي ونضج فكري ويقين بالصلاح، وهي تتمثل بالمعطيات ذاتها التي نجح رسولنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بتحقيقها في دولة المدينة المدنية التي أقامها، إن إعادة أمتنا ودولنا لمكانتها تستلزم الأخذ بهذه المعطيات والتي تتمثل بما يلي:
– تعزيز النزعة الإنسانية في نظم الدولة وثقافة شعوبها بعيدا عن التعالي واستصغار الآخرين ومنح الإنسان قيمته البشرية الكاملة من دون انتقاص أو امتهان.
– إشاعة التعايش الاجتماعي على أساس أن الناس متكافئون في حقوقهم ومكانتهم وفرصهم وموقعهم من الدولة ومؤسساتها، وهي الخلطة النبوية المميزة التي أذاب بها الرسول صلى الله عليه وسلم التباين بين مكونات شعب المدينة، وأذابه من خلال ميثاقها في بوتقة واحدة وهي الدولة.
– إنهاء ثقافة تمجيد بعض المسؤولين والرفع من مكانتهم لدرجة التنزيه من الأخطاء والنواقص، حتى لا يكون لدينا أشخاص في مواضع بعيدة عن المساءلة أو التعقيب، فالمسؤولية بدرجاتها وأنواعها عاصم من الانزلاق لمصيدة تمجيد الأشخاص وتعليق أخطائهم على الآخرين ومن ثم حلول الأشخاص محل دولة المؤسسات.
– بناء المرجعية التوافقية وهي ذات المرجعية التي شيدها النبي في المدينة من دون إجبار أو تفرد أو فرض، وهي أيضاً النموذج الذي كرّسه الدستور الكويتي، ولكنه وهن مع الممارسة الخاطئة.
– إسقاط القيود عن حرية الرأي وتحرر التفكير، فلا حكم مسبقا ولا حجر على الآراء مهما كان تباينها، فقد علمنا النبي أن اختلاف أمتي رحمة، وهو اختلاف التنوع والتباين البناء والمثري، من دون أن يطلق العنان لمن يهدم الدولة أو ركائزها، والفيصل في النهاية لمن يسيء ويتجاوز للقضاء من دون غيره.
– تأصيل المواطنة والانتماء القائمين على أساس الولاء للوطن ولنظامه ومؤسساته، وهو يعني حتما اقتلاع أي توجهات قبلية أو طائفية أو فئوية والتي تفتت الدولة، ومن ثم ترشيد السياسات التشريعية والتنفيذية لتحقيق ذلك وإلغاء أي تشريعات أو ممارسات تفتت الدولة مهما صغرت أو كبرت.
– إلغاء الفوارق الاجتماعية أو الشللية أو الاقتصادية أو الثقافية، حتى يشيع شعور المساواة والتماثل بين الناس، وتكون المفاضلة أو الخيرية للأكفأ والأكثر إنتاجية وجدية، وهو ما يحتم رفع مكانة العمل وعدم تحقير أي عمل مهما بدا أنه دوني، وتكريس سياسة عملية وفعالة للثواب والعقاب انطلاقاً من ذلك كله. وهو ما يردف بسياسات تؤدي للتكامل بين أبناء أمة أو وطن واحد وييسر كل سبل تبادل المنافع بشكل مقصود ومنتج.
– إنهاء منهجية سياسة القطيع التي تنظر إلى الناس وكأنهم بلا خيار ولا قدرة ولا إرادة، وأنهم ينبغي أن يساسوا كما يساس القطيع وتكون وجهته كما تحدد له، فزمن الوصايا وتسيير الناس بفكر الإمعات والقطعان يجب أن ندرك أنها مرحلة زمنية صارت جزءا من الماضي ولم يعد لها لا مكان ولا وجود في ظل احترام الإرادة الفردية والجماعية للشعوب.
– تلك الأسس والركائز إن أحسن فهمها والحرص عليها والانطلاق منها وتطبيقها فقط هي طوق النجاة الحقيقة لإخراج أي بلد من دوامة التخلف وثقافة التدهور، فليكن هذا هو خيارنا وهو مسارنا، لنعيد لأمتنا ودولنا مكانتها الرائدة التي أضعناها.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2017/09/13