الاستفتاء الكردي والمصيدة الصهيونية!
صابر عارف
الاستفتاء الكردي على الاستقلال عن العراق تمهيد لإقامة دولة كردية ، فيما إذا سارت الأمور كما يتمنى ويحلم الشعب الكردي وقيادته البرزانية أو للتفاوض لاحقا من موقع القوة لابتزاز القيادة العراقية بانتزاع المزيد من مظاهر السيادة الكردية وصولا لحكم كنفدرالي في أسوأ الأحوال إن سارت الأمور بالاتجاه المعاكس للرغبات الكردية بعد الاستفتاء، لا يعتبر هذا الاستفتاء والاستقلال الكردي ،، ثورة،، وتمردا ثانيا وجديدا بعد،، ثورة ،، داعش الإرهابية الإسلامية على اتفاقيات سايكس بيكو واتفاقيات نهاية الحرب العالمية الثانية فحسب ، بل سيضع المنطقة كلها في حالة حرب مفتوحة على كل الاحتمالات وفي كل الاتجاهات ، واغلب الظن انه لن يقوى الشعب الكردي كما اعتقد على مواجهتها بالرغم من الاحتضان الإسرائيلي المعلن للخطوة والاحتضان الأمريكي المضمر ، كما لم تقوى داعش على الصمود في وجه وطنيات وقوميات سايكس بيكو .التي تشكلت منذ قرن من الزمن وما زالت ممسكة بقوة بتقسيماته وكياناته، وفي المقدمة منها اقتطاع وسرقة فلسطين وتشريد شعبها لإقامة الدولة الإسرائيلية العبرية على حساب الدولة الفلسطينية ، وتقسيم الوطن والأرض الكردية على أربع دول هي العراق وإيران وتركيا وسوريا وحرمان الشعب الكردي من إقامة دولته الكردية على أراضيه .
كثيرة هي الشعوب التي عانت من نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية ومن اتفاقيات الصلح التي أعقبتهما بما فيها اتفاقية يالطا التي قسمت العالم بين المنتصرين الروس والأمريكان دون إغفال الحصة الصهيونية الأساسية بإقامة الدولة الإسرائيلية نهاية الحرب الثانية ، ولكن لم يعان شعب في العالم كما عانى الشعبان الفلسطيني والكردي المتحالفة قيادته مع ظالم ومغتصب وطن الشعب الفلسطيني وهذه مهزلة من مهازل هذا الزمن البشع .الذي نناضل ونتطلع لتغييره نحن الفلسطينيين والأكراد بشكل خاص .
يبدو لي يقينا بان زوال الكيان الصهيوني مرتبط أشد الارتباط بزوال النظام العالمي الذي أنشأه . والذي تتربع الولايات المتحدة الأمريكية على رأسه بعد أن ألقت القبض عليه اثر انتصارها في الحرب العالمية الثانية في أعقاب قصفها وتدميرها بالسلاح النووي لكل من هيروشيما ونجازاكي في اليابان .
لذا تجدني لست مستاء اليوم كثيرا من الاستقلال الكردي وإقامة دولة كردية ذات سيادة كاملة ، ليس لأنني مع حق الشعوب في تقرير مصيرها فحسب وإنما لأنني انتظر اللحظة لانهيار أول حجر ومهما كان صغيرا جدا في بنيان هذا النظام العالمي الذي سحق شعبنا ودمر بيتنا ووطننا فلسطين رغم أن ذلك قد يمزق العراق وقد يفتح الأبواب لمزيد من التقسيم والتشرذم ، وان كنت لست مستاء ألا أنني قلق أكثر من الأرباح الصافية التي ستجنيها إسرائيل. ، بما في ذلك أنها ستصبح على الحدود الإيرانية مباشرة، بالإضافة لما سيكون لها من نفوذ على المنطقة الغنية بالنفط والعديد من الثروات الاقتصادية الأخرى، علاوة على ما ستحققه من انجازات إستراتيجية في مشروعها التاريخي بإقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، وهذا الكلام لم يعد كلاما فارغا بلا مضمون ، أو مجرد وهم يزرع هنا وهناك أو أضغاث أحلام بعدما حل ويحل من تفتت وانهيار في محيطها العربي وبعد إقامة العلاقات السرية والعلنية مع زعمائها ومشايخها وفي مقدمتهم القائد الهمام ملك البحرين طفل آل سعود المدلل ، ،، وخذ فالهم من أطفالهم ،، . وليس أدل على الانتصار والزهو الإسرائيلي باستقلال كردستان من الاحتفالات الشعبية فيها يوم الاستفتاء وما قاله رئيس وزرائها نتنياهو من أن كردستان تمثل لإسرائيل ذخرا استراتيجيا . واعتقد بأنه يقصد هنا الاقتراب من إيران على وجه التحديد !!!!!! .
أعرف جيدا أن قيام دولة كردية أمر يتنافى وحقائق النظام العالمي القائم ، إلا أنه لا ينبىء ولو من بعيد ببداية نهاية هذا النظام الظالم ، وعليه فأنه لا يمكن التبشير ببداية نظام وعالم جديد لأننا نعلم أن الأيدي الأمريكية ليست بعيدة عما يجري على الأرض ، خاصة بعد أن كشف النقاب عن الاجتماع الأمريكي الصهيوني الذي عقد قبل الاستفتاء بيومين فقط في منزل رئيس الهيئة المشرفة على الاستفتاء في منطقة كردستان، هوشيار زيباري بحضور السفير الأمريكي السابق في العراق “زلماي خليل زادة” , وبيرنارد كوشنير وزير الخارجية الفرنسية السابق المتصهين ومجموعتهم الإستخبارية المثيرة للريبة والشك .
هناك علامات استفهام كبيرة على إصرار القيادة والشعب الكردي على المضي بالاستفتاء حتى نهاياته وعلى ما يراهنون ، رغم الرفض الإقليمي والدولي الواسع له وخاصة من قبل المؤسسات ذات الصلة كالجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي ، والأهم الرفض الحازم والمطلق من قبل دول الجوار الكردستاني كافة ، التي أعلنت جميعها عن إجراءات ستتصاعد لحصار شديد محكم وخانق بري وجوي ، وحيث لا يوجد أي ممر مائي للدولة الوليدة كما هو الحال مع إسرائيل مثلا ، علاوة على رفض المؤسسات المحلية الوطنية الدستورية العراقية كافة التي أعلنت وبمواقف وبيانات رسمية الرفض المطلق للانفصال . فليس معلوما عن القيادة العراقية حبها للمغامرة والمقامرة، ولكنها ليست محصنة من التورط في خدع وأوهام ووعود إسرائيلية أمريكية ما قد يبدو لها أن هناك ما وراء الأكمة ما وراءها ، الأمر الذي دفع بالبرزاني للقول بان العالم سيتعامل مع الأمر الواقع ومع الحقائق على الأرض .
في مطلق الأحوال فأن الخوف كل الخوف أن يكون مسعود لبرزاني الرابح الثاني شخصيا بعد إسرائيل حيث فرض نفسه كزعيم شبه وحيد للنطق باسم الأكراد وتمثيلهم في المحافل كافة ، قد سار وراء أوهام وأحلام وخدع إسرائيلية أمريكية وأن يكون قد جر إليها الشعب الكردي الذي تربطه بالشعوب العربية أواصر قوية تعمقت وازدادت وخاصة خلال العقدين. الماضيين بما تحقق للأكراد من امتيازات سياسية واقتصادية واستقرار اجتماعي ، لا اعتقد على الإطلاق بأنه سيحقق بخطوته هذه أفضل مما تحقق حتى الآن ، وأرجح إننا سنكون أمام الأسوأ بالنسبة للشعب الكردي كافة
أرجو أن لا يضعنا ما يحصل اليوم في كردستان العراق أمام تحديات كبرى جديدة ستستنزف دماء وثروات شعوب المنطقة !!!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/27