آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد الجيوسي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي فلسطيني

حين “تتخلّى” السعوديّة عن “خُصوصيّتها” الدينيّة وتَرتدي العباءة الحداثيّة!


خالد الجيوسي

ليست عابرةً تلك ردود الفِعل “الافتراضية” التي تُعبّر عن رأي الشارع السعودي الحقيقي، بكل ما يَجري هذه الأيام في بلاده، والحديث هُنا عمّا جرى ليلة احتفالات العيد الوطني 87، والقرار الذي وُصف بالتاريخي، وهو السماح بقيادة المرأة للسيارة في مملكة الشّريعة الصّارمة.

من يُتابع منبر السعوديين الأوحد، موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، وبالرّغم من الإرادة “القمعيّة” للانتقال بالبلاد إلى عصر الانفتاح والترفيه، يجد تلك الوسوم “الهاشتاق” الرافضة لما جرى في ليلة اليوم الوطني من اختلاط، وتراقص، كما يَرصد المُتابع هذا الوسم الذي أعلن بكل صراحة رفضه لقرار قيادة المرأة، والذي أقرّه المليك ليلة أمس الثلاثاء، كما أن التيار الديني أعلنها صراحةً أنه لن يسمح بقيادة المرأة، بالبدء بالسيدات المُتواجدات داخل منزله، هذا عدا عن التهديدات الشبابيّة التي انتشرت، مُهدّدةً بالتحرش بكل النساء اللواتي سيجدهن خَلف المِقود.

بلا شك أن قرار السماح بقيادة المرأة، يأتي في ظِل حُزمة إصلاحات وَعد بها الأمير الشاب ولي العهد محمد بن سلمان حليفه الأمريكي، ولكن تأخير اعتماد قرار تنفيذ القيادة حتى شهر يونيو العام القادم، هو برأينا تهيئة نفسية للشعب، ليعتاد ذلك الأمر المُزلزل، ومن يَرصد مواقع التواصل الاجتماعي، يَعلم تماماً ماذا يعني أن تقود المرأة السيارة، ويأتيها مُعظم الشعب “المُتديّن” رافضاً للفكرة.

الزلازل لن تقف بالتأكيد عند قيادة المرأة، فمجلس الشورى السعودي يُناقش مُقترح “حل” مؤسسة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، ودمجها تحت إدارة وزارة الأوقاف، والتبريرات في ذلك السياق قُدّمت على طبق من فضّة، فالأصل في واجب تلك المؤسسة، هو الأمر بالمعروف فقط، لا النهي عن المُنكر، وهذا أمر يُمكن حصره بوزارة الأوقاف على ما يبدو.

لا نعلم، إن بقي هنالك تأثير فعلي وحقيقي للتيار الديني، فجميع الصلاحيات تم تقليصها، أغلب الرموز الدينية بتهمة التعاطف مع قطر خلف السجون، أو رفضاً لعصر الانفتاح كما فعل الشيخ عبدالعزيز الطريفي القابع خلف القُضبان، ومن بقي إما مُطبّلين، أو خائفين، وبالتالي لا وجود حقيقةً لإمكانيّة حُدوث صدام ديني مع المؤسسة الحاكمة، إلا إذا كان هناك هبّة شعبية “غارت” على هيبة دينها، وهو ما يُؤكّده الحاضرون على “تويتر” أيضاً.

ما هو لافت، لكن يُثير الاستغراب، أن عصر الانفتاح الذي تقوده القيادة الشابّة، يخلو من أي انفتاح إصلاحي سياسي، فأصحاب الرأي باتوا يحسبون حساب كل كلمة تخرج من أفواههم، ومن قرّر المُضي قُدماً بالانتقاد لمصحلة البلاد والعباد، وجد له غير الأراضي السعودية منبراً وملجأً، وتحوّل في الصحافة السعودية إلى مُعارض، له نوايا تآمرية، ويَهدف إلى إسقاط النظام.

الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تدّعي الديمقراطية، رحّبت بقرار قيادة المرأة، وبالتأكيد من تعليماتها أو مجهوداتها، تحت عنوان تقديم التنازلات للوصول إلى العرش، ولكنها أي أمريكا العُظمى، وبكل وقاحة، تتناسى كل القابعين بالسجون، من مُعارضين، وأصحاب الرأي، والمًطالبين بالإصلاح، وتُثني فقط على انفتاح يَضرب بالشريعة الإسلامية عرض الحائط، ويحوّل المملكة إلى “تابع″ لا يتميّز عن أقرانه حتى بخصوصيّة الصرامة الدينية، أو العقيدة الوهابية، أو حتى نظرية عدم التسامح مع الكُفّار، وإن كُنّا ضد هذه الأمور التي حَكمت البلاد النفطيّة لأكثر من 80 عاماً.

نحن هُنا لا نُدافع عن السعودية المُتشدّدة والمُتطرّفة بالطبع، بل بالعكس نأمل بسعودية مُتسامحة مُنفتحة، ولكنها مُنفتحة بإرادتها، وحق تقرير مصيرها، تضع هي أُسس مُستقبلها، وتَنفض عنها غُبار الوهابيّة، وتتسامح مع مُعارضيها، وما يهمنا بالأكثر هو مدى استقلاليّة قرار قيادتها، ووقوفها أو ارتدائها غير العباءة الأمريكية المُخادعة، والتي ربّما قرّرت أخذها إلى الهاوية، وهي لا تدري.

الأمير الشاب محمد بن سلمان، أمامه من التحديات الداخلية والخارجية الكثير، ليس أولها حرب اليمن، وليس آخرها الأزمة مع قطر، وعليه نعتقد ربّما أنه اختار وهو الحاكم الفِعلي للبلاد بلا شك، أن تخرج تلك القرارات “التاريخية” داخليّاً على لسان والده العاهل السعودي الملك سلمان مثل قيادة المرأة للسيارة، وغيرها من القرارات التي ستتبعها، حتى يُجنّب نفسه ربّما نقمة الشعب الذي يرى فيه ذاك الانفتاحي، صاحب الرؤية المُتأخّرة، وعليه ربّما يُمكن أن نفهم أن ترك مثل القرارات على رأس والده، يُفسّر عدم تتويجه حتى الآن ملكاً رسميّاً للعربية السعودية.

لا بُد لنا هُنا، وقبل الخِتام أن نُبارك للمرأة السعودية، تحقيقها هذا الإنجاز التاريخي، والشّكر بالطّبع لكل الناشطات السعوديات اللواتي كَسرن حاجز الخوف، وتجرأن على قيادة السيارة، بالرغم من كل ما يُمكن أن يطالهن من عُقوبات على يد السلطات الذكوريّة والقانونيّة، ونأمل أن يستطيع الرجال تحقيق مطالبهم العادلة بالإصلاح والتغيير، وعلّ وعسى تكون المرأة أنموذجاً يُحتذى به لهؤلاء الذين يعتبرون أنهن ناقصات عقلٍ ودين، للوصول للمُبتغى حتى ولو بعد حين.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/09/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد