مأساة الروهينغيا وموقف الدول الإسلامية
د. كاظم ناصر
الروهينغيا هم مجموعة قوميّة عرقيّة تقطن في ولاية أراكان غربي ميانمار ويمثّلون واحدة من أكبر الأقليّات والمجموعات الإنسانيّة التي لا وطن لها. إن عددهم يقدّر بما يزيد عن مليون إنسان يشكّلون ثلث سكّان الولاية. وبالرغم من أن معظمهم عاش في هذه الولاية لعدة أجيال، فإن الجرائم التي ترتكب ضدّهم دفعت مئات الآلاف منهم إلى الفرار من مدنهم وقراهم ، والعيش كلاجئين في مخيّمات في بنغلادش المجاورة وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع ميانمار.
يوصف الروهنغيون بأنهم من أكثر شعوب العالم نبذا واضطهادا .لقد جرّدوا من جنسيتّهم الميانماريّة منذ صدور قانون الجنسية لسنة 1982، وأصبحوا بناء على ذلك بلا وطن .لأن قوانين بلدهم تعتبرهم لاجئين هاجروا إليها بطرق غير مشروعة، وحرمتهم من حقوقهم المدنيّة ومن التعليم والعناية الصحية والفرص الإقتصادية المتوفّرة، وأرغمتهم على العيش في ظلّ فصل عنصري ورعب، ووضعت قيودا على حقّهم في الزواج وعدد الأطفال المسموح لهم بإنجابهم، ومنعتهم من امتلاك الأراضي والسفر إلا بإذن رسمي، وعرّضتهم لعدّة أنواع من الإبتزاز والضرائب ومصادرة الأراضي والإخلاء القسري .
لقد اندلعت الأحداث الأخيرة بتاريخ 25- 8- 2017 بعد أن قامت مجموعة مسلّحة تنتمي إلى جيش أراكان روهينغيا للإنقاذ بمهاجمة مراكز للشرطة وقاعدة عسكريّة في شمال الولاية وقتلت 12 عنصرا من رجال الأمن .لقد قوبل هذا الهجوم بعمليّات عسكرية واسعة قام بها الجيش أدّت إلى مقتل آلاف الروهنغيين، وإلى تعرّضهم للاغتصاب وأشكال أخرى من العنف، وحرق ألف قرية من قراهم، وهروب 421 ألف منهم من ولاية أراكان إلى دولة بنغلادش المجاورة خلال ثلاثة أسابيع وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة .
هذه الجرائم ترتكب ضدّ هذا الشعب الأعزل ولا أحد في العالم الإسلامي يحرّك ساكنا ! فأين هي الدول الإسلاميّة التي تدّعي بأن هدفها هو خدمة الإسلام والمحافظة على أرواح وممتلكات وأعراض المسلمين ؟ وأين هم المشايخ الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها بصراخهم وفتاويهم الداعمة للقتل والدمار في ديار العرب والمسلمين ؟ ولماذا كل هذا الصمت من الأزهر، ومن منظمة العالم الإسلامي، وهيئة كبار العلماء في السعودية، وقادة المؤسّسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي ؟ وأين مظاهرات الأحزاب والمنظمات الدينية والعلمانية الداعمة لهؤلاء المظلومين؟ وأين التبرعات والمساعدات ؟
دولنا العربيّة الغنيّة وبعض الدول الإسلامية تتبرع بسخاء لضحايا الأعاصير والهزّات الأرضيّة ومؤسّسات مجتمعيّة في مناطق مختلفة من العالم وهذا عمل جيّد. ولكنها لم تقم بواجبها حتى الآن في تقديم دعم مادي لحوالي نصف مليون لاجئ روهنجي يعيشون في مخيمات بائسة في بانغلادش، ولم تفعل شيئا ضد حكومة ميانمار وسياساتها العنصرية الدموية.
العالم الإسلامي الذي يبلغ تعداده أكثر قليلا من ربع سكان العالم لا يخيف أحدا . إنه ضعيف ويعاني من النزاعات والتفكّك والفساد والديكتاتورية، ويقف عاجزا عن التصدي لدولة ضعيفة مارقة كميانمار والدول الأخرى التي تضطهد المسلمين، وتمارس العنصرية ضدّهم، وتحتل أرضهم، وتسلب ثرواتهم، وتمنعهم من دخول أراضيها، ولكنها لا تجرؤ على فعل الشيء نفسه مع أتباع الأديان والعقائد والثقافات الأخرى !
عندما يسجن أو يجرح أو يقتل أمريكيا، أو أوروبيا، أو استراليا، أو إسرائيليا، أو يابانيا إلخ.، يهتز العالم ضد الظلم ويطالب بالقصاص من المعتدي. وعندما يقتل آلاف المسلمين، ويشرّدون من ديارهم، وتنتهك أعراضهم لا يحرّك العالم ساكنا لأن معظم أتباع الإسلام قبلوا الذل والهوان وأذعنوا لإرادة ” مين ما كان “، فلا غرابة إذا في كلّ هذا الذي يحدث لهم من مصائب . العالم لا يؤمن إلا بالقوة . الأقوياء يصنعون التاريخ ويقرّرون ما يريدون وما لا يريدون، والضعفاء يستسلمون ويتذمّرون وينتحبون على تلال ذكريات أمجادهم الماضوية كما نفعل نحن الآن . إلى متى سيظل الحال على” هذا المنوال ؟ ” لا أحد يعرف الجواب إلا الله !
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/28