السعودية بعد البحرين تسقط في حبال نتنياهو
علي الصالح
كأوراق الشجر في فصل الخريف، تتساقط أنظمة عربية واحدة تلو الأخرى، أمام الإغراءات والوعود الكاذبة والكلام المعسول الذي تسمعه من أركان الكيان الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو اليميني العنصري الإرهابي المتطرف، وأقطاب إدارة الرئيس الأمريكي، ومعظمهم من اللوبي الصهيوني، أو المتعاطفين معه، حول توفير الحماية لهذه الأنظمة من الخطر الإيراني المزعوم عليها.
وتكر حبات المسبحة كاشفة طبيعة المؤامرة التي حاكتها هذه الأنظمة على مر السنين ضد القضية الفلسطينية، وتوفير الحماية لنفسها على حسابها، ورفعت الآن برقع الحياء عن وجوهها وكشرت عن أنيابها.
وكان منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ 72، المكان المناسب لهذه الأنظمة لإماطة اللثام عن وجوهها لتظهر على حقيقتها، التي بالتأكيد لم تكن وليدة اللحظة، بل تأتي في سياق مؤامرات خفية تمارس لسنوات عديدة سابقة.
وشهدت هذه الدورة تغييرا ملحوظا في الخطاب السياسي لبعض ممثلي هذه الأنظمة العربية، إزاء دولة الاحتلال، والتعامل معها وكأنها انسحبت من الأراضي الفلسطينية وأنهت احتلالها لفلسطين، وقبلت بحل الدولتين، كما تنص على ذلك مبادرة السلام العربية، التي كتبوا نصها واقنعوا قمة بيروت العربية عام 2002، بتبنيها. فراح وزير خارجية النظام السعودي الجديد عادل الجبير يغازل إسرائيل، تيمنا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي شدد على أهمية أمن المواطن الإسرائيلي، وخلا خطابه من كلمة الاحتلال والدعوة الصريحة لانسحاب قوات الاحتلال من الأراضي الفلسطينية، وبدلا من ذلك اتهم الفلسطينيين بعدم القبول بمبدأ التعايش، بدعوته لهم القبول بالتعايش وكأنهم هم الرافضون. وسار الجبير أيضا على خطى حمد بن عيسى ملك البحرين على خط مغازلة إسرائيل، بالدعوة للتطبيع مع دولة الاحتلال وإدانة من يطالب بعدم التعامل معها. وفجّر الجبير قنبلة سياسية كما فعل ملك البحرين.
قلت في مقال سابق ألا علاقة لي بالخلافات القائمة بين ما أصبح يعرف بـ«دول الحصار.. السعودية والإمارات والبحرين ورابعهم نظام عبد الفتاح السيسي»، وما زال موقفي هو الموقف نفسه ولم يتغير، فهذه مشاكل بين دول قادرة على حل مشاكلها في ما بينها، ولا نريد أن نقحم أنفسنا في هذه الخلافات. ولكن ما تردد على ألسنة زعماء وقادة ومسؤولي هذه الدول، في الأسابيع الأخيرة، يؤكد على أن تصريحاتهم هذه لا بد أن تكون جزءا من المؤامرة، التي يحاولون أن يضعوا خواتمها، بالتغيير الفاضح في الخطاب السياسي، نحو دولة الاحتلال، والتراجع تدريجيا عن المصطلحات المستخدمة سابقا.. إسرائيل بدل دولة الاحتلال.. الضفة الغربية بعد حذف المحتلة.. عدم المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة… وعدم التشديد على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة، واستبدالها بالتوافق الدولي على حل الدولتين.
وفي سياق هذه التغيرات وصل وزير خارجية النظام السعودي إلى قناعة بضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي في ظل التوافق الدولي على حل الدولتين. وبدلا من التشديد على الدعوة للانسحاب الكامل، ووضع حد لاحتلال الأراضي الفلسطينية، تفضل علينا الجبير بالقول في كلمته يوم السبت الماضي إن، «النزاع العربي الإسرائيلي أكبر نزاع تشهده المنطقة في وقتنا الحاضر، وإننا لا نرى مبرراً لاستمراره، خصوصاً في ظل التوافق الدولي حول الحل القائم على حل الدولتين، والمستند إلى قرارات الشرعية الدولة ومبادرة السلام العربية، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية». وفي هذا القول الملغوم خروج عن بنود المبادرة العربية، التي تنص أولا على إنهاء الاحتلال والانسحاب الإسرائيلي الكامل، أي إلى حدود الرابع من حزيران 1967 وتسوية مشكلة اللاجئين، قبل إنهاء الصراع والتطبيع مع دولة الاحتلال. وأضاف الجبير «إننا نرى أن توافق الإرادة الدولية من شأنه ترجمة مبادئ الحل إلى واقع ملموس». والحقيقة التي يعرفها الجبير كما غيره، أن إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال ترفض إلزام نفسها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، ناهيك عن الانسحاب الكامل بما فيها القدس المحتلة التي تشهد حملة مسعورة لتهويدها وتغيير معالمها.
ولفرك «بصلة» في أعين المطبعين والمتأسرلين قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مساء يوم الأربعاء الماضي، إن إسرائيل لن تخلي أي مستوطنة في المستقبل مهما حدث. وأضاف في كلمة له في التجمع الاستيطاني غوش عتصيون جنوب بيت لحم في الاحتفال في الذكرى الخمسين على بدء الاستيطان، أنه وجد ليبقى ويستمر، وأن إسرائيل لن تزيل أي مستوطنة مستقبلا مهما حدث. إلى جانب أن إدارة الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض لم تحدد حتى الآن موقفا، ولم تعط التزاما بحل الدولتين، رغم المطالبات الفلسطينية الواضحة والمستمرة.
إذن فإن كل ما نطق به الجبير، لا أساس له من الصحة، إذ لا وجود لتفاهم أو إرادة دولية حول هذه القضية. ويبدو أن الالتزام لدى الجبير ومفاهيمه هو عدم تطبيق دولة الاحتلال للقانون الدولي، وقرار وقف الاستيطان 2334 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وقرار الانسحاب من الأراضي المحتلة 242، وغيرها من القرارات ولن نتحدث هنا عن قرار التقسيم 181 أو قرار حق العودة 194 والحبل جرار. الجبير لا ينطق من فراغ فقد كان يدرك جيدا ما يقول، ولم يكن يتحدث باسمه، بل باسم العهد الجديد وولي عهده محمد بن سلمان «رجل التحديث».
قد يقول قائل إن الكلمات يمكن أن تكون قد خانته وضاعت منه في إدانة الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والإجراءات التعسفية التي يمارسها جنوده كل صباح ومساء ضد الفلسطينيين. بيد أن الجبير وجدها في التنديد بقوة «بسياسة القمع والتهجير التي تنتهجها حكومة ميانمار ضد المسلمين الروهينجا».
ما قاله الجبير في الأمم المتحدة كلام ملغوم وسهم جديد موجه ضد القضية الفلسطينية. وهذا السهم يجب أن يرتد إلى نحور أصحابه، ولا بد أن يواجه بحسم وحزم من قبل الفلسطينيين بجميع توجهاتهم السياسية والعقائدية خصوصا، ومن الشرفاء والمخلصين العرب للقضية الفلسطينية عموما، واعتقد أنهم كثر. فهذا هو وقت التحرك قبل أن يفوت الأوان. ومطلوب منهم أيضا بل يحتم عليهم الواجب جميعا أن يقفوا صفا واحدا لمواجهة هذا الخطر المحدق بقضيتهم وبوجودهم. أوراق كثيرة لا تزال في أيدي الفلسطينيين، رغم الوضع العربي المهلهل، التي ساهمت هذه الأنظمة في إيجاده، وكأنها كانت منذ زمن على الخط نفسه مع العدو الصهيوني، في انتظار اللحظة المناسبة.
وأوجه هذه الدعوة إلى جامعة الدول العربية، التي إن لم تكن هي متورطة في هذه المؤامرة، أن تجد في هذه الهجمة الانهزامية والتآمرية، فرصتها كي تمسح ولو جزءا بسيطا من تاريخها الأسود وتحسن صورتها، وأن تنحاز إلى فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين التي ستظل رغم أنف المتآمرين والمتأسرلين القضية الأولى.
فرصة نتمنى على الجامعة العربية ألا تفوتها. وكذلك نتمنى على أمينها العام أحمد أبو الغيط، أن ينتهز هذه الفرصة كي يمسح صورته المحفورة في عقول العرب عندما كان وزير خارجية نظام حسني مبارك المخلوع، وهو يقف إلى جانب وزيرة خارجية الاحتلال تسيبي ليفني وهي تعلن الحرب على قطاع غزة عام 2008.
واختتم بالقول إن الصراع مع العدو الصهيوني يتوقف عندما يعود الحق لأصحابه، وعندما ينجلي الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية، وعندما يقيم الفلسطينيون دولتهم بعاصمتها القدس الشرقية، وعندما يتحرر الأسرى من سجون الاحتلال.. عندئذ فقط يمكن التفكير بوقف الصراع.
وإلى أن يتحقق ذلك فإن الصراع لن ينتهي ولن يتوقف النضال، والشعب الفلسطيني بكل قواه وأطيافه السياسية والفصائلية والوطنية والعقائدية هو الضامن الوحيد، وهو الحارس الأمين على مصالحه.. وسابق الأعوام والعقود شاهد على ذلك، فلا تجربوا أيها المتأسرلون واللاهثون وراء التطبيع، حظوظكم، وتتآمروا من وراء ظهر الشعب الفلسطيني، ولا توصلوه إلى حد الغضب والثورة.. عندئذ لا تلوموا سوى أنفسكم والأحداث تتحدث عن نفسها.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2017/09/30