سورية تنتصر: الدب الروسي “يبق البحصة”
علي الدربولي
تنبأت سورية بأمرين من خلال مواجهتها في ميادين السياسة والقتال لأعدائها الإقليميين، والدوليين:
الأمر الأول: هو ارتداد الإرهاب إلى بلدانهم ومجتمعاتهم، كرد فعل على فعل هم حضروا له الأرضية المناسبة، ورعوا جسمه فكرا متطرفا، وتدريبا وتمويلا وتسليحا، وذلك بين حدي الحرب الناعمة عبر الإعلام، والحرب الخشنة عبر القتال في الميدان، ثم تغطية سياسية لما تزل بظلالها ومضامينها التضليلية، على هامش الفكر الديني، تفعل فعلها في عقول تلك الأدوات التي قاتلت ولما تزل تقاتل الحكومة السورية طيلة ما يقارب السبع سنوات. أمثلتنا على ذلك كانت تلك الأحداث الإرهابية التي عصفت بعواصم ومدن أعداء سورية في الغرب.
الأمر الثاني: تفكك التحالفات، أو انطفائها، خاصة ما سمي منها بـ(أصدقاء سورية) التي أنشأها هؤلاء الأعداء لغاية واحدة هي إسقاط النظام السياسي القومي في سورية، بدءا من رأسه، لصالح مشروع تقسيمي على قاعدة إثنية دينية مذهبية، تحقق ثلاث أغراض:
-قطع طرق التواصل البري بين كل من إيران والعراق وسورية ولبنان، كأنظمة سياسية تصنف مقاومة للكيان الصهيوني، ولمشروعه المدعوم من قبل الغرب المنطقة.
-تفكيك وحدة موقف الداخل السوري تجاه القضية الفلسطينية، بفضل تداعيات (الربيع الأحمر العربي) السلبية على تماسك الجيش، وإضعافه، وتدمير البنى الاقتصادية، والقدرة العسكرية، وإفقار الدولة والشعب، فتتحول سورية المتشظية في ساحة الصراع مع (إسرائيل) رقما هامشيا لا يؤخذ في الحسبان.
-تمرير (صفقة) تهويد الدولة الصهيونية بأقل التداعيات السلبية على مشروع الغرب للمنطقة، بحيث يكون نضوجها، كوعد أميركي، متزامنا وتجسيد الأشكال غير القومية لشظايا بقية الأوطان العربية القومية، ومنها التكتلات الدينية-المذهبية، التي يأمل أعداء سورية أن يسفر عنها (الربيع الأحمر العربي) الدموي في نهاياته. فلا تكون عندها الدولة اليهودية جسما نشازا بالنسبة لمحيطها، ولو أنها بذلك تكون مخالفة لمنظور كينونة الدول الديمقراطية ذات المعايير الغربية، التي نشأت في ظلها الدولة الصهيونية، لأن الغرب لا يهمه شكل النظام السياسي أيا يكن، طالما يحقق له مصالحه، ولعل الأنظمة السياسية العربية الملكية وما شابهها، لا تزال تتمتع بحماية غربية وهيمنة سياسية لا نظير لها في العالم، وهي لا تمت بصلة إلى أي قيمة من قيم الغرب المعتمدة في دساتير دوله المحشوة بمفردات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان؟!
*يأتي هنا وفي معرض ما تقدم:
الخلاف السعودي القطري نتيجة منطقية، يحمل في طياته تأثيرا إيجابيا لصالح محور المقاومة، ولو بحدوده الحالية على الأقل في أهم مفاصل الشرقين الأدنى والأوسط، ولا يأتي هنا خلاف السعودية مع قطر من باب أن هذه الدولة تحتاج إلى الحشد العسكري والفكري الكبيرين لإخضاعها، نظرا لضآلة حجمها الجغرافي. بل تأتـي من باب أنها الدولة المنافسة من منظور إسلامي تعلو فيه كلمة جماعة الأخوان المسلمين (الإرهابية) المنافسة للوهابية، بحسب التصنيف السعودي، وهي، أي قطر، من أكثر الدول تطابقا والتصاقا بمشاريع الغرب. الغرب الذي عول عليها كثيرا في عمليات زرع الشقاق بين صفوف العرب والمسلمين، إذ خصها بتسهيلات كافية لانتشار اسطولها الإعلامي، ذي المهمات المحددة، الذي تمثله قناة الجزيرة الفضائية وملحقاتها.
– على مستوى العلاقة الأميركية-التركية نشاهد خلافا يستفحل، تراه “تركيا” بسبب استهانة الإدارة الأميركية بسيادتها، عندما تشغل مواطنين أتراكا في الظل، لدى ممثلياتها الدبلوماسية في “أنقرة” ورد فعل أميركي تجلى بمنع منح التأشيرات مثلا، إذ ربما كان الأمر يستحق حوارا سياسيا يقود إلى التفاهم (جرى مؤخرا اتصال بين وزيري خارجية البلدين). بالطبع ليس مستبعدا البتة أن يكون الإجراء الأميركي قائما فقط على هذا السبب المعلن، فما تقوم به تركيا كدولة ضامنة لجانب من جوانب وقف الحرب في سورية بالتنسيق مع إيران وروسيا الاتحادية، يتنافى ومخطط أميركا القاضي بإطالة أمد الحرب على سورية، ومعها العنف في المنطقة العربية بشكل عام، لغاية:
-إنضاج طبخة حرق القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى رائحة الحريق الذي يثبت إدارة الجميع ظهره لها ( ُعمل على إظهار ذلك على أنه صفقة القرن…؟!) الصفقة التي، ولخدمتها في العمق، تهدف إلى:
تدمير قوام التعايش الوطني، للدول العربية القومية ذات الدور الرئيس في تقرير سياسة العرب، كسورية ومصر والعراق في المشرق، والجزائر وليبيا في المغرب. لم تكن السعودية غائبة، كدور تكتيكي، عن ذلك فيما مضى ولكن الحرب على سورية أثبتت أن دورها كان يصب استراتيجيا في قناة المصالح الأميركية- الإسرائيلية لا غير، ولو أنها نجحت فيما مضى، تكتيكيا، في إظهار ورعها وحبها لفعل الخير، ولم الشمل العربي، وأكثر من ذلك كانت مساهمتها الأكبر في دفع تعويضات الحروب بين العرب و(إسرائيل) للطرف العربي المحارب، كمؤشر-كما تبين في ضوء الحرب على سورية- على سطحية نهر دورها، نسبة إلى حقيقة مجراه الذي يصب في المحيط الأطلسي.
*سورية تنبأت بكل ما يجري مبكرا منذ السنة الأولى للحرب عليها، وكان الرئيس بشار الأسد أول من أشار إلى ذلك، وفي أكثر من خطاب له، إلى بعد الصراع، وتداعياته على أصحاب المصلحة فيه من الأقزام لصالح الفلك الأميركي الأكبر، ومعه التابع(إسرائيل).
*البحصة في فم الدب الروسي قيد (البقّ) الآن، وإشارات ذلك كان في تسريب بعض الأسرار التي بحوزة الجهات الروسية ذات الصلة بالحرب التي تجري على الأرض السورية، والتي بدأت تخرج إلى العلن، بخصوص انحياز أميركا وتسترها على شيطان الإرهاب الذي صنعته (كما أفصحت وزير الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلنتون). إن المعادلة واضحة، لكل ذي عين بصيرة، ابتداء:
-هل يعقل أن تقف أميركا، ومعها (إسرائيل) ضد من يحارب سورية، إرهابيا كان أم معتدلا؟
-هل يعقل أن يقف حلفاء أميركا من العرب مع سورية؟ أثبتت الحرب على سورية أنهم مع أميركا، حتى أكثر من (إسرائيل)، وما فعلوه في سورية تعجز (إسرائيل) عن القيام به. من حيث الحشد البشري، ومن حيث الكلفة المالية. والأهم، من حيث التحريض المذهبي والطائفي؟!
إن تجاوز أميركا الاتفاقات، أو التفاهمات، التي عقدتها مع روسيا، عبر تسهيل مهمات خاصة لـ(داعش)، في شرق سورية، فيذهب جنرالا روسيا كبيرا ومرافقيه من ضباط مهمين ضحية التغطية الاستخبارية التي يوفرها أعداء سورية من (دول تحالف الحرب على الإرهاب؟!!) للإرهابيين…ومع ذلك حرص أميركا على ألا يتجاوز الجيش العربي السوري والقوات الرديفة، خطوطا حمراء معينة تحمي وراءها جسما (داعشيا) يتشكل، إثر الهزائم التي منيت به (داعش) في ريفي حمص وحماه الشرقيين. ترجمة ذلك: كان الهجوم الواسع الأخير الذي شنه تنظيم (داعش) باتجاه بلدة السخنة ومنطقة حميمة وغيرها، وإيقاظ الخلايا النائمة في بلدة “القريتين”، وذلك من مناطق غير متوقعة يتواجد فيها الأميركي وطيفه، خصوصا منطقة التنف السورية؟! قال وزير الخارجية السورية وليد المعلم: “تدمر أميركا كل شيء في سورية ما عدا داعش”
*يوشك الدب الروسي على (بق البحصة) في وجه أميركا…هل حان وقت ذلك؟ وأين مصلحته وحلفاؤه في المنطقة بدءا من سورية من ذلك؟ ربما تستشعر روسيا أمرا جللا تبيت له أميركا في سورية من الشمال (عبر تركيا) أو من الجنوب (عبر إسرائيل والأردن) فهل يشكل انفتاح الأردن على فتح معبر “نصيب” الحدودي مع سوريا فرقا؟ وهل قد تشكل الحركة السياسية-العسكرية التركية باتجاه روسيا فرقا آخر؟ نلاحظ دخول تركيا على خط الحرب المباشرة ضد أدوات مصنفة دوليا إرهابية، من تلك التي لم تكن تعتاش إلا على مطبخها، ومن خلاله، في كثير من المناطق السورية، وخاصة في محافظة “إدلب”؟! دخول تركيا هذا على خط الحرب لا يمكن أن ينجح إذا لم يتدخل الجيش التركي بكل قوة، عابرا الحدود السورية، متجاوزا حق السيادة، فيعتبر ذلك وزير الخارجية السوري أمرا “غير شرعي” مع ما يترتب على ذلك. الإعلان عن قيام الطائرات الروسية بتغطية التدخل التركي العسكري، لا بد أن يشي، كما هو مفترض، بضبط (متفق عليه) لمسار ذلك التدخل وحدوده ووقت انتهائه، والأثمان التي ترجو تركيا الحصول عليها مقابل ذلك، والتي ربما منها ( إعادة التواصل السياسي السوري – التركي تلبية لمصالح مشتركة).
*إن الانفتاح الروسي، اقتصاديا وعسكريا وحتى أمنيا على تركيا، وظهور تركية كدولة ضامنة ، يقلل من شأن الشبهة التي على الحذِر من السياسة التركية المتقلبة أن يخشاها…ولكن:
أليست جميع هذه التحولات من صلب النبوءة السورية المبكرة لها؟ إن من يتنبأ بحدث فيقع، لا بد أن يمتلك أفق الانتصار على الأعداء. سورية تنتصر.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/10/15