أكثر من قاتل
أحمد السيد عطيف
ما حدث في مستشفى جازان ليس خطأ إداريا، بل جناية يجب أن يكون التحقيق فيها في مكاتب هيئة التحقيق والادعاء العام والمحاكم، وليس في مكاتب الوزارة
رفض المصعد الصعود وأصدر جرس إنذار لأننا كنا 8 أشخاص بداخله، حاول أحد الشباب الخروج فأرجعه زملاؤه وأغلقوا الباب "يا شيخ تعال بس ربك يستر"، وكانوا تعودوا، في مصاعد تعليم جدة قبل سنين، أن يقفز واحد أو اثنان منهم للأعلى مرة أو مرتين فيصعد المصعد رغم أنفه. ربك ستر. لكن هذا السلوك، علاوة على ما فيه من استهتار بالحياة وقلة حياء من العلم، فيه أيضا قلة معرفة بالله، فالله تعالى يأمر باتخاذ الأسباب ثم التوكل عليه.
حزام الأمان في سياراتنا نتعامل معه على أنه ترف زائد نضطر إليه حين نمر بنقطة تفتيش. كل وسائل السلامة في سياراتنا ومبانينا وطرقاتنا هي اشتراطات ترف لن نحتاجها، حزام الأمان المفتوح على طول في السيارات هو مثل أبواب الطوارئ المغلقة بسلاسل في المستشفيات، مع أن العالم، خاصة "الكفار" يرون هذه الوسائل ضرورية أثناء الحوادث والكوارث، ويجب أن تكون جاهزة على مدار الثانية تحسبا للطوارئ، وتقام التدريبات عليها للتأكد من جاهزيتها الدائمة. أما نحن فنقيس اللحظة التالية على اللحظة التي مرت بسلام، ولذلك نرخي حزام الأمان ونغلق أبواب الطوارئ ونسلسها بالسلاسل والأقفال لأننا قوم بلا طوارئ.
نمشي على الطرقات قبل استكمال خطوط السلامة عليها، سوداء كالظلم بلا خطوط، ويمضي العام بعد العام وهي كما هي، فالمقاول الظالم قد استلم مستحقاته كاملة في أحد المكاتب الظالمة ونحن نموت على الطرقات ونتقاسم نسبة الخطأ، ويسلم منها الطريق والنقل والمقاول الأول ومقاولو الباطن، ومن سلم واستلم وباع واشترى في حياة المواطنين في مكاتب الذمم المفروشة.
نحن لسنا مؤمنين بالأسباب ولا بالطوارئ لأننا لا نحترم نعمة الحياة.
في حريق مستشفى جازان العام لا يكفي إعفاء ومعاقبة المسؤولين، فكم تم إعفاء وعقاب والأمور كما هي؟
هناك آخرون تراكم عليهم الوقت الذي لا نحترمه حتى نسيناهم. بسبب استهتارنا بالحياة والعلم، قلة أمانتنا، العادات الإدارية المعتمدة على أوراق تنتهي بـ"كل شيء على ما يرام".
في كل دائرة حكومية وحدة متابعة ورقابة جعلها النظام إحدى أدوات المدير العام وجزءاً من مكتبه، لكن هذه الوحدات قضى عليها المديرون العامون فلا عمل لها إلا متابعة غياب الموظفين وجمع أوراق دوامهم طوال اليوم!
كلنا رأينا محضر الدفاع المدني بجازان الذي انتقد، مشكوراً، مبنى المستشفى المنكوب مرتين بلا جدوى، ولا ندري هل نظام الدفاع المدني لا يسمح له برفع تقريره لأمير المنطقة أو للوزير المختص أو لجهات رقابية؟ أم أنه يكتفي بتقاريره ثم يشارك في استلام المبنى؟!
أسمع كثيرا عن مسؤولين مخلصين رفضوا استلام مبنىً ما، لكن المقاول بعلاقاته يأخذ مستحقاته من جهة أعلى، ثم يأتي للمناقصة في مشروع آخر!
القتلة الآخرون موجودون في العادات الإدارية وفي النظام الإداري المكتوب، في انعدام الرقابة للدرجة التي تنعدم فيها المسؤولية، فصارت حياتنا في خطر ليس على الطرقات ولا في المنشآت فحسب بل حتى في المستشفيات.
ما حصل في مستشفى جازان العام كارثة على الصعيد الوطني والأخلاقي والإداري والديني. إن موت 25 مريضا في مستشفى ليس أمرا طارئا، بل هو حكم صدر بموتهم من زمن بعيد كانت رصاصته الأولى "يا شيخ ربك يستر.. كل شيء على ما يرام..أهم شيء لا يخرج الطالب ولا يغيب الموظف"، ثم توالت الرصاصات وانتهت بحفلة الموت دهسا على الطرقات أو الموت حرقا في المستشفيات.
إعفاء المسؤولين المباشرين عن كارثة مستشفى جازان ليس أكثر من عملية "كبش فداء" لا جدوى منها، فربما كان نصيبهم من مسؤولية الكارثة أقل، كما أن الإعفاء ليس عقابا، فما حدث ليس خطأ إداريا بل جناية يجب أن يكون التحقيق فيها في مكاتب هيئة التحقيق والادعاء العام والمحاكم وليس في مكاتب الوزارة.
ما لم نحاكم كل المتسببين الظاهرين والمختفين و"الباطنيين" ونتفقد عاداتنا ونتأكد من إيماننا ونسدّ ثغرات نظامنا فستتضاعف الكوارث. وسيظل ستر الله مرفوعا عمن يتعرى هو بنفسه أمام الناس.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/01/01