إسرائيل.. من التطبيع الشعبي مع العرب إلى التطبيع العسكري؟!
علي الدربولي
بعد أن فشلت كل محاولات التطبيع الشعبي بين العرب والإسرائيليين، عملت (إسرائيل) على الانتقال إلى شكل آخر من التطبيع، وهو التطبيع العسكري مع بعض العرب… هؤلاء العرب هم من حلفاء أميركا، وممن ووقعوا اتفاقات سلام معها خروجا على الإجماع العربي، من غير أن يعلقوا-للأسف- تنفيذ تلك الاتفاقات على استعادة أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، وأقلها وقف التوطين، وإطلاق سراح الأسرى. لا نريد أن نقول تحقيق الدولة الفلسطينية، والاتفاق على الانسحاب من بقية الأراضي العربية المحتلة… ربما لأن ذلك أكبر مقاسا مما يلبسون؟
* المناسبة: انعقاد مؤتمر لرؤساء أركان جيوش دول التحالف الدولي في واشنطن، التحالف الذي شكلته وتقوده أميركا، في ظاهر الحال، لأجل محاربة تنظيم (داعش) الإرهابي بشكل خاص، والإرهاب في المنطقة بشكل عام.
-الأحداث الأمنية والعسكرية التي عصفت وتعصف بين ظهراني دول عربية ذات نظم سياسية قومية، ونتائج ذلك المدمرة على كافة الصعد، لا سيما في سورية التي تعرضت لحرب غير مسبوقة في التاريخ؟! كل ذلك شجع المرجعية الأميركية لهؤلاء المؤتمرين، واستباقا لتثبيت حالة الانتصار الكبير على الإرهاب في سورية والعراق، كل ذلك شجع أميركا على أن تدعو لانعقاد مؤتمر عسكري في واشنطن، أراده “مختلفا” رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال “جوزيف دانفورد” بمعنى:
قيام الجنرال الأميركي بدعوة رئيس أركان جيش العدو الإسرائيلي الفريق” غادي إيزنكوت” ليجلس إلى طاولة واحدة مع رؤساء أركان جيوش كل من دول: مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، إضافة إلى رؤساء أركان بعض دول حلف “الناتو” المشاركة في التحالف الدولي.
-بعد الانتشار الواسع لوائح التطبيع السياسي مع العدو الإسرائيلي لهؤلاء العرب، والتي كانت بمثابة الطعنة المدمية على صعيد الوجدان الشعبي للعرب، الوجدان الذي استمر متماسكا ومنسجما مع نفسه، في وجه كل محاولات التطبيع وذرائعه الباطلة، برغم حالة التخلي التي يعيشها كثير من الحكام العرب لصالح التطبيع مع عدو العرب التاريخي، لا عدو كثير من حكامهم، بحسب ما صار ينجلي لنا يوما بعد يوم! على هذا الصعيد:
يستطيع هؤلاء الحكام، أو يمكن أن، يصدروا أوامرهم لجيوشهم، بالشكل الذي يخدم مصالحهم، ومناصبهم، لكنهم بالطبع لا يستطيعون إصدار أوامر مشابهه إلى شعوبهم. من هنا تأتي محاولة الالتفاف على الشعوب عن طريق التطبيع العسكري مع العدو… أليس يتشكل عديد تلك الجيوش من أبناء تلك الشعوب؟ ربما هذا هو الشكل،(الكمين) أو الهدف المختلف الذي رمى إليه الجنرال الأميركي”جوزيف دانفورد”؟!
-بهذه المناسبة أصدر جيش العدو الإسرائيلي بيانا جاء فيه:
“سيقوم القادة (مشملا القادة العرب في خطابه طبعا) خلال هذا الاجتماع بمناقشة التحديات الأمنية المشتركة والتقييمات للأوضاع والتطورات في مجال الأمن التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى قضايا التعاون العسكري..” السؤال :
هل فعل المشاركون العرب شيئا من هذا القبيل؟ أم أن بيان الجيش الإسرائيلي يتحدث نيابة عن الجميعّ!ّ
-تحت مظلة واسعة من التضليل والخداع الإعلامي، انعقد هذا المؤتمر، والذي يراد منه إظهار نشاط ذلك التحالف الدولي على مستوى محاربة الإرهاب الداعشي، متناسيا أن هذا الإرهاب بدأ يذوي على طريق نهايته، بفضل ضربات محور المقاومة والقوى الرديفة بتغطية عسكرية-سياسية من قبل روسيا الاتحادية، وعلى العكس، فإن تواطؤ دول التحالف مع الإرهاب الداعشي بدأ يظهر وبتسارع كبير، قام الجيش الروسي بفضحه، وقاد المسؤولون الروس حملة تفنيده علنا، من غير أن يلقى هذا الأمر دفاعا معقولا من قبل أميركا راعية ذلك التحالف؟!
*الشكل المختلف، رؤية الجنرال الأميركي، أراه من زاوية التطبيع على صعيدين:
1-عسكري احتوائي: مع جيش مصر العربي، من باب أنه الجيش العربي الكبير في المنطقة، والذي تربى عل عداء (إسرائيل) ولديه خبرة في التعامل معها عسكريا وأمنيا، فهو الذي عبر القناة إلى سيناء، وقهر دفاعات جيشها في حرب عام 1973م بمشاركة سورية. ربما جرى استغلال الحالة الأمنية المتردية في مصر، والتي مبعثها ذلك الجسد الإرهابي الذي لما يزل متماسكا، من جهتي الغرب والشمال، بحكم الفوضى في ليبيا، والابتزاز الإسرائيلي في سيناء.
2- عسكري تشاركي: مع الجيش السعودي الذي تغلب عليه الصبغة الإسلامية، والذي يستشعر الحاجة إلى الخبرة الإسرائيلية، في العمليات العسكرية عن بعد، بينما يقوم هذا الجيش بحرب على اليمن، تصور أنه سيحسمها خلال أشهر قليلة. إضافة إلى القدرة المالية للمؤسسة العسكرية السعودية التي يمكن أن تمول مشتريات كميات ضخمة من الأسلحة النوعية، من (إسرائيل) – طبعا ومن غيرها – بحسب ما هو مرجو من قبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، الأمر الذي يعزز عملية التطبيع العسكري بين الجانبين، سيما والحاجة إلى الخبراء العسكريين تستتبع، عادة، عمليات شراء الأسلحة …
*إذن التطبيع العسكري مع (إسرائيل)، كان ثمرة مهمة من ثمار (الربيع الأحمر العربي) الذي كان نتيجة للتطبيع السياسي، والذي أنتج بدوره، وبرعاية أميركية-إسرائيلية مشتركة، وعيا إقليميا آخر، ولو أنه مغلف بكثير من الوهم، هو أن العدو التالي الذي سيخلف داعش المستهلكة، هو إيران:
-إيران “المشروع النووي” الذي يكاد الرئيس الأميركي “ترامب” يناطح السحاب مرفوعا على الكتف الإسرائيلية، وهو يصرخ، بأعلى الصوت، مناديا بضرورة تخلي أميركا عن الاتفاق لنووي مع إيران، برغم معارضة، لا تزال ثابتة، من قبل أهم الدول الأوروبية: فرنسا وألمانية وبريطانية.
-إيران الدولة الإقليمية الفاعلة في محور المقاومة، والتي تؤمن بنظرية زوال (إسرائيل)، ويجاهر قادتها العسكريين بذلك علنا. من النادر سماعه من قبل غيرهم؟! إلا أن ما يشجع (إسرائيل) على ترسيخ “إيران” العدو التالي بعد داعش، هو درايتها بما يجول في الخاطر المذهبي للرأس السياسية في المملكة السعودية، وعجز مصر عن الإمساك بالعصا من المنتصف بخصوص علاقتها مع إيران لصالح الانزياح باتجاه السعودية، وبتأثير سطوة اتفاق كامب ديفيد، هذا ثانيا، وثالثا للمعرفة التامة بأن الأردن هو من أطلق وتبنى مشروع الهلال الشيعي ابتداء، ومن ثم راح يروج لخطره هنا وهناك، إلى أن تجسدت ذروة ذلك بنجاح (إسرائيل) عبر رئيس وزرائها “نتنياهو” أثناء اجتماعه بالرئيس الأميركي على هامش الاجتماعات الأخيرة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، بالضغط على الرئيس الأميركي “ترامب” الذي أعاد الاعتبار لتصريحه الانتخابي القائل بانسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع “إيران” ثم تصنيف إيران على أنها الدولة التي تهدد الأمن والسلم في المنطقة. نفس الشعار الذي تبناه حلفاء أميركا العرب.
في النتيجة:
سينتهي مؤتمر رؤساء الأركان هذا يوم الأربعاء، في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول، ووزير الدفاع الإسرائيلي المتطرف” أفيغدور ليبرمان” يمثل شبحا جاثما في أروقة المؤتمر، بتزامن وجوده المواكب لأعمال المؤتمر في واشنطن، وعليه لا بد لدول محور المقاومة وحلفائه من أن يبقوا أعينهم مفتوحة على التداعيات المحتملة لهكذا مؤتمر، يحاول فيه الضعيف أن يرتقي إلى مستوى القوي فيضرب بغير هدى هنا وهناك، طالما الذراع الإرهابية تحتاج إلى العون قبل أن تقطع..ولسوف لن يبخل بذلك العون من رأى مع (إسرائيل) بحسب بيان الجيش الإسرائيلي الذي أشرت إليه، أن هنالك “تحديات أمنية مشتركة” وهنالك قضايا تحتاج إلى” التعاون العسكري” ولما:
لم يمثل الإرهاب يوما، و بكافة أشكاله، تحديا لا (لإسرائيل) ولا لحلفاء أميركا، وحتى لا لأميركا نفسها، خاصة وهي الآن ترعاه ممثلا بـ(داعش) في شرق سورية. يكون على محور المقاومة أن يعتبر نفسه أنه المقصود بهذا المؤتمر، وأن يستشعر الخطر، وأن يجيب على تساؤلات من نوع: كيف سيكون رده، أو تحسّبه، أو هل أصبح في الطريق إلى:
القتال في الجبال كي يحتفظ بالسهول…
على قاعدة أنه أضحى على تخوم الانتصار الاستراتيجي في سورية وبشكل واسع، بعد أن تجاوز، طيلة فترة الحرب، كل سلبيات المهل الزمنية التي أثبتت الأحداث أنها كانت، عموما، لصالح إعادة تسليح وتدريب وتمويل الإرهاب وأخواته فوق الأرض السورية. التساؤل المشروع:
هل يشكل هذا المؤتمر التطبيعي، الخطوة العسكرية الأولى للانتقال، عبر مهل زمنية تحددها الضرورة، إلى خطوات أخرى منتجة للحرب الكبرى المؤجلة على محور المقاومة؟ بحيث يأمل أعداؤه منها أن تعدل بشكل كبير موازين القوى لصالح المشروع الأميركي- الإسرائيلي، وتوابعه العربية، في المنطقة، بمعنى قيام هؤلاء الأعداء بتنفيذ سلسلة من عمليات القضم العسكري، باتجاه إيران، ومنها عزلها عن محيطها ترغيبا وترهيبا لبعض مكونات ذلك المحيط؟ كيف سنقرأ زيارة “حيدر العبادي”رئيس الوزراء العراقي إلى المملكة السعودية بحضور وزير الخارجية الأميركي”ريكس تيلرسون”. بالقطع ليس ذلك من (محاسن الصدف) أو نأمل أن يكون ذلك كذلك…
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/10/25