وعد بلفور: مصلحة استعمارية بريطانية
علي محسن حميد
حلت الذكرى المئوية لوعد بلفور المشئوم وبريطانيا غارقة في أخبار فضائحها وفضائح أمريكا الجنسية التي تكشف خللا قيميا واستهانة بالمرأة التي تزعم نخب البلدين بأنها مكنتها ّورفعت مكانتها وأصبحت حرة ومسؤلة عن مصيرها ولكن الواقع يكشف أنها غير قادرة حتى على الاحتجاج عندما تنتهك كرامتها وتذل شخصيتها وتهان إنسانيتها.
السيد لويد جورج وزير الذخيرة في الحرب العالمية الأولى وأحد داعمي وعد بلفور كان يطلق عليه لقب” الماعز″ لكثرة وطول فترة مغامراته الجنسية طبقا لصحيفة الديلي ميل في 4 فبراير 2017.
هذه الانتهاكات مستمرة في بعض الدول الديمقراطية الغربية ضد نخب نسوية من قبل النخب الفنية والسياسية أي زبدة المجتمع أما ما يحدث للنساء في قاع المجتمع فليس له صدى لأن قضاياهن ليست قضايا سيدات المجتمع!!!ومع هذا حظيت قضية فلسطين باهتمام ملحوظ يؤكد أن الصهيونية والاستعمار لم يقولا كلمتهما النهائية في فلسطين وأنهما لم يكتبا نهاية تاريخها المفتوح على احتمال واحد هو هزيمة المشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري وبناء دولة المساواة وحكم القانون لكل من يعيش فيها ولكل فلسطيني عانى من الشتات منذ 1948 بغض النظر عن دينه وعرقه ولونه وجنسه.
منذ مائة عام وحتى اليوم لم يقل أي من زعماء الصهيونية العالمية وحكام إسرائيل شكرا لبريطانيا على الوعد الذي سعى من أجله حاييم وايزمان لسنوات عبر اتصالاته التي بدأت مع ارثر بلفورعام 1906 قبل أن يصبح وزيرا للخارجية لأن الشكر سيذكر العالم بأن إسرائيل مولود غير شرعي ومصطنع وليس طبيعيا ولد في مجلس الوزراء البريطاني.
وايزمان كان ينتظر في ردهات الوايت هول وعندما انتهى الاجتماع أتى من يقول له “مبروك.. ولد”.كانت القابلة للمولودغير الشرعي أما غير شرعية مارست الزنا السياسي وخانت الأمانة وسلمت فلسطين التي كانت مؤهلة أكثر من غيرها لقيام الدولة وكان لها علمها وعملتها واقتصادها المزدهر وطابعها البريدي ومؤسساتها ونخبها وتعليمها الجيد وعلاقاتها الاقتصادية مع المحيط والعالم. في العام 1906خسر المحافظون الانتخابات لصالح حزب الأحراروكانوا كما هم اليوم والنخبة السياسية الأمريكية بحاجة للمال وللصوت وللدعم اليهودي.
في لقاء عام 1906قال بلفور لوايزمان أنه سمع عن هرتزل(توفى عام 1904) ويستغرب إصرار الصهيونية على الحصول على فلسطين وكان للاستغراب خلفيته لأن المؤتمر الصهيوني السادس الذي انعقد في بازل بسويسرا عام 1903 سمي ب”مؤتمر اوغندا” ووقتها كانت بريطانيا تريد توطين اليهود في اوغنداوهو ما كان محل قبول من هرتزل ويومها توقف وايزمان عن الإشادة بقيادته للحركة الصهيونية لأنه لم يكن يريد لفلسطين بديلا و قرر السفر إلى لندن لمعرفة العرض البريطاني لأوغنداولكنه طوى الموضوع مؤقتا إثر حصوله على عمل في جامعة فكتوريا بمدينة مانشسترعام 1904 وكانت وفاة هرتزل عاملا مشجعا لنسيانه تماما والتركيز فقط على فلسطين..
وفي اللقاء الأول لوايزمان مع بلفورعام 1906 قال وايزمان لبلفور إن القبول بغير فلسطين كعبادة الأوثان وافترض أني أعرض عليك باريس بدلا من لندن هل ستقبل ورد بلفور بزهو “لدينا لندن”، قال وايزمان هذا صحيح ولكن نحن لدينا القدس منذ أن كانت لندن مستنقعا.وعندما زار وايزمان القدس لأول مرة عام 1918 بعد أن ودعه رسميا في لندن الملك جورج السادس صعق لما وجده في القدس التي يزعم نتنياهو بوجود يهودي لم ينقطع فيها منذ ثلاثة ألاف سنة وكتب في مذكراته (Weizmann His Life And Times وايزمان حياته وزمنه)إنه لأمر محزن. محزن جدا. في القدس مآذن وأجراس وقباب ترتفع إلى السماء تصرخ بأن القدس ليست مدينة يهودية”.
لقد ساعدت مساعي جعل اوغندا ومعها الارجنتين كوطن لليهود الصهيونية على نشر مشروعها ولكسب الشرعية والتعاطف مع مساعيها في لم شتات اليهود الذين كانوا يعانون في كل اوربا بدون استثناء من العداء المفرط للسامية في كل الدول الاوربية من روسيا إلى الجزر البريطانية.
وهؤلاء – الأوربيين- كانوا سعداء بحل المشكلة اليهودية خارج أوربا والتخلص من اليهود الذين عاشوا بينهم لمئات السنين مكروهين وغير مرغوب في بقائهم بينهم.
أوروبا الرأسمالية وروسيا القيصرية كانت تتوجس من دور اليهود كقوى للتغيير وكطلائع في العمل النقابي والفكر اليساري وحتى تغيير العادات والتقاليد.
وقبل ولادة الحركة الصهيونية كانت كثير من الدول الأوربية تتنافس في قتلهم وفي اضطهادهم وطردهم من أوطانهم. كان وايزمان هو الأكثر نشاطا من أجل إحداث تغيير جذري في مصير اليهود على حساب شعب فلسطين باستيطانها ولكنه كان يفتقد إلى طرف راع يقدمها له على طبق من الدماء والعذاب والانتهاكات والعنف الممنهج والإرهاب التي اختلط فيها الدم الفلسطيني باليهودي بالبريطاني.
الإرهاب اليهودي ضد بريطانيا في فلسطين لم يثنها عن الإصرار على الوفاء بجزء من وعدها المتصل بمصلحة بريطانية – يهودية مشتركة و كان سفك دماء البريطانيين محتملا لكي تظهربريطانيا كضحية أيضا لأن التراجع تحت ضغط مقاومة الفلسطينيين سيتسبب في مزيد من القتل للبريطانيين في فلسطين على يد اليهود وخلق مشاكل في بريطانيا من قبل يهودها المدعومين من قبل حكومة ويهود أمريكا.
لندن بعد الوعد أضحت مركزا للحركة الصهيونية العالمية وكانت تعي أن تهويد فلسطين يتطلب ثمنا غاليا سيدفعه الفلسطينيون وكان هذا هو تقييم وايزمان الذي تحدث عن أن الفلسطينيين والمصريين رأوا في الوعد مفاجأة صاعقة (الأمير فيصل ابن الحسين شريف مكة الذي اجتمع بوايزمان مرتين في العقبة وباريس عامي 1918 و1919 لم يشارك الفلسطينيين والمصريين قلقهم وخوفهم).
إسرائيل مصلحة بريطانية:إن دولة يهودية في فلسطين هي الضمانة الأمثل لحماية مصالح بريطانيا في المنطقة وفي الهند وبقاءها امبراطورية لأطول أمد ممكن. مناحيم بيجن عبر عن هذه الحقيقة في مذكراته ( The Revolt-التمرد) وقال بأن بريطانيا كانت تخدم مصالحها قبل مصالح اليهود وأوضح بأن ” السياسة البريطانية في الشرق الأوسط تريد فلسطين منذ وقت طويل، وقد قال لي السيد إيفان جرينبرج رئيس تحرير صحيفة الجوش كرونيكل السابق في حديث طويل عندما كنت أعمل تحت الأرض أن والده الذي كان أحد مساعدي هرتزل قال أن اللورد كرومرحاكم مصر العظيم قال له “عندما تتهاوى الامبراطورية العثمانية يجب أن نمتلك فلسطين”.
وذكر بيجن أن” البريطانيين يريدون فلسطين لأنها تقع على الطرف الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وتقع عند تقاطع طرق ثلاث قارات وتسيطر على إحدى ضفتي قناة السويس وتقع على الطريق إلى الهند الخ…
وأضاف أن هناك أسبابا عديدة هامة لكي “تكون فلسطين مشتهاة من قبل كل حكام العالم منذ نبوخذ نصروأن بريطانيا كانت مستعدة لدعم أي خطة تمكنها من السيطرة على فلسطين بدون أن تبدو أنها هي المسيطرة”.
وكانت الخطة والكلام لبيجن هي أن بريطانيا ستعد اليهود بوطن في فلسطين ولكن ليس فلسطين كوطن( أي ليس كل فلسطين).
وكتعبير عن نكرانه كبقية اليهود لجميل بريطانيا قال بيجن إن “بريطانيا ستمتلك فلسطين وأن اليهود سيكون لهم وطنا فيها وهذه السياسة ستخدم مصالح بريطانيا في امريكا التي لليهود نفوذ فيها.ِ
أمريكا: الوعد الثاني، سبقت أمريكا بريطانيا في تأييداغتصاب فلسطين ففي اكتوبر1917أعلن الرئيس الامريكي ولسون عن دعمه المطلق “لمبدأ الاعتراف بفلسطين كوطن قومي للشعب اليهودي”. وبعد حرب عام 1967 التي كانت طرفا فيها أهدت أمريكا إسرائيل القرار 224 الذي وصفه جوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ب “الوعد الثاني” الذي نعيش تبعات غموضه ولكن هدفه واضح وجوهره عدم إجبار إسرائيل على الانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 واليوم لاتستطيع إسرائيل أن توسع مستوطناتها وأن ترفض كل قرار دولي وأن تتعنت في مفاوضاتها مع الفلسطينيين بدون دعم أمريكي سياسي ودبلوماسي لاتخفيه واشنطن وفوقه أربعة مليارات دولار سنويا تعطى لدولة غنية ومتقدمة تكنولوجيا ولكن احتلالها بحاجة لتمويل خارجي تعطيه أمريكا عن طيب خاطر.
الفخورة ماي: في الاحتفال البريطاني – الإسرائيلي في لندن بمئوية وعد من لايملك قالت السيدة تريزا ماي أنها “فخورة بدوربريطانيا الرائد في خلق إسرائيل”.
كقارئ متواضع للقضية الفلسطينية لست أدري بماذا تتفاخربه السيدة ماي رئيسة وزراء بريطانيا وهي تمد يدها إلى يد القاتل نتنياهو، أكبر منتهك لكل القوانين الدولية منذ أن نظمت هذه القوانين والمعاهدات العلاقة بين الدولة المحتلة وبين الشعب المحتل وبينت حقوق الإنسان بكل جوانبها وحددت مواطن انتهاك هذه الحقوق ؟هل وجود خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مدعاه لفخرها وهل هي غائبة عن الوعي ولاتقرأ أوتشاهد جرائم الإسرائيليين ضد كل ماتعتقده ماي نفسها وتدعو إليه وتطبق بعضه في بلدها؟وهل لديها عاطفة أمومة لتشعر بمعاناة الطفل الفلسطيني على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي ولما تعانية المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال؟
وهل تعي كم قرارا صدر عن الأمم المتحدة واليونسكو وغيرهما ووافقت على بعضها بريطانيا وحلفاءها وداسته إسرائيل بقدميها؟هل ينسيها فخرها ضحايا الإرهاب اليهودي من البريطانيين بمن فيهم ضحايا تفجير فندق الملك داوود قبل استكمال اغتصاب فلسطين على أيدي عصابات الهاجانا وشتيرن …؟
هل تنسى أن مناحم بيجن كان مع21 إرهابيا يهوديا مطلوبين للعدالة البريطانية لارتكابهم جرائم إرهابية ضد جنودها في فلسطين؟ هل تنسى أن فلسطين حتى 14 مايو 1948 كانت تسمى فلسطين وليس إسرائيل وأن لوعد بلفور وجها آخر يتصل بحقوق الفلسطينيين وأن البريطانيين كانوا غير أمينين في تنفيذه وتخلوا عن مسؤليتهم الدولية كدولة انتداب؟
وهل الاحتلال وانتهاك اتفاقية جنيف لعام 1947 وسجن الأطفال القصر والاستيطان مدعاة للتفاخر؟وهل تقبل السيدة ماي دولة أبارتهايد في بريطانيا وهل هي فخورة بما تمارسه دولة الاحتلال من إذلال يومي لم يمارس مثله حتى أباءها وأجدادها في المستعمرات البريطانية وبالإقصاء والانتقاص من حقوق الفلسطينيين ومعاملة من بقي في وطنهم عام 1948 كمواطنين من الدرجة الثانية وبالمصادرة اليومية للأرض وبالقمع الديني والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية والكذب على التاريخ.
كان سكان الضفة وغزة من المسيحيين عام 1967، 12% من السكان واليوم لايصلون إلى 2% وكان سكان فلسطين قبل وعد بلفور 93% واليوم يعيش خمسة مليون لاجئ فلسطيني خارج وطنهم وترفض إسرائيل عودتهم وهي التي تفتح أبوابها لكل يهودي.هل تساءلت السيدة ماي عن السبب ومن السبب؟
لتقرأ تاريخ فلسطين عندما كانت تحت الاحتلالين العثماني والبريطاني وتحدق في صور فلسطين وأهلها وتتمعن في الإحصاءات السكانية والتغيير الديمغرافي اليهودي الغاشم.
إنها هنا تذكرني بماقاله توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق ونصير إسرائيل الكبير الذي دعا البريطانيين للاعتزاز بماضيهم وكان يقصد ماضيهم الاستعماري وهي مثله لاتزال أسيرة العقلية الاستعمارية.
وأخيرا فإذا كان دم المواطن اليمني رخيصا وتقل قيمته كثيراعن قيمة توفير فرصة عمل لمواطن بريطاني فإننا نفهم أن إرضاء أقلية في بريطانيا وأمريكا أهم من أوطاننا ودمائنا.
رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/11/08