احتجاز الحريري: اعتداء على كرامة لبنان وشعبه..
طلال سلمان
لا يملك اللبنانيون غير الاشفاق على دولتهم المستضعفة، كما على رئيس حكومتهم المحتجز رهينة في مملكة الصمت الأبيض والذهب الأسود، سعد رفيق الحريري.
لقد أُستدعي الرجل، على عجل، فلبى الأمر فوراً وبلا تردد: ذهب في غير طائرته، ومن دون جيش مرافقيه، ومن دون أن يتبع الأصول التي يفرضها عليه موقعه كرئيس حكومة في بلد آخر، لا نفط فيه ـ أقله حتى إشعار آخر ـ لكن للناس عيونا ترى وعقولاً تجتهد في أن تفهم، وخبرات في دهاليز السياسة والمعابر إلى النفوذ بالثروة أو إلى الثروة بأساليب شتى غالباً ما تبقى طي الكتمان، فان هي كُشفت “ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار”..
تطايرت الأسئلة والتساؤلات والتكهنات فسدت الأفق على المناصرين قبل المخاصمين، ودوى القلق على الرجل، ثم على موقعه الممتاز في دولته الصغيرة..
وبعد سماع البيان المكتوب، والمرجح أنه قد أُملي عليه، وعبر محطة تلفزيون سعودية، وإن كانت تموه هويتها بالادعاء أنها عربية، تحولت الأسئلة إلى اتهامات قاسية وعواطف اشفاق ثم تجمع ذلك كله في حملة ضارية على دولة الصمت الأبيض والذهب الأسود تُجمع على اتهامها باختطاف رئيس حكومة لبنان واتخاذه رهينة، بعد استخدامه منصة هجوم، عن بعد، وبالأسلحة الثقيلة على “حزب الله” شريكه في حكومته بوزيرين، وعلى إيران التي كان يستقبل ـ قبل يومين فقط من استدعائه السعودي العاجل ـ أحد ابرز الشخصيات الإيرانية السيد ولايتي، وزير الخارجية الأسبق والمستشار الحالي للمرجعية العليا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد خامنئي.
أنها سابقة خطيرة في العلاقات العربية ـ العربية، وحتى في العلاقات الدولية، مهما حاول المحاولون التخفيف من وقعها، واعتبارها “زيارة خاصة” وليست استدعاء واجب التلبية من جهة خارجية تعتبر أن لها حق الوصاية على سعد الدين رفيق الحريري، لأسباب لا نعرفها (والأرجح أنه ـ شخصياً ـ لا يعرفها أيضاً) ثم تحتجزه فيها… وان هي سمحت له بأن يقوم بزيارة ذهاب واياب مضبوطة التوقيت إلى إمارة أبي ظبي للقاء ولي عهدها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
ومعروف أن بين الأمير الذي يقترب من أن يصبح ملكاً للسعودية والشيخ الذي يقترب من أن يصبح رئيساً لدولة الإمارات صلات أكثر من حميمة وعلاقات تتداخل فيها العاطفة مع النصح و الإرشاد.. بينها فتح أبواب البيت الأبيض والرئيس الأمريكي ترامب شخصياً أمام ولي العهد السعودي قبل الموعد “الطبيعي” وقبل غيره من قادة العربان في الجزيرة والخليج وغيرهما.
وواضح أن زيارة الساعات التي سُمح لسعد الحريري أن يزور خلالها أبو ظبي فيلتقي فيها الشيخ محمد بن زايد أنما تمت للتخفيف من وقع الحديث عن احتجاز سعد الحريري في بيته في الرياض، ووضعه تحت الإقامة الجبرية..
واضح كذلك أن هذا الاحتجاز التعسفي لسعد الحريري في السعودية التي يحمل جنسيتها إضافة إلى جنسيته اللبنانية، بينما يعتقل المئات من الأمراء أبناء الأسرة المالكة ورجال الأعمال الكبار والأغنى من قارون، لا يصدر عن الهوى، يزيد من القلق على رئيس حكومة لبنان، ونجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وإذا كانت مبادرة رئاسة الجمهورية إلى استدعاء “الاقطاب” و”الوجاهات” السياسية، بمختلف تلاوينها، قد أكدت العزم على تجاوز الذيول التي قد تنجم عن هذا الاعتقال الملكي لرئيس حكومة لبنان، وإلزامه تقديم استقالته من “منفاه” عبر تلفزيون سعودي (العربية)، فان القلق على حياة رئيس الحكومة اللبنانية المحتجز في الرياض، هو اعتداء فاضح على كرامة اللبنانيين جميعاً، فضلاً عن كونه اعتداء على الدولة اللبنانية وسيادتها…
والاخطر: على روابط الأخوة التي يفترض أن تبقى فوق الخلافات السياسية. وبالتأكيد فان شعوراً بالمهانة والتجاوز على الكرامة الوطنية يغمر كل مواطن لبناني لأي تيار انتمى.
كذلك فاذا كانت ثمة مشكلة بين المملكة العربية السعودية وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية فأن لبنان، دولة وشعباً، ليس طرفاً فيها بكل تأكيد، بغض النظر عن مواقف مواطنيه ومن مع هذه الدولة ومن ضد تلك الدولة.
فمن نِعم الله على اللبنانيين الذين ارتضوا أن يكونوا مواطنين في هذه “الدولة” أنها ـ وبرغم المآخذ الكثيرة والجدية على نظامها وعلى طبقتها السياسية الحاكمة ومعها طبقة أهل الاستغلال والربح الحرام ـ ما زالت افضل أو بالأحرى أقل سوءاً من معظم الدول العربية، لا سيما البدوية منها، أن لم يكن من جميعها..
رأي اليوم.
أضيف بتاريخ :2017/11/09