قراءة في قرارات إيقاف أمراء ونافذين بتهم فساد في السعودية
عبدالوهاب الشرفي
بذريعة مكافحة الفساد تمكن بن سلمان من الإطاحة بشخصيات سياسية و اقتصادية محورية في المملكة العربية السعودية في ليلة واحدة وصفها البعض بليلة الزلزال في المملكة. الفساد هو سمة لكل الأمراء والزعماء والمسؤولين و النافذين وحتى التجار – بقدر ما – العرب إلا من رحم ربي، ولا ينجو من ذلك من تم اعتقالهم ولا من اعتقلهم وما يخت بن سلمان و شواطئ أبيه ببعيد، وبالتالي فالمسألة متعلقة باستخدام الفساد وليس محاربته.
اللجوء لحيلة الفساد كانت بالفعل حيلة ذكية وبارعة لتحقيق الهدف أو الأهداف بالأصح ، و لو تم محاولة الوصول إليها بطريق آخر لم تكن لتمر كما مرت في ظل استخدام الفساد.
العمل على إيصال محمد بن سلمان للملك في السعودية هو عمل مبرمج يمر بخطوات محسوبة ولم يكن إقصاء الأمير مقرن من ولاية العهد إلا خطوة في هذا البرنامج كما هي خطوة إقصاء محمد بن نايف وإيصال بن سلمان إلى منصب ولاية العهد.
تظل احتمالات الخطورة بالنسبة لبن سلمان هي في أدنى احتمالاتها طالما أن خطوات التعبيد لوصوله لكرسي الملك تتم في ظل وجود والده الملك سلمان فهو صاحب حق طبيعي وصله تبعا لنظام الملك في السعودية دون الحاجة لأي إجراء تعديلات عليه ما يعني أن والده يحوز الشرعية الكاملة الغير متلاعب بالنظام لأجل بلوغها وهذا الأمر يمثل ضمانة لكبح جماح أي ردود افعال تتم باسمه خصوصا وأن كل الخطوات التي تتم باتجاه تمليك بن سلمان يتم طبخها تحت الطاولة وإخراجها عبر اطرها القانونية و لو تطلب الامر تعديلها لكنها لم تخرق بشكل فج يضرب شرعية سلمان في مقتل ويسمح لردود الأفعال بالخروج.
لكن الخطورة الحقيقية التي يحسب حسابها هي ببلوغ بن سلمان لمبتغاه وتتويجه ملكا للمملكة السعودية سالبا لأحقية أعمامه ممن لازال حيا من أولاد عبدالعزيز و مقررا حقا لنفسه كان يجب أن يتم تنظيمه بين الأحفاد وليس التقرير المنفرد فيه والانفراد هنا لاحق فيه لبن سلمان ولا لسلمان نفسه وأي توطين في هذا الاتجاه لبن سلمان هو يتم بالتلاعب – تعديل – النظام ، وهذا الأمر يمر كما قلنا في ظل شرعية والده لكن بوصول الحكم لبن سلمان تنتهي شرعية والده وتبدأ مسألة حق بن سلمان في الوصول لحكم المملكة وهنا ستبدأ ردود الأفعال وليس هناك ما يكبح جماحها.
قطع بن سلمان مسافة كبيرة في مشوار تمليكه و اقترب من نهاية المشوار وإعلانه ملكا وبالتالي اقترب من لحظة الخطورة هذه التي سيعتمد فيها على ” شرعيته ” وليس على شرعية أبيه، وإنجاز هذه الخطوة هو ما تطلب إزالة بؤر المخاوف التي قد تنطلق منها المخاطر وفي طليعتها الأمير متعب بن عبدالله الذي بيده قوة ضاربة هي الحرس الوطني لا يمكن أن تؤمن طالما أنها بيد أحد أفراد الأسرة الحاكمة، وكذلك عدد من الأمراء الغير راضين عما يتم أو الذين لا يؤمن جانبهم، وتظل الأموال التي بأيديهم و الأموال التي بيد رجال أعمال ونافذين يعرف عنهم ميولهم لرأي الأمراء الغير مأمونين الجانب هي ركيزة أي تهديدات تنطلق منهم وتمنحهم قدرة أوسع على ردود الفعل.
كان أي تعرض لهذه الباقة من المجتمع السياسي والاقتصادي السعودي مسألة غاية في الخطورة و المساس بها قد يفجر الموقف و بنسبية مختلفة من شخص لأخر ، لكن جاءت فكرة الفساد لتعفي بن سلمان من كل ذلك وتجعلها تمر دون ردود أفعال مباشرة على الأقل، وفجأة دون مقدمات أصبح بن سلمان رائد محاربة الفساد في المملكة ولكن بطريقة كانت واضحة إنها باتجاه من يستهدفهم ضمن مهمة تعبيد الطريق للحكم وليست القصة قصة فساد فما أن أُعلنت هيئة عليا لمكافحة الفساد حتى تم تنفيذ المهمة قبل حتى أن تؤدي يمين دستورية أمام الملك سلمان فظلا عن الفترة المعقولة لتكوين ملفات فساد باستكمال إجراءات إدارية وقانونية.
حقق بن سلمان خطوة كانت عالية المخاطر بدون أي مخاطر – فورية على الأقل – تذكر وقلب موقف غير مأموني الجانب من مطالبين محتملين بحق الحكم إلى متهمين مدافعين عن أنفسهم في تهم فساد، و جفف أموال هائلة كان يمكن أن تستخدم في أي مناهضة مستقبلية ضده، و خلق أموال جاهزة لاستخدامها في تمويل سياساته كانت على ضخامتها خارج سيطرة الدولة التي يحكمها.
بينما كان الموقوفون يخضعون للتحقيق عن فسادهم كانت طائرة مروحية على متنها منصور بن مقرن تسقط ليلقى حتفه فيها وسقوطها في ذات التوقيت وفي مرحلة التعبيد لبن سلمان لابد أن تثير الشكوك أنها في ذات السياق، لكن نظرة على من قضوا في الطائرة يجعل احتمال أنها في ذات السياق متندني فمن فيها هو منصور بن مقرن وهو معين من بن سلمان كنائب لأمير عسير ولم يسمع عنه من قبل كمعارض أو ساخط ومن كانوا معه هم مسؤولون محليون لا محل لهم في معادلة الحكم في المملكة و التخلص منهم لا يحتاج مثل هذا السيناريو، لكن تظل نقطة واحدة تجعل احتمال أن إسقاط مروحية بن مقرن يأتي في ذات السياق هي بن مقرن نفسه فهو أبن الأمير المستحق للملك بعد سلمان – اذا استثنينا التلاعب بالنظام الذي تم – وهو أمر يدخل هذا الأمير في دائرة غير مأموني الجانب ولو من باب تقليم أذرع أبيه الذي كان على رأس الاستخبارات في المملكة لعقود قبل أن يتولى حقه كولي للعهد و يقصى وهو في كامل حقه.
تحدثت تقارير عن أن مستشار ترامب كان قبل ليلة الزلزال بفترة قصيرة في المملكة وحديثها هنا هو للبرهنة على دور أمريكي فيما تم في المملكة تلك الليلة ، لكن تظل تغريدات ترامب أكثر برهنة على ذلك الدور المباشر فأقصى دعم كان يمكن أن تحصل عليه خطوة كهذه من أي إدارة أمريكية هي القول أن ما تم هو شأن داخلي سعودي لكن ذهاب ترامب لمهاجمة الأمراء الموقوفين وأنهم ” حلبوا ” بلدهم وأن سلمان وأبنه يعرفان تماما ما يفعلانه هو كلام لا يمكن أن يحصلا عليه إلا من ترامب الذي يقدم خدماته باتجاه المال إينما وجد و تغريدته بأمله استثمار أسهم أرامكوا السعودية في البورصة الأمريكية تؤشر بقوة على تقديمه خدمة مباشرة لبن سلمان هنا أيضا.
عندما نصف ما تم باستخدام الفساد بالخطوة الذكية و البارعة فذلك الوصف هو في حدود تحقيق الهدف مع كل هذا العدد من غير مأموني الجانب في وقت واحد و ضمان عدم أي رد فعل فوري، لكن كتبعات لخطوة كهذه، الأمر لا يمكن وصفة بالذكي والبارع على الإطلاق بل يمكن وصفه بالعكس تماما.
توجه بن سلمان لحكم المملكة قفزا على من بقي من أعمامه و قفزا على التوافق على آلية استحقاق بالحكم تنظم بين الأحفاد هو أمر تتدخل فيه عوامل خارجية بقدر كبير أمريكية بدرجة أولى وبالتالي فدعم الولايات المتحدة لبن سلمان في مسعاه قد يجعل كثير من الأمراء يقبلون بهذه النتيجة ويقنعون بالأموال و الهيلمان الأميري ، لكن ما فعله بن سلمان أنه ضرب في أحد مهدئات عدد من الأمراء فمن قبلوا بسلب الحق في الحكم تعويلا على المال والهيلمان لن يقبلوا بسلب الاثنين و ما تم باتجاه أمراء من العيار الثقيل كمتعب و الوليد سيجعل الآخرين يشعرون أنهم عرضة لخسارة تفوق خسارة الاستجابة للتدخلات الأمريكية وسيرتبون خطواتهم القادمة في ظل احتمال فقد الأموال و فقد الهيلمان وتحولهم إلى معتقلين بتهم فساد بعد فقدهم فرصتهم في احتمال الملك، وهو ما سيجعل مخاطر عدم الاستقرار لبن سلمان بعد هذه الخطوة أكثر بكثير من قبلها على مستوى الأسرة الحاكمة، وذات الشيء هو بحق النافذين من خارج الأسرة الحاكمة ، و ما سيترتب على ذلك أن عدد غير مأموني الجانب الذين استهدفوا بهذه الطريقة سيتضاعف كثيرا نتيجة لها. باتجاه الاقتصاد قد يرى البعض أن محمد بن سلمان قد تمكن من تحقيق رافد للاقتصاد من خلال أموال ضخمة يمكن جمعها عبر هذا الطريق الذي يمكن وصفه ” بالتشليح ” لمراكز مالية لصالح مال الدولة لكن ما سيترتب على ذلك هو أيضا في اتجاه معاكس فرؤس الأموال و الاقتصاد عموما لا يحب المفاجآت و التقلبات خصوصا المنطلقة من منطلقات سياسية و الغير محكومة بالإجراءات القانونية فرأس المال جبان كما يقال، وهو أمر سيترتب عليه ضرب الاستثمار وستعيد الكثير من رؤوس الأموال الداخلية و الخارجية تقييم وضع أمن استثماراتها في المملكة وتتصرف في ضوء ذلك، كما سيترتب عليه ضرب الائتمان وهو أكثر خطورة في التبعات الاقتصادية لهكذا قرار فكثير من الأموال ستفقد الثقة في المؤسسية داخل المملكة وستعمل على أن تتسرب من النظام المالي العام للمملكة وهو أمر سيعطل الأثر الائتماني للنقود بشكل غير قليل وهو أثر يفوق حجم النقد بكثير و يساوي معكوس نسبة الاحتياطي القانوني في السعودية.
هذا غير ما سيلحق صورة الأسرة المالكة و النخب المرتبطة بها عبر تاريخها من أضرار وتقديمها كتوليفة فساد، أضف إلى ذلك إلى فتح باب السجال باستخدام ملفات الفساد فمن نال منهم بن سلمان بهذا الطريق سيردون بالنيل منه بذات الطريق ودخول الأسرة و النخب في مرحلة ” مفاضحات ”.
رأي اليوم.
أضيف بتاريخ :2017/11/11