بأي منطق يفكر العقل السياسي السعودي؟
إسماعيل القاسمي الحسني
“المنطق” و “العقل” مصطلحان أوردتهما في العنوان مجازا أو تجوّزا ليس إلا، هذا للتوضيح و الأمانة العلمية، ذلك أني لست بوارد تعداد المقالات و هي بالعشرات، التي نشرت في صحيفة “رأي اليوم” على امتداد أربع سنوات، مواضيعها بين دعوة العقل السياسي السعودي لمراجعة خياراته و التثبت من صحة مرتكزاتها، و بين التحذير من نتائج وخيمة على دول الخليج عموما والسعودية على رأسها؛ صوتنا مسموع بقوة و صحيفة “رأي اليوم” وإن تعرض موقعها للحجب من قبل السلطات السعودية، فإن لها مقروئية عالية ومتابعة بشكل ملحوظ؛ إذن العيب ليس هنا و إنما في مكان آخر.
ما قيل عن عرض العاهل السعودي للأدلة القاطعة حول عدوان حزب الله على السعودية بين يدي سعد الحريري في مسرحية استقباله، لتبديد ما تسرب من أخبار عن اعتقال الرجل، ثم ما تدحرج من مواقف متصاعدة التهديد للبنان على لسان وزير شؤون دول الخليج، ليصل إلى تخيير اللبنانيين بين العودة إلى بيت العرب (كما يزعمون) أو يحسب لبنان محافظة إيرانية و بالتالي عدوا يتحمل تبعات المواجهة مع السعودية التي ترى من حقها الدفاع عن نفسها، و الميزان هنا هو حزب الله، باعتباره ذراعا إيرانية عقلا و عقيدة و كذلك جسدا.
أولا: حبذا لو يقدم لنا “العقل السياسي” السعودي دليل اعتباره ممثلا للأمة العربية، لو لم يقحم عامل القومية العربية و الانتماء إليها، لما طرحنا السؤال، أما و قد ارتكز عليها كمبرر للعدوان على لبنان، باعتباره خرج أو يخرج منها، فمن حقنا أن نسأل: من فوّض الحاكم السعودي وحكّمه في تقييم انتماء الشعوب؟
ثانيا: حبذا لو يراجع هذا العقل تاريخ نشأة “حزب الله” (1982)، سيكتشف -لو فعل- بأنها كانت إملاء فطريا و استجابة طبيعية للإنسان السوي، لا علاقة لإيران و لا لغيرها؛ حيث جاءت رفضا لاحتلال العدو الإسرائيلي للبنان، تماما مثل نشأة جيش التحرير الجزائري 1954، حين تعبّر الفطرة البشرية السليمة عن رفض “الاحتلال” لن تكون بحاجة لأي إملاء خارجي، بل لن تلتفت له و لن تبني حساباتها على مساعدته أو معارضته، ذلك أنها إن فعلت فشلت من يومها الأول؛ إذن نسبة ميلاد حزب الله لإيران تقدير مخالف للوقائع التاريخية بالمرة.
ثالثا- حبذا لو يراجع العقل السياسي السعودي نص البيان الوزاري لحكومة “الطائف” الأولى، والتي تمت برعايته و على أرضه، الذي تضمن بنصه الواضح و غير القابل لأكثر من قراءة واحدة، حق الشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال و مما ورد فيه أن:” الحكومة لن تدخر جهدا في العمل على تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب و البقاع الغربي بكل الوسائل المتاحة و لا سيما دعم المقاومة الباسلة”؛ و من تلكم الحكومة في عهد إلياس الهراوي إلى حكومة سعد الحريري العام الماضي جميعها تبنّت نصا في بياناتها الرسمية “دعم المقاومة”.
رابعا- حبذا لو يفسر لنا “العقل السياسي” السعودي حقه المشروع -زعما- في الدفاع عن نفسه من التهديد (المتوهم) الإيراني بإعلان حرب شامة على اليمن، في حين يحرّم على اللبنانيين (و الفلسطينيين) الدفاع عن أنفسهم من التهديد الواقعي و الملموس الإسرائيلي، و ينسب دفاعهم إلى إيران، بل يعتبره نفوذا يهدّد السعودية و ليس كيان العدو الإسرائيلي؟
خامسا- الواقع أن السلطات في العراق و السورية هي المعترف بها في المحافل الدولية ووفق قوانين هيئة الأمم المتحدة بتمثيل دولتيهما،و هي المخولة باعتبار حزب الله تدّخل في شؤونهما أم لا، ويا حبذا لو يوضّح لنا العقل السياسي السعودي بأي صفة يتكلم هنا و باسم من؟ فإلى حد الساعة لم نسمع بأن العراق و سورية أوكلتا للسعودية حق الحديث فضلا عن القرار باسمهما؛ ثم ألا يُعتبر هذا بحد ذاته تدخلا سافرا في شأن بلدين عربيين مستقلين؟
سلسلة الأسئلة المشروعة لا تكاد تنقطع حلقاتها، و نختم المقال المختصر بنصيحة للعقل السعودي بأن يجترح من قاوموس إبداعاته عبارة أخرى غير التي يعتمدها مبررا لسلوكه العدواني منذ 2011، تلكم التي تقول: نريد تخليص الشعب الليبي/السوري/اليمني ممن تسلّط عليه أو اختطف قراره، و التي رددها أول أمس عادل جبير حرفيا بخصوص لبنان كذلك، لقد مللنا هذه الاسطوانة المشروخة، و رأينا نتائج “النخوة” السعودية في تلكم البلدان التي طالتها.
و الله المستعان على قادم الأيام.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/11/12