لم نجد المعنى لـ “النأي بالنفس″ ولا موقع خطر سلاح حزب الله… ماذا يريد هؤلاء؟
إسماعيل القاسمي الحسني
ترددت عبارة “ضرورة الالتزام بالنأي بالنفس″ على لسان رئيس الحكومة المستقيل مرارا حتى مجّها المتابع، و قد سبقه إليها بعض رموز تياره إثر أزمة الاستقالة المشبوهة شكلا و موضوعا، و الخاتمة جاءت ضمنا البارحة من رمز ديني لبناني لكن من الرياض كذلك.
عادة ما تمر على الناس عبارات دون أن نتوقف لتأمل دلالاتها، و نبني عليها موقفا سواء باعتماد صحتها أم الطعن فيها، كأنما هي واضحة لدرجة لا تستحق المراجعة و التثبت من معانيها، و من بين هذه العبارات الفضفاضة “النأي بالنفس″، قد تكون مقبولة و موقفا سليما لو كانت تعني مستوى الفرد، أي أن شخصا قرّر أن يتجنب صراعا بين شخصين لا تربطه بهما علاقة غير صدفة وجوده لحظة النزاع؛ مع ذلك لابد من ملاحظة هامة تخص هذه الحالة واردة في القوانين المدنية و الجنائية في جميع محاكم العالم، مفادها لو صادف مواطن نزاعا بين شخصين تبين له أن أحدهما معتد و لم يتدخل لمساعدة الضحية، تترتب على “نأيه بنفسه” عقوبة قد ترقى لعقوبة الجاني نفسه، و لن ينفعه أمام القضاء الدفع بموقفه المستقل الحر “النأي بالنفس″، و بالمناسبة يرى أئمة المذاهب الأربعة نفس الحكم على من ينأى بنفسه في حالة نزاع دموي بين شخصين.
إذا قبلنا تجاوزا بهذا الطرح، أي النأي بالنفس في حالة أفراد، فإنه من المستحيل عقلا و منطقا أن يدفع بهذا الموقف في نزاعات دولية متى كانت في الجوار على وجه خاص، فكيف إن كانت بين إخوة أشقاء هم من أهل الدار نفسها؛ و إنه لمن السخرية حد الابتذال أن تسمع دولا مثل الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا، التي تبعد جغرافيا بآلاف الكيلومترات عن بؤرة النزاع، يرفعون شعار خطره على أمن بلدانهم كمبرر قانوني و شرعي لاتخاذ موقف فاعل و مؤثر، في حين أن تيارا من لبنان يصرخ عاليا “النأي بالنفس″ و حاله أنه جار لصيق، بل إلى عهد قريب كان جزءا من سورية نفسها، و لطالما هذا الفريق نفسه كان يدعو سورية لضبط إيقاع حكمه؛ ماذا لو نأت سورية و كل العرب بأنفسهم من “الحرب الأهلية اللبنانية”، لو اعتمدوا هذا الموقف العبثي لما كان هناك طائف و لا هذا التيار نفسه.
الحقيقة أن موضوع نزع سلاح حزب الله ظهر عربيا بشكل مجاهر و علني مباشرة بعد التحرير عام 2000، و مذاك أصبح شماعة يعلق عليها كل خلاف بل أحيانا يوظف كذريعة لاختلاق الأزمات في لبنان، لكن يكفي كل عاقل إذا تأمل تزامن مطلب نزع سلاح حزب الله الذي كان السبب الرئيسي في تحرير جزء كبير من لبنان بقي محتلا من قبل العدو ثمانية عشر عاما، لم تحرره الجيوش العربية و لا أسلحتها و لا حتى دبلوماسيتها، أن يكتشف من المستفيد من نزع سلاح حزب الله في وقت عجز الجيش اللبناني على ملء فراغه (وفق تصريحات قادة الجيش اللبناني أنفسهم). لكن لندع هذه النقطة كونها أجلى من الشمس في رابعة النهار.
و نتوقف عند قولهم “سلاح حزب الله يعطل بناء الدولة” و ” حزب الله يشكّل دولة داخل الدولة”؛ مفهوم الدولة كما نعرفه على الأقل جغرافيا معلومة الحدود و شعب و سلطة تمثله، و مما بات يعرفه الجميع هو أن ترسانة حزب الله قائمة في معظمها على الصواريخ، و قطعا ليس على السلاح الخفيف، و هنا نتساءل: أي خطر تشكله صواريخ حزب الله على مسؤوليات و مهام السلطة التنفيذية؟ هل يمنع شق الطرقات و تنظيم قطاع الصحة و الائتمان الاجتماعي و بناء المدارس و ترقية المواصلات و الاتصالات و الاستثمار في ثروات البلد؟ هل تمنع الصواريخ صياغة قوانين تعني خدمة المواطن اللبناني؟ و هل هي من تقف حاجزا لتعزيز قدرات الجيش اللبناني و تحرمه من شراء مقاتلات تصد انتهاكات العدو اليومية لأجواء لبنان؟ و هل هي التي تمنعه من شراء صواريخ مضادة للطيران؟ يعلم القارئ بأن العدو الإسرائيلي ينتهك يوميا حرمة لبنان، و أمام هذه الانتهاكات يرى الفريق الداعي لنزع سلاح حزب الله بأن الخيار الوحيد الواجب سلوكه هو رفع شكوى لهيئة الأمم المتحدة، و ماذا بعد؟
أما بالنسبة لمقولة “دولة داخل دولة” نختصر الإجابة في الآتي: لماذا يُغفل بأن هذه الدولة المتهمة ليست قائمة على حزب الله وحده، و إنما هناك تيار المستقبل الذي يمثل قطاعا واسعا من الأشقاء المسيحيين، و تيار المردة و الحزب الديمقراطي اللبناني و تيار التوحيد؟
تفضلوا ببناء دولة بمنعة هذه الدولة المتهمة بوجودها داخل الدولة، و انضباط جمهورها و نظافة يدها و عزّتها و قوتها و مبادئها و قيمها و أخلاقها و عطائها و تضحيات أبنائها…. و لتذهب حينئذ دولة حزب الله و تيار المستقبل و تيار المردة و كل من معهم إلى حيث شئتم؛ أما و في ظل دولة “مقاومة” تناكفها عصابات نهب المال العام و المصالح الضيقة… فهيهات هيهات التفريط فيها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/11/16