هل تقدر السعودية على الحرب؟
حسني الخطيب
حدث استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري من السعودية كأول رئيس وزراء يستقيل من على أرض دولة أخرى (السعودية)، متّهماً حزب الله بدعم الإرهاب ومتوّعداً بقطع أيدي إيران في المنطقة، دفع الكثيرين للحديث عن مواجهة وشيكة بين السعودية وإيران، ويبدو أن ما عزّز هذه الفرضية في أذهان الكثيرين تزامن الاستقالة مع الصاروخ الذي استهدف به الحوثيون الرياض، والنبرة السعودية العالية تجاه إيران من جهة ولبنان وليس فقط حزب الله من جهة أخرى، وذلك على لسان الوزير السعودي ثامر السبهان، الذي اعتبر فيها حكومة لبنان تمثّل حكومة حرب ضد بلاده.
ترافق كل ما سبق ذكره مع أجندة سعودية داخلية محمومة، تضمنّت توقيف العشرات ما بين أمراء ورجال أعمال ومسؤولين سابقين وحاليين أضيفوا إلى الدُعاة والأكاديميين الذين سبق توقيفهم، إضافة لوضع يد الدولة على أملاكهم تحت عنوان (مكافحة الفساد)، هذا من دون أن ننسى طبعاً الجبهات السعودية العسكرية والسياسية المفتوحة في اليمن ومع قطر وغيرها.
السعودية دائماً تصعّد من لهجتها في وجه إيران وحلفائها حين تعلو نبرة الغرب تجاه الأخيرة وتنكفئ حين تتراجع تلك النبرة، بما يعني ذلك من الاتّكال على العامل الخارجي في المواجهة مع إيران، فاليوم يتبنّى الرئيس الأميركي خطاباً تصعيدياً ضد إيران، لا سيما في ما يتعلّق بصواريخها الباليستية والاستياء من الاتفاق النووي، كما أقرّ الكونغرس في الـ 25 من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت حزمة من ثلاثة مشاريع ضد حزب الله لحثّ الاتحاد الأوروبي على تصنيفه كمنظمة إرهابية، وتوسيع نطاق العقوبات المالية والاقتصادية عليه، ومعاقبته على ما أسماه (استعمال المدنيين كدروع بشرية) في حرب 2006م، وحتى أكثر من ذلك، فقد واكب الرئيس الأميركي الإجراءات الداخلية في السعودية بخصوص مكافحة الفساد مؤيّداً لها على توتير ومعرباً عن ثقته بالملك سلمان ووليّ عهده اللذان وصفهما بأنهما يعرفان ما يفعلانه.
هذا التوجّه الأميركي أو بالأحرى الترمبي تحرّياً للدقة في ظلّ انقسام دوائر صنع القرار في واشنطن، يصبّ وبلا أدنى شك في صالح ومصلحة الرياض الآن، والتي كانت في أشدّ الاستياء من سياسة الإدارة الأميركية السابقة بقيادة أوباما إزاء إيران والتي توّجت بالاتفاق النووي، ومنه توحي الطريقة التي قدّم بها الحريري استقالته من السعودية والكلمات التي استعملها بسيناريو تصعيد على المستوى الاقليمي بين السعودية وإيران.
تبدو إيران كعدو مشترك لكل من السعودية ودولة الاحتلال، الأمر الذي قرّبهما أكثر من أي وقت مضى، بحيث باتت أخبار اللقاءات التطبيعية بينهما أكثر تواتراً من لقاءات بعض المسؤولين العرب مع بعضهم البعض، وهو ما تم ربطه بمشروع التطبيع الخليجي والعربي مع اسرائيل كجزء مما سُمّي بـ (صفقة القرن).
يعتقد الكثيرون الآن بأن طبول الحرب قد بدأت تُقرع في المنطقة بغضّ النظر عن مكانها وتوقيتها وأطرافها ومن باب أولى مآلاتها، لا سيما وأنهم يتحدّثون صراحة عن حل عسكري ضد حزب الله في لبنان، كخطوة أساسية في معركة المواجهة مع إيران، فبعض الدول العربية ناقمة على الحزب لموالته لإيران، كما وأن بعضها على استعداد لتوجيه ضربة عسكرية ضد الحزب بالتعاون مع إسرائيل من أجل كسر شوكته في لبنان والمنطقة.
لكن نظرة لتوازنات المنطقة ومتغيّراتها في الآونة الأخيرة قد تشير إلى استعجال هذا التحليل، إذ لا يبدو وفق المعطيات المنطقية أن المنطقة ذاهبة للحرب أو الاشتباك، فقرار السعودية المواجهة مع إيران في الاقليم والمنطقة يحتاج أولاً لجبهة سعودية داخلية متماسكة وموحّدة وصلاحيات واسعة لرأس القيادة السعودية، أي وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان، وهو ما ليس متحقّقاً بالشكل المطلوب حتى الآن، فليس من المنطقي أن تشنّ دولة ما حرباً أو تشرع في مواجهة عسكرية كبيرة وهي تمرّ بمخاض داخلي عسير وغير مسبوق في تاريخها ولا مضمون النتائج.
كما وأن الحرب المفترضة التي يتحدّث عنها الآن ستكون على شاكلة عاصفة الحزم اليمنية وعلى يد التحالف العربي، إلا أنها على الأغلب لن تنجح، وذلك لأنها لم تنجح أصلاً في اليمن وأحداثها وتطوّراتها ما زالت شاهدة على عدم قدرة الرياض وحلفائها على حسم الأمور بعد أكثر من سنتين ونصف السنة على بدئها، فضلاً على أن الأزمة الخليجية مستمرة من دون أفق لحل يُرضي الأطراف فيها.
هذا وإن المتتبّع للخطوات المتتالية والمتسارعة لوليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان، يرى أنها تسير في منحى تصاعدي ومتناسق يخدم هدفاً واحداً رئيساً هو إيصاله للعرش كملك، وكل ما دون ذلك من قرارات لا تعدو أن تكون خادمة لهذا الهدف الرئيس بما في ذلك الحرب في اليمن والأزمة الخليجية والتقارب مع تل أبيب، فضلاً طبعاً عن كل الإجراءات الداخلية باسم (مكافحة الفساد) على كل المنافسين أو المعترضين عليه، لهذا سيبدو منطقياً جداً هنا أن تكون اللهجة المتصاعدة من السعودية تجاه إيران وحزب الله غطاء كافياً لتمرير هذه الإجراءات الداخلية الحساسة بأقل قدر ممكن من الاعتراضات، إذ لطالما كان تضخيم الخصم وتصعيد النبرة تجاهه والتركيز على الأخطار الخارجية أدوات مفضلة للأنظمة والدول لتوحيد الجبهة الداخلية خلف قراراتها.
المواجهة المباشرة مع إيران مُستبعدة جداً ولا تحتملها توازنات المنطقة بطبيعة الحال، وذلك بسبب اختلال ميزان القوّة بين الطرفين، بالإضافة إلى التطوّرات العسكرية والميدانية الأخيرة في سوريا وبدرجة أدنى في العراق على الأقل، كما وأن أية مواجهة واسعة النطاق مع إيران أو حزب الله، من الصعب أن تتم من دون مشاركة إسرائيلية فاعلة.
فالمملكة غير قادرة على توجيه ضربة عسكرية مباشرة للحزب في معاقله الجنوبية لأسباب سياسية وعسكرية، فسياسياً لن تقدر المملكة على وضع نفسها موضع الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الحزب بجانب إثارة الطائفية في لبنان التي يرفضها الجميع سواء داخل لبنان أو خارجه.
كذلك لا يمكن للطائرات السعودية قطع المسافة إلى لبنان بسهولة بجانب رفض دول عدّة مرور أو انطلاق طائرات المملكة من أراضيها، فالرياض لم تقدر مع حلفائها على دحر جماعة (أنصار الله) الحوثية رغم العمليات العسكرية المستمرة والجوار المباشر، لذا من المرجّح أن تكتفي الرياض في الوقت الراهن باستمرار موجات الضغوطات السياسية والعزلة على لبنان ككل وليس حزب الله فحسب.
كما وحتى توجيه ضربة سعودية خاطفة لمعاقل الحزب لن يجدي نفعاً، فسبق أن قامت إسرائيل بذلك في حرب 2006م واستمرت أكثر من شهر ولم تفلح، بل زادت شعبية الحزب وقتها، وإنما هنالك حاجة لشنّ حرب طويلة، وهذا غير ممكن لعدم وجود أراض تنطلق منها المملكة تجاه الحزب، وإنما قد تتعاون أو توفّر مستقبلاً غطاء سياسياً وشعبياً لإسرائيل لاستهداف معاقل حزب الله في لبنان وسوريا.
هذا ومع استمرار السعودية بالتهديد لتوجيه ضربة عسكرية لحزب الله، سواء بشكل مباشر أو بالوكالة، خرج العديد من الأصوات لرفض مثل هذه الخطوة، فمن ناحية، رفضت مصر هذه الخطوة، وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن مصر ضد توجيه ضربة عسكرية لحزب الله أو إيران، وإنها ضد أي عمل عسكري في المنطقة، وذلك في إشارة إلى أن القاهرة لن تدعم الرياض في مثل هذه الخطوة، كذلك أعلنت الولايات المتحدة إنها تدعم الحكومة اللبنانية، مع إنها تعتبر حزب الله منظمة إرهابية، كما أعلن وزير الخارجية الأميركي يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني إن (الولايات المتحدة تحذّر أي طرف داخل لبنان وخارجه من استخدام لبنان كساحة لخوض صراعات بالوكالة أو من أي سلوك يسهم في زعزعة استقرار تلك البلاد).
كما لن تؤيّد روسيا حالياً استهداف السعودية أو إسرائيل لأحد شركائها في سوريا بشكل مباشر، رغم إنها سمحت لإسرائيل بتنفيذ عشرات من الغارات الجوية ضد أهداف لحزب الله في سوريا واغتيال قيادته، فهي قد تغضّ الطرف عن ضربات لأهداف محدّدة، وليس فتح جبهة جديدة مجاورة لسوريا تضيّع ما حقّقته هناك.
الميادين نت
أضيف بتاريخ :2017/11/16