... جاء دور الكهرباء والماء!
قاسم حسين
لقد بدأت الخطوات الأولى لدخول مرحلة شدّ الأحزمة حول البطون.
قبل ثلاثة أشهر، أعلنت الحكومة رفع الدعم عن اللحوم البيضاء والحمراء، ودخل الشارع البحريني في أخذ ورد عريضين، وكان أولَ المحتجين القصّابون في السوقين المركزيين بالمنامة والمحرق، إلى جانب باعة اللحوم في بقية المناطق والمحافظات. وكان آخر تبعات هذا القرار إعلان شركة الدواجن المحلية قبل يومين، توقّفها عن تزويد السوق بالدجاج الطازج، والاكتفاء بالمثلج، في ظلّ منافسةٍ شرسةٍ للحوم المستوردة سواءً من السعودية أو الهند.
الأشهر الثلاثة الأخيرة أظهرت مدى تأثر المطاعم بالقرار من حيث ارتفاع الأسعار، فيما حاولت الأسر البحرينية التكيّف مع الوضع الجديد بإجراء تغيير جزئي على نمط غدائها، إذ استبعدت اللحم الأحمر عن مائدتها أو قلّلته إلى الحد الأدنى، باقتصار استهلاكه على العُطل والمناسبات. وقد ارتفع كيلو اللحم إلى ما يقارب الضعفين، بينما ارتفع كيلو الدجاج بنسبة النصف تقريباً.
اليوم، ندخل مرحلةً جديدةً من سياسة رفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات الأساسية، وقد وضعت الحكومة الماء والكهرباء على سكة التنفيذ، حسب ترتيب معين تم الإعلان عنه، وسيشمل الأشخاص الذين يمتلكون أكثر من حساب واحد، إضافة الى رفع الدعم عن الأجانب والشركات.
قبل سبع سنوات، لمّحت الحكومة إلى رفع الدعم عن المحروقات، فتحرّكت الجمعيات السياسية المعارضة احتجاجاً على القرار، وخرجت مظاهرة شارك فيها الآلاف، في شارع الحكومة بالمنامة ومرّت عبر باب البحرين، وبالتالي أوقف القرار. كان الوضع الاقتصادي يومها لايزال مريحاً نوعاً مّا، وأسعار النفط لم تنزل إلى ثلث قيمتها كما هو الآن.
أما اليوم، فإلى جانب الهبوط الحاد لأسعار النفط، فإن الوضع السياسي معقّد جدّاً، بعدما نجحت الحكومة في تحجيم الجمعيات السياسية ومحاصرتها في الزاوية، (أربعة أمناء عامين للجمعيات المعارضة الستّ في السجن). إلى جانب ذلك تم خلال الأعوام الخمسة الماضية، إضعاف مؤسسات المجتمع المدني، ومحاصرة الجمعيات المهنية والنقابية التي كان يمكن أن ترفع صوتها بالمعارضة أو تبدي رأياً معارضاً لسياسات الحكومة.
مجلس النواب في تشكيلته الحالية، أضعف من أن يرفع صوتاً أو يبدي رأياً، وقد سمعنا بعض النواب يتوسّلون الحكومة لتعيد إلى المجلس هيبته، ويلتمسون من بعضهم بعضاً أن يتّخذوا «مواقف رجال» على حد تعبيرهم! وهو تعبيرٌ حقيقي لواقع المجلس الذي يجد نفسه عاجزاً عن فعل شيء، هذا إن لم يكن تعبيراً عن حالة الرضا والاستكانة التامّتين لدى عموم النواب.
لقد بدأنا مرحلة شدّ الأحزمة على البطون، حيث يتم ابتلاع الدواء المر حبّة حبّة، مع عدم وجود ضمان بأن الدواء سيخلّص الجسد من الداء. بل إن المعاناة الاجتماعية ستتسع دائرتها، مع كل خطوة، والمصاعب الاقتصادية ستزداد وطأتها لدى قطاع عريض من المواطنين. وهناك أكثر من 115 ألف أسرة بحرينية تتلقى مساعدات شهرية من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهو وضعٌ مختلفٌ كثيراً عن الأوضاع في بقية الدول الشقيقة التي بدأت مؤخراً بإجراءات رفع الدعم، إذ يتمتع مواطنوها بمستويات دخلٍ مرتفعة، تمكّنهم من امتصاص أية حركة تصاعدية في أسعار السلع والخدمات.
الحكومة مهّدت لرفع الدعم عن الكهرباء والماء برفعه عن اللحوم، واختارت هذا التوقيت؛ لأننا في فصل معتدل، إذ ينخفض معدل استهلاك الماء والكهرباء. ولن تظهر مفاعيل رفع الدعم إلا عند تطبيق التعرفة الجديدة في شهر (مارس/ آذار المقبل)، على خدمة واحدة ضمن سلّةٍ تشمل 14 سلعة وخدمة، سترفع تباعاً أسعار مختلف السلع والمواد والخدمات، ومن المحتمل جداً انه سيتم تحميل تكلفتها النهائية للمستهلكين.
صحيفة الوسط
أضيف بتاريخ :2016/01/06