إن الحرب العالمية مستعرة بين معسكرين أحدهما الإمبراطورية الصهيوأمريكية وأتباعها وبين المعسكر الرافض للهيمنة
د. عبد الحي زلوم
كاتب أمريكي تساءل أن كانت هناك إمكانية لحرب بين الولايات المتحدة وروسيا في المستقبل فكان الجواب أن الحرب بينهما مشتعلة أصلاً اليوم وبشدة بوسائل عدة لكنها لا تأخذ شكل الحرب العالمية الثانية لكن نتائجها ستكون مفصلية بحيث إما أن تصبح روسيا تابعة من أتباع الولايات المتحدة أو تنهار الإمبراطورية الصهيوأمريكية وعولمتها وأحاديتها. أما الحرب المستعرة الآن فهي إعلامية واقتصادية وسياسية وحروب بالوكالة هنا وهناك . ومنطقتنا العربية والإسلامية هي مسرحها الأساسي.
هناك تآلف من الدول بقيادة روسيا تؤمن بالتعددية وأخرى بقيادة الإمبراطورية الصهيوأمريكية تؤمن بالأحادية والهيمنة المطلقة على العالم في ظل نظام رأسمالي طفيلي امتصاصي . وإدعاء الولايات المتحدة بأن روسيا تمثل تهديداً وجوديا لها هو غير صحيح لكنها تقوض فكرة الأحادية الصهيوأمريكية من أساسها وهي عماد النظام الصهيوأمريكي الحالي . أي سيسقط النظام الامبريالي الصهيو أمريكي ولا يعني ذلك سقوط دولة الولايات المتحدة نفسها.
هناك حرب عالمية مستعرة بين إمبراطورية صهيوأمريكية متعولمة ، وتآلف دول صاعدة ضد هيمنة الامبريالية الصهيوأمريكية – وعلينا الانضمام إلى هذا التيار وهو تيار المستقبل الصاعد . فهل يجب أن نكون أتباعا لنصبح ضحايا أم فاعلين في نتيجة هذا الصراع المحسوم تاريخياً ضد إمبراطورية الشر تلك؟
*
خسرت الإمبراطورية الصهيوأمريكية كل حروبها منذ استولى الصهاينة المحافظين الجدد على السلطة في إدارة جورج دبليو بوش سواءً في العراق أو أفغانستان أو سوريا. كذلك لم تربح إسرائيل حرباً واحدة منذ سنة 1973. أمريكا أرادت شرق أوسط جديد بمواصفات مختلفة. إيران كانت الهدف الأول للمحافظين الجدد لكنها ازدادت قوة وأصبح نفوذها واتصالها البري بدءاً من حدود أفغانستان وحتى البحر الأبيض المتوسط .
هناك معسكران – معسكر الأحادية الصهيوأمريكية بكل عنصريتها وطفيليتها و مآسيها وعقيدتها الصهيونية والعنصرية الكارهة لكل ما سواها من أديان وعقائد ، وهناك التيار الصاعد. الم تلاحظوا أن اجتماع سوتشي كان يجمع ارذودكسياً مسيحياً (بوتين) ومسلماً سنياً (أردوغان) ومسلماً شيعياً (روحاني) أي لكم دينكم ولي دين بينما تدعي الإمبراطورية الصهيوأمريكية بأنها تملك الحقيقة في نظامها المادي اليهوبروتستناتي – وأن من ليس معهم فهو ضدهم ؟ ألم تلاحظوا أيضاً أن إجتماع سوتشي قد ضم أكبر دولة مسلمة سنية في الشرق الأوسط مع أكبر دولة شيعية وبذلك يتم إسقاط الفتنة التي يحاول الصهاينة اليهود والصهاينة العرب رعايتها؟
**
كتب Patrick Cockburn في الأسبوع الثاني من نوفمبر 2017 أنه بينما كان في بغداد بعد الانتصار على داعش أبدى رأيه إلى دبلوماسي أجنبي بارز بأن احتمالية الاستقرار في العراق هي الآن أصبحت أفضل من أي وقت مضى .كان رأي الدبلوماسي أن احتمال الحروب غير المحسوبة في المنطقة كلها قد زاد نتيجة تغيير جوهري في لاعبين أساسيين في المنطقة وهما الولايات المتحدة والسعودية خصوصاً بوجود الصهيوني المتعصب جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب ومستشاره في البيت الأبيض ومحمد بن سلمان ولي عهد السعودية مضافاً إليهما بنيامين نتنياهو . ومن المحتمل أن تكون الولايات المتحدة والسعودية تهولان من رغبة نتنياهو في شن حرب على إيران إلا أن نتنياهو يُعرف بالمغالاة والتطرف في خطابه لكنه يُعرف أيضاً بكونه محافظاً قبل الدخول في حرب عدا حربه على غزة والتي كانت مذبحة أكثر منها حرباً . وبالرغم من ذلك ومن الفروقات الهائلة بالمعدات العسكرية والبشرية لم تحقق تلك الحرب أهدافها ضد المقاومة الباسلة في غزة حتى بعد أكثر من 50 يوماً من نشوب الحرب . ويقول الدبلوماسي أن إسرائيل لم تربح حرباً واحدة منذ 1973 وأن أداءها في حرب 2006 ضد حزب الله كان هزيلاً بل وأن جنرالاتها يعرفون أن تخويف الأنظمة العربية المرتجفة خوفاً على كراسيها من الحرب أكثر فعالية من الحرب نفسها غير مضمونة النتائج كما أثبتت الوقائع في حربي غزة و حزب الله. لكن يرغب نتنياهو بأن يقوم الآخرون بحرب إيران وحلفائها نيابة عنه حتى آخر رجل منهم. كما أن الكيان الصهيوني يواجه تحديا يجعل من جميع أراضيه وبنيته التحتية والفوقية مسرحاً لعمليات أي حرب قادمة وهو أمر لم يحصل في كافة حروبه السابقة ولا يستطيع تحمل عواقبه.
قوة الردع الجديدة هذه أسسها حزب الله والذي تَطَوع الصهاينة العرب بتصنيفه إرهابي. أما أداء الولايات المتحدة فكان معكوساً لأهدافها . فالحرب على سوريا قد تم حسمها لصالح النظام السوري بعكس ما أرادته الولايات المتحدة وحلفاءها. وإيران المستهدف نظامها في عقر داره وبالرغم من كافة أنواع الحصار إلا أنها قد ازداد نفوذها بدءاً من حدود أفغانستان حتى البحر الأبيض المتوسط وبعد أن كانت شرطياً للخليج في عصر الشاه أصبحت الرقم الصعب في منطقة الشرق الأوسط اليوم . أما الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كونداليزا رايس جاء جديداً بشكل مغاير تماماً للأهداف الأمريكية والإسرائيلية.
لا أحد في الشرق الأوسط من مصلحته الآن نشوب حروب جديدة يقول الدبلوماسي إلا أن الحروب تنشأ عادة نتيجة إلى خطأ في الحسابات لموازين القوى أو حتى للمصلحة الذاتية للدولة و بينت الأحداث مؤخراً سوء تقدير كبير في حسابات الولايات المتحدة والسعودية والتي خسرتا كافة رهانتهما في أحداث المنطقة .
**
هناك فيض من جنرالات المحافظين الجدد اشد قذارة من عصابتهم أيام جورج دبليو بوش ومن بينهم وزير الدفاع الذي يحب أن يلقبه أحباءه بالكلب المسعور ومن بينهم أيضاً رئيس مجلس
الأمن القومي بالإضافة إلى الصهاينة اليهود الذين يحتلون كافة المناصب الرئيسية في إدارة ترامب.
في مقابلة مع برنامج “This Week” مع شبكة ABC عبّر رئيس هيئة رؤساء أركان القوات المسلحة الأمريكية السابقMichael Mullen عن تخوفه من تسلط جنرالات المحافظين الجدد في مراكز قيادية في إدارة ترامب حيث قال: “إن إمكانية نشوب حرب نووية قد أصبحت أكبر من أي وقت مضى وأن ذلك يُميتني من الخوف” كما عبّر عن استياءه عن تسلم جنرالات مراكز قيادية في الإدارة المدنية للرئيس ترامب .
*
يحكم الولايات المتحدة اليوم نظام فاشي عسكري عنصري يرأسه جنرالات متهورين ، وعلى رئيس كوّن ثروته من كازينوهات القمار والعقار مع المافيا.
كما كل الإمبراطوريات عند انحدارها فإنها تُسبب الفوضى والبربرية وهذا ما تفعله الإمبراطورية الصهيوأمريكية اليوم وهي في حالة الانحدار.
كانت كلفة البربرية الأمريكية تدمير 5 بلدان عربية هي العراق سوريا ومصر واليمن وليبيا. في سوريا وحدها قتل حوالي نصف مليون سوري مدني وتم تدمير البنية التحتية والفوقية بمئات مليارات الدولارات وتمّ تهجير الملايين من بيوتهم وأبعاد مئات الآلاف من الصغار عن مدارسهم . في العراق تم تحويله من بلد كانت خدماته التعليمية والصحية بل والمعيشية أيام الحصار أفضل مما هي عليه اليوم وتم تحويله من بلد به فائض بترودولاري إلى بلد يقف في طابور أمام مؤسسات الاستعمار الجديد كصندوق النقد الدولي ليستدين قروضاً في وقت ينتج أكثر من 5 مليون برميل في اليوم! وجاءوا له بداعش التي عاثت في العراق فساداً وأصبحت كثيرٌ من الدول المنكوبة دولاً فاشلة أو تم إغراق الأخرى بالديون وتمّ سلب إرادتها الاقتصادية وبالتالي إرادتها السياسية فعلام الانتظار وإلى متى..؟
أن محاولة تهميش قضية القدس وكأنها قضية رئيس مخبول اسمه ترامب هي محاولة الالتفاف على الحقيقة. أنها قضية نظام صهيوأمريكي في جوهره وتفاصيله. جاء في مقال لــ (دانا ميلبانك (Dana Milbank كُتب في أشهر الجرائد الأمريكية “الواشنطن بوست” الواسعة التأثير والصادرة في واشنطن والمملوكة من عائلة يهودية جاء في 7/7/2010 ، اليوم التالي لزيارة نتنياهو لأوباما:
“لعل ما يجب أن يفعله موظفو البيت الأبيض بعد زيارة نتنياهو للرئيس أوباما ، هو أن يرفعوا العلم الأبيض مستسلمين”
كما كتب الكاتب الأمريكي روبرت دريفوس Robert Dreyfuss يهودي الديانة مقالاً بتاريخ 12/7/2010 في مجلة ذي نيشن The Nation المعروفة، يعلق فيه على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في 6/7/2010 لواشنطن والتي أذعن فيها أوباما لشروط نتنياهو قال فيه :
“أقام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مستوطنة غير شرعية أخرى ، لكن هذه المرة على أراضي البيت الأبيض ، ويبدو أن الرئيس الأمريكي أوباما قبل أن يكون حارساً لهذه المستوطنة “
****
لقد سقط النظام الرسمي العربي أيّما سقطة ولقد عرته القدس والقمة الإسلامية من ورقة التوت فانكشفت عورة النظام وأصحابه. وتبين أن نيقولاس مدورو رئيس فنزويلا الذي حضر مؤتمر القمة الإسلامية والذي قطع مسافة 9730 كيلومتراً لحضورها من كراكس فنزويلا إلى إسطنبول كان مسلماً أكثر من مسلمي النظام الرسمي العربي . في الوقت نفسه كانت قنوات العهر والنفط وإعلامه ودوله ترسل وفود التطبيع إلى الكيان الصهيوني وتقوم بإجراء مقابلات صحفية مع رئيس أركان جيش الاحتلال ووزير استخباراته كاتس. “إيلاف” التي أجرت المقابلات يمتلكها رئيس التحرير الأسبق لجريدة “الشرق الأوسط” التي يمتلكها أحد أبناء الملك سلمان. مُعِد الحديث مع كاتس هو جندي سابق في الجيش الإسرائيلي وصحافي سابق ويعمل الآن مراسلا لـ “إيلاف” أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والأرض التي بارك الله حولها أصبحت لا تعني للنظام العربي الرسمي شيئاً! فتباً لهكذا نظام انفصل تماماً عن شعوبه وانضم للأعداء جهاراً نهاراً .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/12/17