قرارات صعبة في زمن صعب
قاسم حسين
يفرض الحدث الاقتصادي اليوم نفسه على الشعب والحكومة، وعلى المواطن والمقيم، وعلى جميع التيارات والطبقات، والمجالس والمنتديات.
مع الوقت، سنكتشف أن ما جرى ويجري، ليس حدثاً طارئاً، وإنّما تغييراً مهماً سيطال أسس الاقتصاد، وسيتجاوز تأثيره الحاضر إلى المستقبل المنظور والمتوسط على أقل تقدير.
حتى الآن، هبط النفط إلى عتبة الثلاثين دولاراً، وهو ربع سعره قبل عامين، وهناك خبراء يتوقّعون انخفاضه مرةً أخرى إلى العشرين، وهو ما سيفرض ضغوطاً إضافيةً على الشعوب والحكومات.
لاشك أن كلّ رب أسرةٍ بدأ يعيد التفكير في كيفية تنظيم موازنة عائلته، وإعادة ترتيب أولوياته. فسياسة رفع الدعم بدأت باللحوم، ووصلت إلى الوقود، ويتمنّى الجميع أن تتوقف العجلة عند هذا الحد لتستقر الأمور.
هذه التغيّرات السلبية، ستؤثر على القدرة الشرائية للمواطن والمقيم، خصوصاً الشرائح ذات الدخل المحدود. ففي الوقت الذي حاولت الأسرة البحرينية التكيّف مع سعر اللحم الجديد، الذي تضاعف مرتين تقريباً، فإن التكيّف مع ارتفاع أسعار الوقود يبدو صعباً، فهي مادةٌ حيويةٌ تحتاجها في جميع تنقلاتك، ولا يمكن استبدالها بأخرى كما حصل مع اللحوم.
التركيبة السكانية الحالية تميل حالياً لصالح الأجانب، الذين يشكّلون 53 في المئة من السكان، وهم يعملون في مختلف المهن والوظائف العليا والدنيا. وزيادة تكاليف الحياة بصورةٍ كبيرةٍ، ستغيّر من المعادلة التي استقرت منذ التسعينيات، وكانت تجعل البحرين وجهةً مفضّلةً للعمل من قِبَل الأجانب، خصوصاً أن من بين هؤلاء توجد كتلةٌ بشريةٌ تقدّر بالآلاف تعمل خارج القانون، فيما اصطلح على تسميته محلياً بـ «الفري فيزا»، فيما ينم عن وجود تجارة غير مشروعة، قد تدخل ضمن أحد أشكال الاتجار بالبشر.
قبل أيام، ناقش برنامج «الأمن الإذاعي» الذي تعده وزارة الداخلية بالتعاون مع إذاعة البحرين، قضية العمالة غير النظامية ومخاطرها على الأمن الاجتماعي والاقتصادي، و «منافستها غير العادلة للعمالة النظامية، لما تقدّمه من خدماتٍ للجمهور بأسعار رمزية». وكان اللافت للنظر الأرقام الرسمية التي كشفها البرنامج، حيث قام 32710 عمال مخالفين بتصحيح أوضاعهم، بينما فضل 10187 آخرون العودة إلى بلدانهم، حسب إحصاءات «هيئة تنظيم سوق العمل». هذه الأرقام تتعلق بالعام الماضي (2015)، فكيف ستؤثر التغيّرات الأخيرة على هذه الأرقام خلال هذا العام وما يليه، بعد ارتفاع تكاليف الحياة، بدءاً بتكلفة الكهرباء والماء وانتهاءً بالغذاء الرخيص؟
الجميع يتمنّى الإبقاء على سعر الطعام دون تغيير، لما فيه من مصلحةٍ مؤكّدةٍ للمواطن والمقيم، لكن السوق المفتوح لا يعترف بالتمنيات. فمن المتوقع أن ترتفع أسعار الطعام، ولو من باب التبعية لارتفاع أسعار بقية المواد والخدمات والوقود. وفي هذه الحالة، سيكون أمام المقيم خيار البقاء أو العودة لبلاده، على خلاف المواطن الذي عليه أن يتكيّف مع المستجدات. من هنا ربما نكون أمام احتمال حدوث تغيّر على التركيبة السكانية، التي استقرت لصالح الأجانب خلال العقد الأخير.
على الجانب الآخر، المواطنين، هناك مخاوف جدية من إمكان زيادة أعداد الأسر الواقعة تحت خط الفقر، مهما اختلفنا على تعريفه أو تحديده وطنياً. فهناك 118 ألف أسرة، تتلقى حالياً مساعدات شهرية من وزارة العمل والشئون الاجتماعية، حسب آخر تحديثٍ للمعلومات. إذا ضمنّا بقاء هذا العدد دون زيادة، يمكن أن نعتبر ذلك مكسباً من حيث تجنب الآثار السلبية على الواقع البحريني، ووقف تآكل الطبقة الوسطى التي تعاني من تراجع أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية منذ سنوات.
قرارات صعبة، في زمن صعب، على الشعوب والحكومات.
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/01/13