في عام 2018: عندما تباع القدس تموت القضية الفلسطينية
علي الدربولي
هنالك قضيتان ستستحوذان على الزمن الفاصل بين عام 2018 وعام 2019 هما القضية الفلسطينية والحل السياسي في سورية، والأولى تتقدم الثانية لأنها الأصل ومبعث شرر وشرور كل القضايا العربية، كان آخرها (الربيع الأحمر العربي).
القضية الفلسطينية:
أصبحت هذه القضية منتهية في الظاهر، بعد صدور القرارات الدولية الناظمة للحل، أي على الورق، منذ قرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبرعام 1947م. إضاءة على القرار:
-صوت لصالحه 33 دولة على رأسها أصحاب المصلحة من قيام دولة (إسرائيل) في أوروبا وأميركا. غير هؤلاء مواقفهم فقط على حساب قيام الدولة الفلسطينية، وراحوا يغطون سياسيا ضم (إسرائيل) لأراض فلسطينية ومن دول الجوار العربية حتى لم يعد ممكنا تطبيق حل الدولتين (الذي رفضه العرب في عام 1947) أمام تكثيف عمليات استيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية. صوت الكنيست على ضم المستوطنات المقامة على أرض الدولة الفلسطينية بحسب قرار التقسيم في الضفة الغربية وقطاع غزة ووادي الأردن إلى (إسرائيل)، التي تجد أن فرصتها الآن أقوى من أي وقت مضى لتنفيذ مشروعها التوراتي.
-في الواقع لم تنته هذه القضية من ناحيتين:
– استمرار (إسرائيل) بالعدوان والتوسع على حساب الأرض والإنسان في فلسطين، وتراجع المجتمع الدولي عن التزامه بحل الدولتين، أو اعتباره أمرا أماته التقادم بخصوص الدولة الفلسطينية، مع إصرار (إسرائيل) على شطب حل الدولتين من معادلة السلام في المنطقة بتأييد الغرب، وتراجع أصحاب القضية أمام (إسرائيل) من معظم العرب، فلسطينيين وغيرهم ممن هم متولجون الشؤون السياسية للعرب.
– استمرار الحياة بجذر الثورة على الظلم التاريخي الذي حل بالفلسطينيين لدى الشعوب العربية والمحبة للعدالة والسلام في العالم، والتي انطلق شررها من فم الرئيس الأميركي “ترامب” عندما أعلن أن القدس عاصمة لـ(إسرائيل) مشعلا بذلك الانتفاضة الفلسطينية الجارية، بامتداداتها العربية والإسلامية .
ولكن:
– كان إعلان القدس عاصمة إسرائيلية مخالفة صريحة لقرار التقسيم الأممي رقم “181” ارتكبها الرئيس الأميركي “ترامب”، وحتى الآن لم يتبلور موقف دولي رادع لقراره، سيما وأنه أوحى بحصوله على مواقف دول عربية وإسلامية غاضة للنظر عن قراره، هذا في الحد الأدنى من المعلن. الضعف العربي والتواطؤ الدولي، برغم مظاهر الاعتراض، وعدم فتح خطوط تغذية الانتفاضة الفلسطينية من قبل الدول العربية المحيطة بفلسطين لأسبابها الواقعية أوالسياسية ؟! على عكس ما حظيت به ثورة الجزائر من دعم عربي وإسلامي فيما مضى؟!.
إذا لم يواجه بموقف عربي حازم وجاد فإن الرئيس “ترامب” سيلزم حلفاء أميركا في العالم بنقل سفاراتها إلى القدس. ألم تلزم أميركا دولا معينة بالتصويت لصالح إنشاء الكيان الصهيوني في الأساس؟! عدم فاعلية الهيئات العربية، والإسلامية ذات الصلة، سيلقي بظلال سوداء على الحراك الشعبي، ويجعل موضوع وحدة الموقف تجاه القرار الأميركي أمرا صعبا، بسبب حاجة أطراف عربية وإسلامية لأميركا حاجة مصيرية تتعلق بالحفاظ على أنظمة حكمها غير الديمقراطية على الأقل؟!
– عندما أعلنت أميركا نقل سفارتها إلى القدس، انتفض الشعب الفلسطيني، لكن حراكه يحتاج إلى دعم غير منقطع، ماديا ومعنويا. عن الدعم المادي أشك بأن من أنفق من العرب مئات مليارات الدولارات ليدمر دولا عربية، خصوصا تلك التي هي أكثر عداء لـ(إسرائيل) سيقوم بإمداد الشعب الفلسطيني الثائر؟!! أما عن الدعم المعنوي والذي يترجمه الموقف الإعلامي العربي، وموقف المفكرين العرب والمسلمين، وأخيرا الموقف السياسي لهؤلاء، سوف لن يكون على المستوى المتوقع، مثلما حدث مؤخرا في اجتماع وزراء خارجية بعض الدول العربية في الأردن، والاجتماع الإسلامي في تركيا، ولم يصدر عن هذين الاجتماعين قرارات ترقى إلى مستوى التحدي الذي مارسه الرئيس الأميركي”ترامب” للعرب والمسلمين بقراره الخاص بالقدس. ليس ما جرى برأيي سوى من إرهاصات (الربيع الأحمر العربي) والذي تبين أنه يهدف إلى تحريض العرب، فيقتل بعضهم بعضا لا أكثر ولا أقل، وذلك باسم الإسلام مذهبيا، وباسم القوميات المتعددة ذات العيش المشترك عبر التاريخ. فقط استمرت (إسرائيل) خارج هذا الصراع إلا بتوقيتها، وراحت في المقابل تذكي ناره بدعمها للمجموعات المسلحة في سورية والقيام بالعدوان المباشر عليها، والإمعان في محاصرة الفلسطينيين في (معتقلهم السياسي):
الفلسطينيون يجتمعون في رام الله . ويختلفون على مكان الاجتماع، وما صدر من قرارات أو توصيات عن الاجتماع لم تكن صالحة لترميم الاختلاف بين من اجتمع ومن تمنع..القضية الفلسطينية في المطحنة الدولية: الأميركية على وجه الخصوص، وأميركا ترى أنها قادرة على فرض الحل على الفلسطينيين: دولة فلسطينية في سيناء، وأخرى إسرائيلية في عموم أرض فلسطين. هذا ما أعلن في أميركا..ما هو رد مصر؟ وما هو رد السلطة الوطنية في رام الله؟.
الشعب الفلسطيني داخل حدود 1948 وخارجها على أرض فلسطين، وفي العالم قاطبة… وحده الذي يملك زمام المبادرة لعرقلة الحل الإسرائيلي لقضيته، وإفهام العالم أن أي حل لقضيته يجب أن يكون مستندا إلى الشرعية الدولية التي تخوله استرجاع حقوقه بالتفاوض برعاية دولية، وإن لم يكن بوسائل المقاومة الأخرى لطرد المحتل من عموم أرضه.
قرر الفلسطينيون عدم صلاحية أميركا كوسيط بين المحتل الإسرائيلي، والفلسطينيين. فمن سيكون راعي لمفاوضات المقبلة؟ الأمم المتحدة هي الجهة المعنية، ولكنها لا تتحرك إلا بطلب وازن من الفلسطينيين مدعوما من جهات دولة مؤثرة. الكتلة العربية هناك غير موحدة، وتحوم حول بعضها شبهات أقرب إلى الحقيقة، تقول بأنهم باعوا القضية واشتروا سلامة نظمهم السياسية وأشخاصهم على رأس سلطات بلادهم. هكذا دائما منذ القدم كانت تباع القضية الفلسطينية بالتقسيط منذ ثورة 1936. الآن تباع القدس قلب فلسطين، إذا ما بيع القلب، سيكون الجسم في خطر محقق.
* لن تموت القضية الفلسطينية، طالما كان هنالك مقاومة فلسطينية،وأقله وجود صوت فلسطيني لم يخفت، يقول لا للاحتلال الصهيوني، بوجود دول وأحزاب ومنظمات لا تزال على عهدها دولَ مقاومةٍ، كسورية وإيران، وحزب الله وحركتي الجهاد وحماس الإسلاميتين، مع ما لهؤلاء من أنصار على مستوى العالمين العربي والإسلامي. لن تنجح أميركا في مشروعها، لعيب تهمله وهو أنها تأتي متنطحة لحل قضية لم تكن يوما تريد حلها، من خلال قرارات (الفيتو) التي اتخذتها ضد الفلسطينيين منذ عام 1948. ظانة أنها مع غض نظر بعض العرب عن أذاها الذي ستسببه لأهل فلسطين بكافة أطيافهم بقرارها المشؤوم إياه، ستنجح بتنفيذ قرارها الأحادي، ومن خارج الشرعية الدولية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/18