المُلك من عند الله.. من الرئيس المؤمن إلى القائد الملهم والأمة تتفكك!
طلال سلمان
يحكم الأمة العربية، بأقطارها جميعاً، نخبة من الأباطرة الذين لا مثيل لأي منهم ولا شبيه: أن واحدهم يستطيع أن يحكم، منفرداً، وان استعان ببضعة من المستشارين، قارة تامة بحجم السعودية أو بلداً يزيد عدد سكانه على المائة مليون بني آدم، بالكفاءة ذاتها التي يحكم بها شيخ قطر النصف مليون من أهل شبه الجزيرة مع “ضيوفهم” الذين يبنون عمرانها ويسلمونه جاهزاً.
مع ذلك، فأن كل إمبراطور يدعي أنه الأعظم إيماناً بالديمقراطية، والأكثر إخلاصاً لحقوق الرعية، والأسرع في انجاز التقدم والتفوق على دول العالم أجمع، ثم أنه الأشد إيماناً بالله وأنبيائه وملائكته المطهرين..
بين من حكم الأمة “الرئيس الخالد” و”الرئيس المؤمن” و”الرئيس إلى الأبد”، و”القائد الملهم” و”قائد كل الأزمنة” الخ..
قبل هؤلاء الأباطرة كانت “الأمة” واحدة، بالتاريخ والجغرافيا، أو بالحلم والتمني، أو بالمصلحة وضرورة حماية الذات..
معهم، ثم من بعدهم، غدا الوطن العربي مزقاً، وصارت شعوبه أمما شتى، تتصارع على الماء والكلأ والبترول والغاز، وتقتتل على المرافئ والموانئ والجزر (السعودية، مصر، الإمارات، اليمن..)
ومعهم وبهم توسع الاحتلال الإسرائيلي وتمدد نفوذ دولة العدو وسقط عنها ثوب العداء، فاعترف بها بعض العرب العاربة فضلاً عن كثير من العرب المستعربة، وصار منطقياً أن تُطالب بدخول جامعة الدول العربية، بل وأن تُطالب بمنصب الأمين العام لأن عندها ألفاً من أحمد أبو الغيط..
وهكذا فأن الوطن العربي يتفكك إلى أرخبيل من “الدول”، بعضها من نفط، وبعضها من غاز، وغالبيتها من أوهام وتخيلات ومصالح للأجنبي على حساب الأمة وأحلام وحدتها وحقها في التقدم.
يتزايد عدد سكان الوطن العربي ويتعاظم فقرهم: حتى رعايا الممالك والإمارات الغنية يعيشون خارج العواصم ذات الواجهات الفخمة، في الضواحي المبنية أكواخها من الصفيح والخشب..
ربما لهذا لم يتعاطف أحد مع أمراء الثروة في السعودية الذين احتجزهم الأمير ـ الوعل محمد بن سلمان وقنص منهم ما فاض من ثروة واحدهم عن المليار دولار باعتبار أن هذا المبلغ من عرق جباههم المدموغة بآثار السجود..
بل أن الأكثرية الساحقة من الرعايا العرب تمنت لو أن أخوانهم من رعايا تلك المملكة التي نُسَّبت قهراً إلى أسرة أخذتها بالسيف والتواطؤ مع بريطانيا بداية ثم مع الولايات المتحدة، من بعد، (ومعهما إسرائيل، تماشيا مع العصر..)، هم الذين نهضوا فاحتجزوا الأسرة المالكة جميعاً قبل أن يحاكموا أفرادها ملكاً وولي عهده وأمراء أثروا بلا تعب وعاثوا في الأرض (والبحر) فساداً يفوق التخيل..
المحزن أن الجمهوريات العربية تأخذ عن الممالك (والإمارات والمشيخات) العربية أسوأ ما فيها: فالحكم لمن غلب، بالسيف أو بالذهب، بالأميركي أو البريطاني (والإسرائيلي في كليهما)… وهكذا فأن “الرئيس” ملك من دون لقب صاحب الجلالة ، ومدة ولايته مفتوحة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً..
وهكذا فأن الوطن العربي ينقسم إلى جمهوريات ملكية، وملكيات عائلية، ورعايا لا يعرفون طبيعة نظامهم، ولكنهم يعرفون القانون السائد في الأرض العربية كافة ومفاده: العصا (أو السيف) لمن عصا.. والمُلك من عند الله يهبه لمن شاء، سبحانه وتعالى..
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/20