لا تتصل ما دام حبيت غيري!
عبدالله المزهر
أيقونة «اتصل بنا» الموجودة في كل المواقع الالكترونية للجهات الحكومية والخاصة واضحة وصريحة بطريقة لا مجال معها للاجتهاد والتحايل، هي ببساطة ووضوح تطلب من المستفيد أو المراجع أن يتصل بهذه الجهة إن هو أراد ذلك، لكنها لم تقل ولم تشر من قريب أو بعيد إلى أن هذه الجهة سترد على هذا الاتصال أو أنها معنية أصلا بالاتصال.
ولذلك تبدو نتائج التحقيق الصحفي الذي أجرته هذه الصحيفة منطقية، ولا يمكن لوم تلك الجهات على شيء لم تعد به من الأساس.
وقد قامت الصحيفة بالاتصال بثلاثين جهة حكومية وأرسلت لها استفسارات عبر أيقونة «اتصل بنا» وردت أربع منها فقط، أما البقية فإنها قامت بالتصرف الصحيح ولم ترد.
والجهات الحكومية مثل البشر، ليس من حقك أن تطلب منهم أن يردوا على اتصالاتك في أي وقت، ربما كانوا في ظروف لا تسمح لهم بالرد على الاتصال، وربما كانت حالتهم النفسية لا تتحمل الحديث مع الغرباء من المراجعين والمتطفلين الذين يسألون عن أشياء لا تخصهم.
والحقيقة أنه يعجبني الثبات على المبدأ والجوهر مهما تغير المظهر، وكثير من الجهات الحكومية أصيلة لثوابتها العريقة، لم تغيرها الشكليات والمظاهر وبدعة المواقع الالكترونية. وإن أجبرهم الزمان والموضة ومجاراة الناس على تغيير في المظهر فإن أيقونة «اتصل بنا» لدى تلك الجهات ما زالت بكل ثبات ووفاء يضرب بها المثل تحمل قلب وروح «صندوق الاقتراحات والشكاوى» الذي لم يكن أحد يهتم بما يوضع فيه.
إنه الثبات في زمن التقلبات والتخلي عن الثوابت والوفاء في عصر الجحود والنكران.
ومثل أيقونة «اتصل بنا» يوجد أيضا الهاتف المجاني الذي لا يجيب عليه أحد في الغالب الأعم، وهو خدمة رائعة تقدمها كثير من الجهات الحكومية والخاصة الهدف منها هو التخلص من الضغط النفسي الذي يسببه التعامل مع هذه الجهات بإحدى طريقتين، الأولى أن تتصل ولا يجيب عليك أحد، فتصرخ وتشتم وتفرغ طاقتك السلبية في الهواء، أما الطريقة الثانية فهي طريقة فيها اهتمام أكثر بالعميل وصحته النفسية، وتكون عن طريق توظيف أشخاص حقيقيين يردون على الاتصالات وتكون مهمتهم الحقيقية هي تلقي شتائم الناس وغضبهم. لكنهم لا يقدمون أي حلول.
حين تتصل بجهة أو مؤسسة أو شركة ثم ترد عليك تلك الموظفة بلطف وتقول لك «معك فلانة كيف أقدر أخدمك؟»، فقل لها بوضوح: أريد أن أشتمك فقط، لأني أعلم وتعلمين أن هذه هي الخدمة الوحيدة التي تستطيعين تقديمها أيتها الأخت الفاضلة، لأني مثلك لا أصدق كذبة «سأرفع طلبك للإدارة».
وعلى أي حال..
عدم الرد على الاتصالات ليس دليلا على عدم الاحترام وقلة الذوق وانعدام المسؤولية لا سمح الله، لكنه ربما شيء من التغلي، وربما تكون هذه الجهة الحكومية في الوقت الذي تحاول فيه دون جدوى أن تتصل بها تضع يدها على خدها وتسمع في حزن عميق أغنية «لا تتصل ما هو لزوم اتصالك.. حتى الرسايل خاطري طاب منها».
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2018/02/02