«صفقة القرن» تبدأ مصرياً
عبد الرحمن نصار
توسيع غزة وسلاح المقاومة تحت «منظمة التحرير»
قررت السلطات المصرية للمرة الثانية هذا العام فتح معبر رفح مؤقتاً لأربعة أيام تبدأ الأربعاء (آي بي إيه)
الخامس عشر من آذار. الكل يجدول أجندته قبل هذا التاريخ، قبيل إعلان دونالد ترامب تفاصيل «صفقة القرن»: محمود عباس يعلن الموقف النهائي في خطابٍ هو الأول له منذ تسع سنوات في مجلس الأمن، مصر تواصل الضغط على «حماس» بقليل من الترغيب وكثير من الترهيب، محمد دحلان يسنّ أسنانه ليعرف ماذا سيأكل من «الكعكة»، الأردن يخشى مقترحات الكونفدرالية وأن تُلقى الضفة في حجره... لكن العائق الأكبر لتمرير كل ما يجب «عُقدة غزة»، وباسم آخر: المقاومة
تستمر زيارة وفد حركة «حماس» للعاصمة المصرية القاهرة، لليوم الثالث عشر على التوالي. وبعد أن رفضت القاهرة دخول عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق قبل عشرة أيام، عادت وسمحت له، ومعه كل من عزت الرشق ومحمد نصر، بالالتحاق بالوفد، الأحد الماضي، بعد طلب وإصرار من قادة الوفد الذين يريدون استغلال قدومهم لإجراء ثاني اجتماع موسع للمكتب منذ انتخابه، كما تفيد مصادر مواكبة للزيارة.
وعلمت «الأخبار» أن الوفد الموجود في القاهرة يضم قيادات من الجناح العسكري للحركة، على رأسهم نائب القائد العام لـ«كتائب القسام»، مروان عيسى، وثلاثة آخرون عرف منهم رائد سعد، وهؤلاء يتواصلون مع القيادة الجديدة لـ«المخابرات العامة» في ملف الأسرى وصفقة التبادل. أما عن طلب هنية المتكرر إجراء جولة خارجية، فإن المصادر قالت إن القاهرة تتذرع في رفضها ذلك بـ«وضع هنية (قبل أسابيع) على قوائم الإرهاب الأميركية». لكن هذا يترافق مع تقييد لحركة الوفد، إذ رفضت السلطات المصرية طلباً لهنية قبل أيام بزيارة مطار القاهرة ومعاينة حالة المسافرين الفلسطينيين العالقين هناك، وهي القضية التي انتهت أمس بعد أكثر من عشرة أيام على معاناتهم.
السيناريو الثاني أن تنفصل «حماس» بإدارة غزة مع دحلان وفصائل أخرى
الأخطر من ذلك، وهو السبب الذي ألحّ من أجله الوفد على إلحاق قيادة الخارج به، وضعُ «حماس» بين خيارين: الأول الموافقة على طلبات السلطة كافة والدخول إلى «منظمة التحرير» مع تعديلات طفيفة على ميثاقها، ومن ثم «تشريع سلاح» الفصائل تحت كنف المنظمة، أما الثاني، فهو الإقرار بانهيار المصالحة وتشكيل إدارة منفصلة بالقطاع يشارك فيها تيار القيادي المفصول من «فتح» محمد دحلان مع من يرغب من الفصائل، على أن تحظى بغطاء سياسي أميركي وعربي (تتكفله مصر) وتمويل خليجي (يتكفله دحلان).
وعلى جانب منفصل، طرحت المخابرات المصرية توسيع «حرم» معبر رفح إلى خمسة كيلومترات مربعة، تمهيداً لإنشاء منطقة تجارية حرة تصل مساحتها إلى 60 كلم مربعاً من مساحة رفح المصرية و16 كلم مربعاً من مدينة الشيخ زويد شمالي سيناء، وهو ما يمهّد لأمرين: الأول توسيع المنطقة الأمنية العازلة مع غزة، والثاني اعتبار هذه المساحة لاحقاً بمنزلة «توسيع» لحدود القطاع لكن تحت عنوان المعبر، بل قيل صراحة إن هذه المناطق (رفح المصرية والشيخ زويد) هي «جزء من غزة التاريخية».
وكبادرة «حسن نية»، فتحت السلطات المصرية في اليومين الماضيين بوابة صلاح الدين التابعة لمعبر رفح والخاصة بإدخال البضائع، كما قرروا فتح المعبر نفسه أربعة أيام في الاتجاهين بدءاً من اليوم الأربعاء، وفق ما أعلن أمس. كذلك، اقترحوا أن يستفيد سكان القطاع من مطار العريش، وذلك بمدّ «حرم المطار» على بعد 5 كلم في كل الاتجاهات ليتصل بالمنطقة المذكورة ويصير أشبه بمنطقة دولية مشتركة.
أما عن نتيجة ما أجابت به «حماس» بشأن «محور المقاومة» (راجع العدد ٣٣٩٧ في ١٦ شباط) ومدى استعدادها للمشاركة في أي حرب كبيرة تبدأ من شمال فلسطين، فكان الرد المصري «حاسماً» لجهة أن تخبر الحركة القاهرة بنيتها السير في المسار السياسي والاقتصادي معها أو مع طهران، وأنه لا يمكنها المناورة بين الجانبين. هنا، عاود الوفد الزائر تأكيد أن «حماس» لا تريد حرباً في «الجنوب»، غزة، وليست معنية بمواجهة مع إسرائيل حالياً، لكن في المقابل يجب تحسين الأوضاع في القطاع، وهو الأمر نفسه الذي أعلنه السفير القطري محمد العمادي من غزة (راجع عدد أمس).
جزء من المعروض مصرياً ردّت عليه «حماس» بطريقة مبطنة، إذ قال نائب رئيس الحركة في غزة، خليل الحية، إن «الوفد عبّر عن رفضه كل الحلول التي تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني... وفد الحركة أكد خلال اللقاء مع وزير المخابرات المصري عباس كامل أن فلسطين للفلسطينيين ومصر للمصريين». وحدّد الحية متطلبات الحدّ الأدنى التي تريدها «حماس» من القاهرة بالقول إنها «إنهاء أزمة معبر رفح بشكل كامل، والعمل على إنهاء المعاناة التي يعيشها سكان غزة، وتحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية».
أما في ما يتعلق بدحلان، فرفضت الحركة تشكيل لجنة لإدارة غزة في الوقت الحالي حتى لا تُتّهم بالانفصال، لكنها أبدت قبولها البحث في تشكيل «جبهة إنقاذ» تكون أوسع من «لجنة التكافل» الحالية، وتشارك فيها أيضاً الفصائل، على أن يعلن أنها ليست بديلة للحكومة.
من جهة أخرى، أثار النقاش المصري مع «حماس» غضب السلطة وحركة «فتح»، وإن كانت التقديرات عند الأخيرة لا تزال ترى أن أي تسريب يتعلق بدحلان هدفه استفزاز رام الله وإجبارها على السير ضمن الرؤية المصرية، وهي التي ترى فيها السلطة أنها تتماشى كلياً مع متطلبات «صفقة القرن» الأميركية. في هذا السياق، قال عضو مركزية «فتح»، جبريل الرجوب، إن «تبنّي القاهرة لدحلان لا يليق بمصر. مصر كانت جزءاً من قرارنا في فصل دحلان...
يرافق وفد المكتب السياسي قياديون عسكريون منهم نائب قائد «القسام»
القرار تمت مناقشته مع أغلب الدول العربية... كنا نتوقع أن يكون هناك حوار بين مصر وفتح، لأن المصالحة تتطلب وحدة وطنية تقرّ بالشرعية الدولية والدور المستقبلي للدولة الفلسطينية في الاستقرار الإقليمي، وهذا لن يكون إلا مع فتح».
في غضون ذلك، قالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، في تقرير أمس، إن «المخابرات المصرية تمارس في الأيام الأخيرة ضغطاً شديداً على حماس لتعزيز المصالحة مع فتح، وتسليم السيطرة على غزة للسلطة... المصريون يشعرون بالقلق إزاء الوضع الإنساني في القطاع، ويحاولون إيجاد صيغة لتنفيذ المصالحة، لكن التقديرات تشير إلى أن حماس وفتح لم تتوصلا بعد إلى حل توافقي»، مشيرة في الوقت نفسه إلى حضور قيادات عسكرية في الوفد الحمساوي.
أما صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية فقالت، أول من أمس، إن مصادر في السلطة أخبرتها أن الأخيرة تريد السيطرة على أجهزة الأمن والقضاء ووزارة المالية لتعتبر نفسها قد أمسكت بالقطاع كلياً، وإنها لن تصبر على «حماس» أكثر من نهاية الشهر الجاري للوصول إلى هذه النتيجة، وقد أبلغتها ذلك في رسالة «تحذير» في الثالث عشر من شباط.
«سباق» قطري ــ إماراتي في القطاع
شهّر الإعلام السعودي والإماراتي بالعمادي بعناوين مثل «طرد السفير القطري ورشقه بالأحذية» (أ ف ب)
احتفت وسائل الإعلام التابعة للدول المقاطعة للدوحة بحادثة اعتراض موكب السفير القطري محمد العمادي في قطاع غزة (راجع عدد أمس)، وخَصّصت تغطية واسعة حول هذه الحادثة التي وجدت فيها فرصة للتشفّي، وذلك بعد أن أعلنت الإمارات نيّتها تقديم منحة بمليوني مليون دولار كمساعدات للقطاع الطبي المنهار في غزة. وكان عمال شركات النظافة في مستشفى الشفاء قد اعترضوا موكب العمادي بعد إعلانه منحة بتسعة ملايين استُثنيت فيها تغطية مستحقات هؤلاء، تاركاً مشكلتهم لرام الله، ما أثار غضبهم. وجاءت التغطية الخليجية تحت عناوين مثل طرد مندوب قطر ورميه بالأحذية، لتحصد نسبة تفاعل عالية على مواقع التواصل الاجتماعي.
«السباق» الإماراتي بدأ عملياً مع فرض الدول الخليجية المقاطعة على الدوحة، إذ بدأت الأخيرة الانسحاب تدريجياً من تقديم المساعدات في القطاع، وأقدمت على إغلاق عدد من مؤسساتها وقلصت ميزانيتها الإغاثية لتصل إلى ثلاثة ملايين دولار فقط في 2018، مع إجراءات أخرى، بذريعة وجود عجز مالي. بعد ذلك، تقدمت أبو ظبي على نحو ملحوظ في دعم ملف المصالحة المجتمعية قبل إعادة تجميده في تشرين الأول الماضي، إضافة إلى دعم مشروعات «لجنة التكافل» التي يترأسها محمد دحلان. وكان لافتاً اصطحاب السفير القطري مسؤول «الأونروا» في غزة، ماتياس شمالي، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها قطر مشاريع بحضور «الأونروا».
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/02/21