آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

التفجيرات العبثية... من تركيا إلى إندونيسيا


قاسم حسين

لا يمكن إيجاد أي تفسير منطقي أو سياسي أو عسكري لهذه التفجيرات التي تضرب مساحة واسعة من بلدان العالم على يد التنظيم اللقيط (داعش)... غير الجنون.

لن تجد تنظيماً عسكرياً أو مخابراتياً أو أيديولوجياً، يمكن أن يوجّه ضرباته ضد القناة شبه الوحيدة التي يتنفس من خلالها وتبقيه على صلةٍ بالعالم، لا في القديم ولا في الحديث، إلا أن يكون تنظيماً من دون عقل.

أي حركة سياسية أو تنظيم عسكري، لابد أن تكون له أهدافٌ يسعى لتحقيقها، وأداء تنظيم «داعش» يدلّ على أنه تنظيمٌ فوضوي بكل معنى الكلمة، لا يحمل هدفاً يمكن أن يقنع به الرأي العام سواءً في البلدان التي تمكن من إيجاد موطئ قدم له فيها، أو بقية بلدان العالم التي يوجّه لها ضربات طائشة بين الحين والآخر.

هذا الأداء، يكشف أيديولوجية التنظيم القائمة على العبث المطلق. وهو ما ألّب ويؤلب عليه جميع شعوب الأرض وحكوماتها، حتى تلك التي وفّرت له غطاءً إعلامياً مشجّعاً في بداية انطلاقته، ومنحته اسماً حركياً له نغم موسيقي باللغة الأجنبية (ISIS)، اختصاراً لعبارة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، التي أريد لها أن تكون نواةً لمشروع تفتيت المنطقة، عبر اللعب على تناقضاتها الطائفية والمذهبية.

هذا التنظيم الذي استقطب شذّاذ الآفاق، من أكثر من مئة دولة، وُجّه كرأس حربةٍ ليصيب قلب المنطقة (الشام والعراق)، حيث أكبر دولتين ضاربتين في جذور التاريخ، على ضفاف دجلة والفرات. وفي فترة الهياج الأولى، انطلقت وسائل إعلام وقنوات فضائية شتى لتبريره ثورياً، وتأييده عشائرياً، ولكن أداء التنظيم الوحشي أخذ يؤلب عليه الرأي العام الدولي والشعبي، رويداً رويداً. فعمليات القتل الجماعي وقطع الرؤوس، وحرق الأسرى وسبي النساء، كشفت بسرعة عن نفسيةٍ دمويةٍ يتمتع بها هذا التنظيم، وأدت إلى إيجاد حالة من التقزّز والنفور العارم من هذه الجرائم البشعة.

الخطأ القاتل الأكبر لـ «داعش» هو استعداء داعميه ومؤيديه والمتعاطفين معه، ليس بعملياته الدموية فحسب، بل بإشهار عدائه لهم، وتهديده بغزوهم، واستخدامه لغةً فاحشةً ضدهم. وقد ذهب في هذا المسعى إلى درجة اللامعقول، حين كفّر رئيس دولة داعمة له، وهدّد بقتله وسبي زوجته! وحين تم أسر الطيار الأردني معاذ الكساسبة بعد إسقاط طائرته، قام التنظيم بحرقه بصورة بشعة جداً، حيث وضعه في قفص وصبّ عليه الزيت وأشعل النار في جسده. كان منظراً فظيعاً مرعباً، لم يخطر ببال ألفريد هيتشكوك، ملك أفلام الرعب الشهير، لكن العالم شاهده على شاشات التلفزيون في مختلف بقاع الأرض.

التنظيم صوّر المشهد الدموي، وبتقنية عالية الجودة على أيدي مختصين، وأرفقه بموسيقى تصويرية، هادفاً من وراء ذلك إرعاب أعدائه وسكّان الأراضي التي أصبحت تحت قبضته، ولكنه لم يحسب حساباً إلى أن هذه الدعاية المرعبة تنقلب عكسياً إلى كراهية ونفور، ولن تنجح إلا في استقطاب العناصر المحبطة أو الانعزالية أو الباراسيكلوجية، ولا يمكن أن تقيم دولةً على أكتاف هذه العناصر الشاذّة الخارجة عن النسق الإنساني العام.

هذا التنظيم الفوضوي الذي امتهن العبث بأرواح البشر، يقع في خطأ قاتل أكبر، حين يوسّع دائرة استهدافاته، ويضاعف من أعداد أعدائه. وإذا كان استهدافه لتركيا بمثابة توجيه السهم إلى الرئة التي يتنفس منها، فإن استهداف أكبر بلد إسلامي سكاناً، يقع على بعد آلاف الأميال من أرض المعركة الرئيسية، إنما يدلّ على حالة متقدمة من الجنون. فما هي مصلحة التنظيم من هذا التفجير؟ وماذا سيكسب استراتيجياً غير تحويل 255 مليوناً من الإندونيسيين إلى أعداء؟

الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/01/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد