تدمير سوريّة توطئة للقضاء على فلسطين
زهير أندراوس
منذ إقامة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطينيّ، بمساعدة ومباركة الغرب الاستعماريّ، وتواطؤ بعض القيادات العربيّة آنذاك، لم ينفّك أقطاب هذه الدولة المارقة عن التصريح جهارًا- نهارًا أنّ سوريّة، كانت وما زالت وستبقى مستهدفةً للأطماع الصهيونيّة، التي تتخطّى حدود فلسطين التاريخيّة. فها هو دافيد بن غوريون، “المؤسّس″، أكبر مثال على ذلك، فهو الذي أطلق مقولته الخبيثة: “عظمة إسرائيل لا تكمن في ترسانتها النوويّة، بل في القضاء على مصر والعراق وسوريّة”، وبالتالي لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، الفصل بين ما يجري هذه الأيام في سوريّة عن الماضي والتاريخ والأجندات الصهيونيّة والغربيّة الاستعماريّة معها، ذلك أنّ تقسيم سوريّة لم يغب يومًا عن الاستراتيجيات الصهيونيّة منذ ما قبل زرع إسرائيل.
*
من نوافل القول إنّ مؤسسي الصهيونية وأقطاب الدولة العبريّة كانوا يستهدفون سوريّة بشكلٍ دائمٍ ومنهجيٍّ، إنْ كان ذلك في أدبيات هرتسل وجابوتنسكي، ومن ثمّ في مرحلة ما قبل عدوان 1967، أوْ في مرحلة ما بعد ذلك العدوان. فسوريّة بالنسبة لهم كانت وما زالت وستبقى العدّو الأوّل والأخطر في مجموعة الدول العربيّة المحيطة بدولة الاحتلال، وقد ازدادت هذه النظرة إلى سورية حدّة في أعقاب حرب 1973، وبشكلٍ خاصٍّ بعد أنْ تهافت الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وراء التسوية، والتوقيع على معاهدة كامب ديفيد، حينها بقيت سوريّة الدولة العربيّة المجاورة الوحيدة التي تتخذ موقفًا علنيًا رافضًا للتسويات والتطبيع، وقد تعامل ساسة وقادة إسرائيل مع سوريّة على مدى سنوات السبعينيات أو الثمانينيات مرورًا بالتسعينيات، وصولاً إلى أيامنا هذه، بوصفها الدولة العربيّة التي تُشكّل تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل، وما زالت تل أبيب تعمل على إسقاطها من الأجندة.
*
سوريّة، وربمّا لبنان بفضل حزب الله، بقيت اليوم وحيدةً في المعركة، بعد أنْ أدار العرب ظهرهم لها، ولم يتورّعوا عن طردها من جامعة الدول العربيّة، ومع ذلك يُواصل جيشها العربيّ العقائديّ، بمٌساعدةٍ من إيران وحزب الله وروسيا، خوض معركةٍ شرسةٍ ضدّ القوى التي تكالبت عليها من جميع أصقاع العالم، فمصر، أكبر دولة عربيّة، تمّ إخراجها من محور الممانعة والمقاومة عام 1979 بعد التوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل. والأدهى من ذلك، أنّ القاهرة اليوم، لا تُقيم علاقات دبلوماسيّة مع دمشق، وسحبت سفيرها من سوريّة، وطردت السفير السوري. تدور هذه الوقائع العبثيّة، فيما تُعلن تل أبيب أنّ الرئيس المصريّ السيسي هو كنز إستراتيجيٍّ، وفي الوقت عينه تُوقّع مصر على اتفاقية لشراء الغاز الطبيعيّ من دولة الاحتلال بقيمة 15 مليار دولار، علاوةً على قيام سلاح الجوّ الإسرائيليّ بتنفيذ مئات الهجمات على معاقل تنظيم “داعش” في سيناء، بحجّة مُحاربة الإرهاب، مع أنّ الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي العربيّة، هو أعلى مراحل الإرهاب، واحتلال إسرائيل لفلسطين كان وما زال من أخطر الجرائم التي ارتُكبت في العصر الحديث.
*
ولعلّ في الإشارة الموثقّة لجملةٍ من مواقف قادة الدولة العبرية تجاه سوريّة عبرة لمَنْ يُريد أنْ يعتبر من المجيشين المضللين في أخطر حملةٍ أمريكيّةٍ صهيونيّةٍ لإسقاط سوريّة الدولة والوطن والتاريخ والحضارة والتهديد. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، في 1988، قال الضابط افرايم لبيد إنّ سوريّة ما زالت تُشكّل العدّو الأوّل، والجيش الإسرائيليّ يبذل الجهود كافة استعدادًا لمواجهة هذا التهديد، أمّا يتسحاق رابين فعبّر عن قلقه من تحالف القوى العسكريّة العربيّة عمومًا وقال: قليلون هم الذين يُلاحظون حجم كميّات الأسلحة الحديثة التي بحوزة الجيوش العربيّة، ففي السنوات الأخيرة بذلت الدول العربيّة مثل سوريّة والعراق جهودًا خاصّة للحصول على أسلحةٍ حديثةٍ مثل صواريخ أرض- أرض، فاليوم تستطيع سوريّة والعراق إطلاق صواريخ أرض- أرض تحمل رؤوسًا متفجرّة بوزن يتراوح بين نصف طن إلى طن باتجاه إسرائيل، وزاد: لدى سوريّة عدد من الدبابات يُساوي ثلاثة أضعاف تلك التي بحوزة فرنسا، وجزم قائلاً إنّ التهديد الفوريّ لإسرائيل هو من جانب سوريّة.
*
مُضافًا إلى ما ذُكر أعلاه، وهناك العديد من تصريحات قادة إسرائيل التي تؤكّد بشكلٍ غيرُ قابلٍ للتأويل أنّ بلاد الشام ما زالت تُشكّل الخطر الاستراتيجيّ على إسرائيل. وفي هذا السياق، لا بدّ من الاستعانة بالبروفسور الإسرائيليّ المناهض للصهيونية يسرائيل شاحك، الذي كان أكثر إصابة وتصويبًا في فكّ رموز الإستراتيجيّة الإسرائيليّة عندما قال: إنّ إسرائيل لا يُمكن أن تسمح لأيّة دولةٍ في الشرق الأوسط بتطوير إمكانات نوويّة أوْ إستراتيجيّة، وتُعطي لنفسها الحق في استخدام ما تراه مناسبًا من وسائل لمنع مثل هذا الاحتمال حتى تبقى في وضع احتكار التفوق العسكريّ، على حدّ قوله. وغنيٌ عن القول إنّ إسرائيل مدعومةً بالمُطلق من أمريكا، التي سمّاها حكيم الثورة وضميرها، الشهيد جورج حبش: رأس الحيّة.
***
خُلاصة الكلام: أمريكا تضّخ مئات المليارات لضمان تفوقّها العسكريّ على جميع دول العالم، وإسرائيل تتلقّى الدعم الماديّ والمعنويّ من واشنطن، ونقل السفارة الأمريكيّة لإسرائيل في ذكرى النكبة هو أكبر دليلٍ على أنّ أمريكا في عهد ترامب مستمرةً في مُساندة دولة الاحتلال في جميع المجالات. بناءً على ما تقدّم، وبحسب كلّ الدلائل والمؤشرات، نعتقد أنّ ما يجري في سوريّة من تدّخلٍ عسكريٍّ خارجيٍّ ومن تدميرٍ منهجيٍّ ومن إصرار على إسقاط سوريّة، أوْ على الأقّل تقسيمها، لا يخدم في المحصلة العامّة من الناحية الإستراتيجيّة سوى الأجندة الصهيونيّة، وكما هو معروف فإنّ إسرائيل مرتبطة ارتباطًا عضويًا بالأجندة الإمبرياليّة، والتقارير التي تُنشر في وسائل الإعلام العبريّة والغربيّة عن تحالفٍ إسرائيليٍّ مع الدول المُصنفّة وفق مُعجم تل أبيب بـ”الدول العربيّة السُنيّة المُعتدلة”، هو تأكيد آخر على أنّ الأمور تغيرّت بشكلٍ مُثيرٍ ولافتٍ: فقد أصبحت إيران، وفق هذه الدول العدّو رقم واحد، فيما نتنياهو يؤكّد بمُناسبة أوْ بغيرها أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة هي مصدر الشرّ والإرهاب في المنطقة، وتساوق المصالح بين تل أبيب والدول الـ”عربيّة المُعتدلة”، لا يُشكّل خطرًا على سوريّة فقط، بل ربمّا يكون هو المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينيّة، التي كما ذكر الجنرال عاموس يدلين، (25.02.18) مدير مركز أبحاث الأمن القوميّ في تل أبيب، باتت هامشيةً وثانويّةً بالنسبة للمجتمع الدوليّ.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/02/27