هل التوازنات العسكرية الروسية التي رسمها خطاب الرئيس بوتين قد عجلت اللقاء المرتقب بين ترامب ورئيس كوريا الشمالية؟…
أحمد عبد الباسط الرجوب
في رسالته السنوية إلى الجمعية الفدرالية الروسية في خطابه الأخير في 2 مارس /آذار 2018 للرئيس بوتين فيما وصف بأنه واحد من اقوي خطاباته ” وهو الخطاب رقم 14 منذ وصول بوتين للسلطة عام 2000 ” وعلى مدى ساعتين حيث قوطع عدة مرات بالتصفيق الحار من الحضور وفي استعراض للقوة وهو ما يذكرنا بخطابات الزعماء السوفيت وخاصة العهد الستاليني فقد صرح عن قيام الصناعات العسكرية الروسية بتطوير أسلحة ردع إستراتيجية إضافة إلى أنها تمتلك ” أي روسيا ” ترسانة نوويه وتستطيع الحد من الهيمنة والنفوذ الأمريكي…
لقد استمعت جيدا لخطاب الرئيس بوتين والذي أجزم على وصفة بأنه ” خطاب التحدي ” والذي يمكن تحليله من زاويتين وعلى المستويين الداخلي والخارجي ، فقد حمل الخطاب الكثير من الرسائل والتي نوجزها بالنقاط التالية:
يعد خطاب بوتين بأنه غير مسبوق حيث أراده خطاب لا ينسى من خلال المؤثرات التي استعرضها فقد خاطب ودغدغ عواطف وحماسة الروس الوطنية وبعث فيهم الشعور بنشوة القوة…
على الصعيد الداخلي يقول للروس أنه لم ينجح في حللة كثير القضايا المعيشية والاقتصادية ومعدلات الفقر والكثير من القضايا لأنه على مدى عشرين عاما كان منشغلا في تطوير أسلحة إستراتيجية حديثة لمواجهة التحديات الخارجية وخاصة الأمريكية ، فقد أراد توصيل هذه الرسالة على أبواب الانتخابات الرئاسية القادمة والتي ستبقيه في الكرملين لست سنوات قادمة..
على الصعيد الخارجي إشارة إلى أن روسيا أصبحت الآن في وضع أفضل من السابق ، ويمكنها أن تتذمر وتقول للعالم وخصوصا الولايات المتحدة لم تريدوا أن تسمعونا في السابق وعليكم أن تسمعونا وعليكم أن تجلسوا معنا على طاولة المفاوضات ، ليس فقط لأن روسيا تمتلك قوة ردع إستراتيجية حديثة بل لأنها تملك عدة ملفات أن كانت من سوريا وصولا إلى الملفات الإقليمية والدولية المختلفة وهى قادرة على تعطيل مجلس الأمن ، ولا تقبل أن تكون روسيا تابع مثلما كان الخبراء الأمريكيون يجلسون في وزاراتنا ويتحكمون بها ونحن الآن قادرون على إدارة أنفسنا بأنفسنا…
وفي اعتقادي أن الرئيس بوتين أراد توجيه استعرض القوة الروسية على غرار نشر حلف الناتو مؤخرا (NATO) North Atlantic Treaty Organization منظومة صواريخ جديدة في رومانيا وبولندا والأسكا… ، وفي المقابل قد يكون إعلان بوتين عن هذه الأسلحة هي رسالة للداخل لمواطنيه كاستثمار انتخابي قبل سبعة عشر يوما من الانتخابات الروسية القادمة والتي ستجري في البلاد والتي ستضمن فوزا سهلا للرئيس بوتين كونها إحادية الجانب في ظل عدم وجود مرشحين منافسين أقوياء أمام الرئيس بوتين …
وفي هذا السياق اعتقد بأن روسيا لا يعنيها كيف ستتعامل واشنطن مع خطاب الرئيس بوتين والذي أعلن فيه نهاية زمن التفرّد الأميركي بالقوة التقليدية والنووية وهنا يظهر بوضوح الغطرسة الأمريكية الذي عبرت عنه المتحدثة باسم البنتاغون، ” دانا وايت “، خلال مؤتمر صحافي بهذا الخصوص ” لم نتفاجأ بهذه التصريحات، وعلى الشعب الأميركي أن يكون متأكداً من أننا جاهزون تماماً، ودفاعاتنا الصاروخية لا تستهدف روسيا وإنما هي دفاعية ضد تهديدات محتملة من كوريا الشمالية وإيران ” ، وعلى غرار هذا التسابق في التسلح الصاروخي ما بين روسيا وأمريكا فقد صرح مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية ” البنتاجون ” بأن الحرب القادمة ستكون من الفضاء ولهذا فقد زودت ميزانية التسلح هذا العام بنسبة (20%) لتصبح (7.5) مليار دولار وفي العام القادم إلى (8) مليار دولار…
لقد بدأ واضحا للعيان وعلى الصعيد الدولي تأثير الصعود الروسي علي السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط ومدى أبعاد الصعود الروسي في النظام الدولي والتحديات التي تواجهه تجاه منطقة الشرق الأوسط وتداعيات الصعود الروسي علي السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية (2011 – 2015 ) ، حيث تشير كافة المؤشرات والتي تفيد بأن روسيا تتخذ الكثير من الخطوات من أجل تحقيق التقدم في المجالات الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية، حيث يمكن التوصل أيضاً إلى أن الأزمة السورية أزمة كاشفة لمدي التغيرات والتطورات التي شهدها النظام الدولي ، حيث أن الدور الذي لعبه بوتين في حل الكثير من المشاكل ونقل روسيا من مرحلة المعاناة إلي مرحلة الصعود ولا يمكن القول بان روسيا فقط بحاجة إلي منطقة الشرق الأوسط فقط بل الشرق الأوسط في حاجة إلى إقامة علاقات قوية وفاعلة مع روسيا في ظل الممارسات الشيطانية التي كانت قد مارستها الولايات المتحدة في منطقتنا العربية منذ هروبها من لبنان عام 1982 واحتلالها للعراق عام 2003 وتأسيها لعشرين قاعدة عسكرية في شرق الفرات في سوريا ، كما لا ننسى انحيازها المطلق لدولة الكيان الصهيوني بالفيتو الأمريكي بمجلس الأمن وأخرها ما أقدم عليه تاجر العقارات ترامب باعتبار القدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية للقدس العربية…
التوازنات العالمية التي رسم صورتها خطاب بوتين، تلقّى ترجمتها في سلوك ترامب، فالرئيس ترامب مثل غيرة من الرؤساء الأمريكيين يريد انجازا يكتب له في تاريخه السياسي لنفسه، وكما كان إنجاز باراك أوباما الملف النووي الإيراني ، يريد ترامب أن يكون إنجازه الملف النووي العسكري لكوريا الشمالية. وكوريا لم تكن يوماً هاوية تكديس ثروات شعبها في صواريخ لن تُستَخدَم، بل سلكت هذا الطريق لانتزاع حق شعبها بالاعتراف بها دولة سيّدة ومستقلة تنفتح لها الأسواق وتُفتح لها السفارات، مقابل ضمان أمنها بإخلاء شبه الجزيرة الكورية، شمالاً وجنوباً من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، وها هي تعرض القمة تحت هذا العنوان، فيقبل ترامب بلقاء القمة برغم اعتراض وزير خارجيته تلرسون، وذلك بالنظر إلى اختلاف موازين القوى العالمية حيث أنّ أميركا أصبحت الدولة الثانية في العالم في القوة العسكرية، وعليها أن تسارع في قبول المعروض عليها بوساطة المبادرة الروسية الصينية.
وفي سياق الحديث عن لقاء القمة الأمريكي الكوري الشمالي فقد قال الرئيس ترامب إنه فرح باللقاء لأنّ كوريا الشمالية مستعدّة لنزع سلاحها النووي، متوجّهاً بالشكر للصين على دورها في التمهيد لتسوية سلمية للملف النووي لكوريا الشمالية، لكن الأصل هو كيف ترتّب اللقاء، وهو ما يتجاهله الأميركيون إعلامياً، ففي 11 كانون الثاني / يناير 2018، قبل شهرين قال بوتين في لقاء مع رؤساء تحرير وسائل الإعلام عن رئيس كوريا الشمالية ” إنه رجل سياسي ماهر تماماً وناضج وأعتقد أنّه قد فاز في هذه الجولة ، لقد أتمّ مهمته الإستراتيجية ولديه سلاح نووي، صاروخ يصل مداه إلى 13 ألف كلم يستطيع عملياً الوصول إلى أيّ مكان على الأرض، أيّ مكان في أراضي عدوّه المحتمل ” ، ونعتقد بأن الأمريكيين قد فهموا من كلام بوتين أن الرئيس الكوري أصبح بيده سلاح ردع يمكن أن يستخدمه ضد الولايات المتحدة الأمريكية ، ناهيك عن الإشارة غير المباشرة بأن روسيا والصين هما الداعمتين للرئيس الكوري في تحديه للولايات المتحدة …
واعتقد هنا بأن خطاب بوتين الاستراتيجي الأخير كان له صداه المزلزل على الساسة والعسكريين الأمريكيين ، وهو الأمر الذي كان له التأثير المباشر على قيام رئيس مكتب الأمن القومي في كوريا الجنوبية بجولات مكوكية أفضت لترتيب قمة بين زعيمي الكوريتين ” الجنوبية والشمالية ” وبترحيب صيني روسي، أعقبتها موافقة زعيم كوريا الشمالية على لقاء قمة مع الرئيس الأميركي تحت شعار قديم لكوريا الشمالية كانت ترفضه أميركا وهو شبه جزيرة كورية خالية من السلاح النووي، بما يعني إخلاء واشنطن أسلحتها النووية من كوريا الجنوبية مقابل تخلّي كوريا الشمالية عن سلاحها النووي، وسحب واشنطن منظومة ثادTerminal High Altitude Area Defense (THAAD) الصاروخية التي تنصبها في كوريا الجنوبية وهي جميعها مطالب روسية صينية، والمفاجأة لم تغِب عن المسؤول الأمني الكوري الجنوبي شانغ وي يونغ لدى لقائه الرئيس الأميركي في البيت الأبيض مؤخرا، وتلقيه الموافقة على القمة الأمريكية الكورية الشمالية.
وأخيرا وليس أخرا فهل تفضي نتائج قمة ترامب إلى شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي، بما يعني إخلاء واشنطن أسلحتها النووية من كوريا الجنوبية مقابل تخلّي كوريا الشمالية عن سلاحها النووي، وسحب واشنطن منظومة ثاد الصاروخية التي تنصبها في كوريا الجنوبية وهي جميعها مطالب روسية صينية، والمفاجأة لم تغِب عن المسؤول الأمني الكوري الجنوبي شانغ وي يونغ لدى لقائه الرئيس الأميركي في البيت الأبيض أول أمس، وتلقيه الموافقة على القمة.
وختاما فهل يتعلم العرب ويأخذ العبرة من الرئيس الكوري الشمالي ” كم جونغ أون ” واستثمار ثرواتنا الهائلة ” المادية والبشرية ” بالصناعات العسكرية حتى يحسب العالم ذات يوما بوجودنا على كوكب الأرض … لا حول ولا قوة إلا بالله.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/03/12