حُرّرت الغوطة واحتُلّت عفرين.. ماذا بعد؟
الدكتور محمد بكر
كان مؤلماً بالنسبة لنا مشهد دخول القوات التركية إلى مدينة عفرين ورفع العلم التركي على سارية مجلس البلدية هناك، شهران على ماسمي تركياً عمليك غصن الزيتون، الكل كان يتوقع أن تطول المعركة هناك، ولاسيما بعد قرار دمشق إرسال قوات شعبية تقاتل مع الجيش السوري لدعم قوات حماية الشعب، وقتال ماسمته دمشق عدواناً تركياً، طول المعركة الذي كان متوقعاً ينبع من المد البدهي لكل ماتم إرساله من قوات، بجميع عوامل الصمود وإيلام التركي، لكن ماحدث هو العكس تماماً، مايشي ربما عن تنسيق أو علم مسبق لحلفاء دمشق لجهة إتاحة الفرصة للقوات التركية، مقابل التزامات تعهد بها الجانب التركي بمرحلة مابعد السيطرة على عفرين، والتخلي عن دعم كل الفصائل العسكرية المحسوبة عليه في جبهات أخرى من سورية.
رفع العلم التركي يبعث برسائل سياسية ذات مضامين كبيرة، أقلها ظهور الوجه الحقيقي للاندفاعة العسكرية التركية في سورية، وان كل الحديث التركي عن أن لا نيات لديه لاحتلال أراضٍ سورية وأنه مع وحدة الجغرافية السورية، وبصدد إقامة منطقة آمنة لإعادة ما تسميه تركيا السكان الأصليين، كل ذلك يؤول للسقوط، مع السياسة التركية غير مأمونة الجانب والتي تنطلق من منطق السلطان، والجميع تابع قبل أيام من احتلال عفرين كيف أعلن أردوغان استراتيجيته العسكرية في سورية بالفم الملآن، وأن منبج ستكون المحطة الثانية وصولاً لشرق الفرات، ولا احد يستطيع منع تركيا، كل ذلك اليوم يضع بوتين أمام أول تحدٍ له بعد نجاحه المتوقع في الانتخابات، وشكل التعامل مع السلوك التركي في الشمال.
كان محقاً الرئيس الأسد عندما قال في جولته في الغوطة الشرقية بأن المعركة أكبر من سورية، هي باتت تخضع لتجاذبات وكباش وتناطح الرؤوس في العالم وتالياً فإن دخول التركي إلى عفرين بهذا الشكل هو جزء من صراع المحاور العالمي ومايرخيه على المشهد السوري.
القمة الثلاثية المرتقبة خلال الشهر المقبل التي ستجمع تركيا وإيران وروسيا، ربما ستجيب على الكثير من التساؤلات وتضع أردوغان على محك الالتزمات، وماهي ملامح وماهية حراكه العسكري في سورية، وماهي حدوده ومنتهاه، من هنا فإن السؤال الأبرز في هذا الإطار؟ ماذا لو لم يفي التركي بتعهداته واستمر في عملياته العسكرية، هل ينتظر الروسي صداماً عسكرياً تركياً أميركياً وهو مايصب في مصلحته؟ وماذا لو جاءت الأمور على غير المتوقع وسعت الولايات المتحدة ولاسيما إذا ماسلمت بخسارة حلفائها الكرد، سعت للاتفاق مع الجانب التركي واستثمرت تطلعاته في سورية لجهة البقاء في الأراضي التي يسيطر عليها في محاولة للضغط على الروسي ، وهل يقود ذلك لعودة العلاقة الروسية مع الكرد وإعطاء الضوء الأخضر لدمشق بتسليح القوات الشعبية وقوات حماية الشعب بأسلحة إستراتيجية تؤلم التركي؟ ومن هنا نقرأ ونفهم البيان الصادر عن الإدارة الذاتية لعفرين وماعدته كراً وفراً وأنها ستعاود استهداف القوات التركية واستعادة ما خسرته من مناطق في الشمال.
ماعلينا إلا الانتظار لمعرفة ماستشهده الأيام القادمة وهي لاشك مهمة ومفصلية في يوميات الحرب السورية ، ومن الصعب التكهن بمخرجاتها لاسيما مع طرف مثل التركي من المستحيل الاستقراء السياسي لسلوكه الطافح بالتلون وعدم الثبات.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/03/20