آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عقل صلاح
عن الكاتب :
كاتب فلسطيني وباحث مختص بالحركات الأيديولوجية.

صفقة القرن والدور السعودي


د. عقل صلاح

بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، لعبت السعودية دورًا محوريًا في المساعدة على تنفيذ رؤيته الجديدة لما سماه بالشرق الأوسط الجديد، وتحديدًا تجاه القضية الفلسطينية التي وصفها “بصفقة القرن”.

فكبير مستشاري ترامب، جاريد كوشنر قام بإعداد خطة سلام بين العرب وإسرائيل بالاتفاق مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتتضمن خطة كوشنر تنازلات كبرى من أطراف عربية على رأسها السعودية والإمارات عن العديد من ثوابت القضية الفلسطينية، ويهدف الاتفاق إلى إنشاء دولة فلسطينية مدعومة ماليًا من قبل عدد من الدول على رأسها السعودية، ومن هذه التنازلات حكم ذاتي وتبادل للأراضي مع مصر والأردن.

فقد أكد الكاتب مايكل وولف في كتابه “النار والغضب داخل بيت ترامب الرئاسي” بأنَّ ترامب سينقل السفارة إلى القدس، وسيعيد صناعة الشرق الأوسط، وسيحل القضية الفلسطينية من خلال ضم الضفة الغربية للأردن، وغزة لمصر.

وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز اقترح بن سلمان على الرئيس عباس خلال زيارة مفاجئة في 6تشرين الثاني/نوفمبر2017، الحصول على دولة غير متصلة في الضفة والقطاع من دون أن تكون لديهم السيادة الكاملة على الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم؛ ولن يتم إخلاء معظم المستوطنات اليهودية في الضفة؛ ولن يحصل الفلسطينيون على القدس الشرقية عاصمة لدولتهم؛ ولن يُسمح للاجئين بالعودة إلى إسرائيل، وإنشاء عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية في أبو ديس، وإضافة أجزاء من شبه جزيرة سيناء المصرية إلى غزة مقابل أراض في الضفة سيتنازل عنها الفلسطينيون. إلا أن مصر كانت قد رفضت في السابق اقتراحات كهذه، حيث بين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أنه رفض الفكرة عندما طرحها عليه نتنياهو في عام 2010. وبنفس المنطق أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 8تشرين الثاني/نوفمبر2017، أن حل القضية الفلسطينية لن يكون على حساب مصر.

وتجدر الإشارة إلى أن السعودية أمهلت الرئيس عباس مدة شهرين لقبول الخطة أو مواجهة ضغوطات تطالبه بالتنحي عن منصبه لصالح شخص أكثر استعدادا لقبول الاقتراح. وقد أفاد موقع “ميدل ايست” في15كانون الأول/ديسمبر2017، أن السعودية مارست ضغطًا على الرئيس عباس والملك عبد الله الثاني؛ لثنيهم عن المشاركة في القمة الإسلامية التي عقدت في تركيا في13كانون الأول/ديسمبر2017 لبحث إعلان ترامب إزاء القدس، من أجل إضعاف القمة وإفراغها من جوهرها، ولكنهما رفضا.

وهذا الطرح ليس حديثًا، فقد نشرت “بي بي سي” وثائق بريطانية تعود إلى سنة 1983، وهي تكشف عن قبول العديد من الزعماء العرب لنقل الفلسطينيين إلى سيناء وغزة وتهجير قسم كبير، إلا أن الشعوب أطاحت بهذه المخططات.

وفي الزيارة الثانية للرئيس عباس إلى الرياض التي تمت في 20كانون الأول/ديسمبر2017، كشفت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية أن بن سلمان، لم يلجأ كما في المرة السابقة إلى التهديد والوعيد، بل لجأ إلى الدبلوماسية من أجل إقناع الرئيس بالخطة التي تعدها الإدارة الأميركية. فوفقًا للصحيفة، بين بن سلمان للرئيس عباس بأن الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة التي بإمكانها أن تضغط على إسرائيل في أي عملية سلام، ولا يمكن لأي جهة أخرى القيام بذلك. وطلب من الرئيس استقبال نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية استقباله سابقًا.

بعد قرن على وعد بلفور من قبل بريطانيا واحتفالها بهذا الوعد في ذكراه المئوية، تم إعلان وعد جديد الذي جاء هذه المرة من أمريكا -وعد ترامب- الذي يمنح القدس لإسرائيل من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة دولة الاحتلال -إسرائيل- ونقل السفارة الأمريكية للقدس. لقد تكرر مشهد بلفور “الذي أعطى من لايملك لمن لايستحق”. والمهم أن وعد ترامب لايمكن أن يحدث لولا الموقف العربي المتخاذل والموافق على هذا القرار، وأكبر دليل على ذلك أن كل المواقف العربية الرسمية بعد اتخاذ القرار لم تتجاوز الاستنكار والشجب.
وترى إسرائيل أن القرار الأمريكي لا يحمل سوى دلالة رمزية فقط بالنظر إلى سيطرة إسرائيل واقعيًّا على القدس، والتشريع الأمريكي الصادر من الكونجرس في سنة 1995 وعلى مدار 22 عامًا قام الرؤساء الأمريكيين بتأجيل تنفيذ القانون بصورة روتينية كل ستة أشهر. وإسرائيل منذ احتلالها لكامل أرجاء المدينة سنة 1967 عكفت على تعزيز هيمنتها عليها، ووصلت المحاولات أوجها في سنة 1980 بإصدار “قانون أساس: القدس عاصمة إسرائيل”.

ويقودنا هذا إلى تساؤل مفاده، لماذا الآن؟. لأن إسرائيل لا تتوقع حدوث ردود فعل فلسطينية لا يمكن السيطرة عليها، ولقد عبر عن ذلك رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق “عاموس يادلين”، بقوله إن الفلسطينيين والعرب والأتراك “يهدّدون بمسدس فارغ”، وبرر ذلك بانشغال الرأي العام العربي في قضايا الصراعات الإقليمية.

وإن اتصال ترامب بقادة فلسطينيين وعرب لم يكن لإعلامهم بقراره نقل سفارته للقدس، وإنما لتحذيرهم من القيام بأي خطوات ضد القرار. وتبعية غالبية الحكومات العربية والإسلامية لأمريكا تؤكد على أن هذه الدول تغلب مصالحها على أي اعتبارات دينية أو قومية.

وهذا ما أكده الوزير الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن الإدارة الأميركية قامت مسبقاً بالتنسيق مع قادة من الدول العربية بشأن قرار ترامب، وذلك لضمان احتواء ردة الفعل الفلسطينية على القرار. .وعلى نفس المنوال، أكد رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت بأن هناك توافق مع السعودية، معربًا عن ثقته في إقامة تحالف مع الدول العربية لمواجهة الخطر الإيراني.

فقد بين وزير الخارجية الألماني الأسبق يوشكا فيشر، في 27 كانون أول/ديسمبر 2017 في مقال نشره موقع يورو نيوز بأن هناك تحالفًا سعوديًا- إسرائيليًا لمواجهة إيران، مؤكدًا فيما يخص نقل السفارة الأمريكية للقدس بأن ترامب ما كان ليتخذ هذا القرار لولا استجابة دول كبرى مثل السعودية ومصر والأردن.

وردًا على ما سبق، سخرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” في 7كانون الثاني/يناير 2018 من تناقض مواقف نظامي الحكم في كل من مصر والسعودية المعلنة والسرية من القضية الفلسطينية، حيث أشار ليعاد أوسمو إلى أنه في الوقت الذي يدعي المسؤولون في مصر والسعودية دعمهم الموقف الفلسطيني المتشبث بالقدس عاصمة لفلسطين، فإنهم يعبرون عن مواقف مغايرة في الغرف المغلقة. معلقًا على الضغط السعودي بقبول أبو ديس عاصمة بدلًا من القدس، وعلى قيام الأجهزة الأمنية المصرية بإقناع الشعب المصري بقبول رام الله عاصمة للفلسطينيين لأن الصراع مع إسرائيل ليس من مصلحة مصر، هي الحقيقة التي تتبناها الدولتان.

وفي نفس السياق، نشر موقع العربي الجديد تقريرًا في 8كانون الثاني /يناير2018 بعيد اجتماع الوفد العربي الوزاري المصغر المكلف بمتابعة تداعيات القرار الأميركي بشأن القدس، الذي عقد في الأردن، بأن هناك ضغوطًا ليس فقد من قبل الإدارة الأمريكية على الفلسطينيين وإنما من قبل البعض العربي وتحديدًا مصر والسعودية. فقد رفض وزراء الدول العربية أي مقترح لمواجهة القرار، مما دفع وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي إلى الامتناع عن المشاركة في المؤتمر الصحافي لعرض نتائج الاجتماع. وطلبت كل من السعودية ومصر بشكل مباشر من المالكي عدم مطالبتهما بتبني أي موقف ضد الولايات المتحدة الأميركية.

ويتجلى مما سبق، أن الموقف الرسمي العربي- الإسلامي تجاه صفقة القرن وقرار ترامب يؤكد بأن العلاقة مع إسرائيل أهم من المقدسات الإسلامية والقضية الفلسطينية. فردود الفعل الرسمية على القرار لم تصل لمستوى الشجب والاستنكار، فاجتماع رؤساء الدول العربية والإسلامية في قمة اسطنبول لم ينتج عنه حتى قرار واحد على المستوى الرسمي يؤكد رفض هذه الدول المجتمعة لقرار ترامب، فعلى سبيل المثال لم يتم قطع العلاقات مع إسرائيل وأمريكا، أو سحب سفرائهم من أمريكا وإسرائيل، أو حتى طرد السفراء الإسرائيليين والأمريكيين من بلادهم. إضافة إلى أن بعض الدول العربية متواطئة مع هذا القرار، وتريد منع أي حراك ضد القرار. فقد كشف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية أن دولًا عربية أفشلت عقد قمة عربية طارئة. فالتضامن العربي مع القضية الفلسطينية كان باهتاً جدا. ويتبدى ذلك من خلال تصريح لوزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، في 21كانون الأول/ديسمبر2017، بين فيه أن قضية فلسطين قضية جانبية وليس من المفيد إثارة الخلاف مع أمريكا بشأنها.

إن كل الأحداث السابقة شجعت إسرائيل لانتهاز الفرصة والتوقيت الزمني لاتخاذ ثلاثة قرارات خطيرة أولها، قرار حزب الليكود الحاكم في 31كانون الأول/ديسمبر2017 الذي نص على” فرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات وامتداداتها في الضفة الغربية والقدس المحتلة وضمها إلى إسرائيل”، وثانيها مصادقة الكنيست الإسرائيلي في 1كانون الثاني /يناير2018على مشروع قانون خاص بالقدس المحتلة “قانون القدس الموحدة”، وثالثها، مصادقة الكنيست في 3 كانون الثاني/يناير2018 ، بالقراءة التمهيدية على قانون عقوبة الإعدام لمنفذي العمليات الفدائية التي أدت إلى مقتل مستوطنين وجنود.

إن علاقة أمريكا في العرب هي علاقة قائمة على المصلحة، فأمريكا لن تقدم للعرب شيئا ولن تقف في صفهم، فهدفها فقط حماية إسرائيل، لذلك تقوم باستغلال البعض العربي من أجل تدمير وإثارة القلاقل وإسقاط رؤساء في بعض الدول التي تشكل خطرًا على إسرائيل. ومن ثم بعد أن تقوم بتدمير الوطن العربي ستتخلى عمن ساعدها وساندها من الدول العربية التي ستلتحق بدورها بقطار الدمار، لأن أمريكا وإسرائيل معنيتان بالسيطرة على المنطقة العربية وفق قاعدة فرق تسد.

وفي هذا الصدد، يتساءل الكاتب الأمريكي توماس فريدمان هل بإمكان ترامب تقدير التأثير المدمر نتيجة ما يفعله حالياً في الضفة الغربية؟. ولكن الباحث يخالف فريدمان الرأي، فبناء على معطيات لدى إسرائيل، قامت بالإيعاز لأمريكا بالتوقيت لتنفيذ قرار نقل السفارة إلى القدس، فكل من إسرائيل وأمريكا تدركان ما تفعلان، فإسرائيل متأكدة تمامًا بأنه التوقيت المناسب ولن يكون هناك أي تحرك ولو حتى بالكلمة على المستوى العربي والإسلامي الرسمي، فقد عملت بكل جهدها في الدول العربية على المستوى الرسمي والشعبي خلال الفترة السابقة على شيطنة الفلسطينيين ونقل القضية الفلسطينية من قضية محورية للعرب والمسلمين لقضية هامشية.

أما فيما يخص الموقف السياسي الرسمي الفلسطيني، فإن المشهد يؤكد تلكؤ الرئيس عباس في اتخاذ أي قرار، وارتهان قراره للدول العربية. فقد تأخر في عقد اجتماع المجلس المركزي والأطر القيادية، والذي عقد بعد أربعين يومًا من وعد ترامب، ولم ينتج عنه أي قرار عملي تجاه أمريكا وإسرائيل. وبما أن القرار السياسي الفلسطيني هو قرار فردي أو قرار الرئيس فلن يتخذ أي قرار استراتيجي كما فعل سلفه الشهيد أبو عمار. فحتى الآن لم يتم حتى قطع التنسيق الأمني، فلماذا نطالب الدول العربية والإسلامية باتخاذ إجراءات عقابية تجاه قرار ترامب لم نتخذها نحن.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/04/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد