د. محجوب أحمد قاهري

ليس من الصدفة في شيء في أن يتزامن حدثان في السياسة الخارجية الألمانية فيما يخص الشرق الأوسط. الحدث الأول، إقرار البرلمان الألماني الأربعاء 26 أبريل، يوم واحد قبل زيارة المستشارة ميركل إلى أمريكا، بيهودية دولة إسرائيل، وان أمن وسيادة هذا الكيان ركنا رئيسيا في السياسة الخارجية والأمنية لألمانيا. وأما الحدث الثاني، وهو ما قالته المستشارة، يوم 27 أبريل، في مؤتمرها الصحفي مع الرئيس ترامب، بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن برنامج إيران النووي غير كاف، وعليهم، أي دول الغرب، كبح نفوذ إيران في المنطقة.

الخيط الرابط بين الحدثين هو أمن إسرائيل. أمن إسرائيل الذي لا يهدده “الاسطبل العربي”، الذي ظل تابعا ومفعولا به، لا يستمد شرعيته من شعبه، ومن قواه الذاتية اللامحدودة، وإنما من أداء طقوس الولاء والطاعة للكيان الصهيوني. أمن إسرائيل الذي أجمع الغرب بأن الدولة الباقية، الوحيدة، والقوة الحقيقية التي قد تهدده هي إيران.

أمن إسرائيل الذي اختبر الغرب لأجله قوة إيران، لأكثر من ثلاثين عاما، فانتصرت عليهم. اختبروها على أرضها بدعم الراحل صدام حسين فلم تنهزم، وازداد جيشها قوة وتعويلا على الذات. واختبروها على أراض أخرى فانتصرت عليهم، في العراق وسوريا، وحتى في لبنان وغزة.

فإسرائيل لم تخسر حربا واحدة أمام العرب، ولم تربح حربا واحدة أمام إيران، أو العرب المرتبطين بها.

ولأجل أمن إسرائيل يرى الغرب بأنها تغرق أمام إيران. فسيطرة إيران على سوريا سيجعل من إسرائيل في فك المارد الإيراني وأنيابه، شرقا وشمالا وجنوبا، بمعاضدة حزب الله وحماس. ولن يبقى لها سوى البحر الأبيض المتوسط، لكي تلقى فيه بنفسها، أو تلقيها فيه إيران وليس العرب. لذلك هرعت السيدة المستشارة ميركل لزميلها السيد ترامب طالبة كبح نفوذ إيران في المنطقة.

وليس غريبا بأنه من أجل أمن إسرائيل وقع الفرز بين دول الثورة. الدول التي كانت على علاقة بإسرائيل منعوا سقوطها وخرابها، مع ضمان حكم لا يعادي إسرائيل، بل يصادقها، مثل تونس ومصر. والدول التي كانت في عداء مع الكيان الصهيوني، قاموا بتخريبها، وأشاعوا فيها القتل، مثل ليبيا وسوريا واليمن، وقبلهم العراق العظيم. ولم يبقى من العرب سوى الموالين للصهاينة.

ولأجل أمن إسرائيل لن تنام عيون الغرب قبل أن يقلموا أظافر القوة الإيرانية، وأن يهدموا مشروعها النووي. ولن يفعلوا ذلك باستعمال القوة العسكرية، فلن يستطيعوا حتى قصف سلاح كلاشنكوف يوجد فوق الأراضي الإيرانية، فهم يعلمون بأنها قادرة على الرد، دون خوف، أو استحياء. فما بالك بقصف مشروع نووي، أعدت له إيران العدة والتحصينات الكافية.

سلاح الغرب أمام إيران هو فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، والعمل على أحداث فوضى من داخل إيران نفسها، باستعمال أبنائها، تماما مثلما فعلوا في دول عربية أخرى ونجحوا. ويبدو بأن إيران قرأت ألف حساب لهذا السلاح، وتجهزت له، وقد خبرت مقاومة الحصار والتحركات الشعبية المبرمجة من الخارج.

كلمة السر في أمن إسرائيل هي إيران. إيران التي تجيّش الغرب وأتباعهم العرب لتدميرها، أو تغييرها، وافتكاك أسلحتها. إيران التي لن يقدر عليها الغرب والعرب مجتمعين. فالغرب قد جرب كل أسلحته، والعرب قد دفعوا كل أموالهم.

صحيفة رأي اليوم